أهل الأعذار في الصيام ….. د. ناجي بن وقدان

      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعدُ:

فإنَّ شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، فرض الله عز وجل صيامه، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة قيامه، والله عز وجل فرض صيامه؛ كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن مكانةَ هذا الشهر؛ كما في الحديث الصحيح الذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت مَن استطاع إليه سبيلًا).

والصيام أيها المسلمون كما عرَّفه العلماء: هو إمساك بنية عن أشياء مخصوصة في زمن معين من شخص مخصوص.

وقولهم: إمساك بنية يعني أنَّ الصيام هو الإمساك عن سائر المفطرات، ولا بد للصيام من النية، وهو أن يُبيت النية من الليل، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا؛ فلا بد أن تكون النية فيه خالصة لله عز وجل؛ كما قال جل ذكره: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه)، فهذا هو أحد أجزاء التعريف للصيام: إمساك بنية.

عن أشياء مخصوصة: التي هي مفسدات الصوم أو مفطِّرات الصائم يُمسك عنها الصائم.

في زمن معين: يعني أنَّ الصوم له زمن يبتدئ به، وله زمن ينتهي فيه، فابتداؤه من الفجر الثاني وانتهاؤه بغروب الشمس، والمسلم بين هذه البداية وهذه النهاية يجب أن يمسك عن سائر المفطرات.

وقول العلماء: من شخص مخصوص: الشخص المخصوص هو المسلم البالغ العاقل غير المعذور، فهذا هو الشخص المخصوص المقصود في التعريف.

المسلم فلا يصح الصيام من كافر؛ لأنَّ سائر أعمال الكفار مردودة؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

والبالغ فلا يلزم الصيام غير البالغ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ)، ولكن يُؤمر الصبي بالصيام؛ تدريبًا له وتمرينًا على العبادة كما كان الصحابة يفعلون، فقد كانوا يُصوِّمون صبيانهم في شهر رمضان تدريبًا لهم على الصيام، حتى إذا بلغوا فإذا هم قد تدرَّبوا على الصيام، وقدروا على تحمُّل هذا الواجب.

كذلك الصيام لا يصح إلا من العاقل، فالمجنون لا يصح صيامه؛ كما مرَّ في الحديث السابق: (رُفع القلم عن ثلاثة)، وعدَّ منهم (المجنون حتى يفيق)، فإذا جُنَّ شخص جنونًا شاملًا مُطبقًا، فلا صيام عليه، ومن جُنَّ سائر اليوم من طلوع الفجر الثاني حتى غروب الشمس، فلا يلزمه الصيام، ولا يجب عليه إعادته.

 

وقولهم: غير المعذور يفيد أنَّ هناك أشخاصًا معذورين عن الصيام، فيجوز لهم الفطر؛ سواءً وجب الفطر إلى بدل من أيام أُخر، أو إلى غير بدل.

ومن الأشخاص المعذورين الذين لا يلزمهم الصيام إلى بدل، وهم الملحق بالمجنون؛ مثل: الشيخ الهرم، كما نقول: المخرِّف، الذي أصبح لا يدرك الوقت ولا الزمن، فإنَّ هذا ليس عليه صيام، وليس عليه أيضًا قضاء؛ لأنه في حكم المجنون.

ونتكلم عن المعذورين وهم الذين عقد لهم الحديث هذا اليوم، والبداءة بالمريض، والله عز وجل يقول: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]؛ أي: كان مقيمًا حاضرًا، ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185]، فالله عز وجل بدأ من المعذورين بالمريض، والمريض المراد الذي يُرجى برؤه، فالمريض الذي يُرجى برؤه يمكن تقسيم أحواله إلى ثلاث:

الحال الأولى: مريض لا يشق عليه الصيام ولا يضره: فهذا يجب عليه الصوم مثل مثلًا مريض السكر الذي لا يشق عليه الصيام ولا يضره، فهو وإن سُمِّي مريضًا، فإنه يجب عليه الصيام، ولا يجوز له ترك الصيام.

الحال الثانية: المريض الذي يشق عليه الصيام، ولكنه يضره: فهذا الذي يجوز له الإفطار، وعليه أن يقضي أيام أُخر؛ كما قال الله عز وجل ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾.

والحال الثالثة: المريض الذي يضره الصيام: فهذا يجب عليه الفطر حفاظًا على نفسه بأن كان الصيام يؤدي مثلًا إلى هلكته، أو تلف شيء من أعضائه، فإن هذا قد رخَّص له الله عز وجل، والآيات الأخرى التي تدل على وجوب محافظته على نفسه، توجب عليه الفطر، والله عز وجل يقول: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، ويقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح: (لا ضرر ولا ضرار)؛ حديث رواه ابن ماجه والدارقطني، والإمام مالك، وله طرق كما يقول الإمام النووي: وله طرق يقوي بعضها بعضًا.

فالمريض الذي الصيام يضره ويؤدي إلى هلاكه، فإنه لا يجوز له الصيام، ويجب عليه الفطر.

والثاني من المعذورين: العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًّا؛ كالشيخ الكبير الذي يعقل، ولكنَّه يَعجِز عن الصيام؛ يعني: نقول: عقله معه، ولكن لا يطيق الصيام لتقدُّمه في السن، وكالمريض أيضًا الذي لا يُرجى برؤه، كأن يكون مريضًا بأحد الأمراض المستعصية؛ مثل مرض الكُلى، فمريض الكلى أو نحو ذلك من الأمراض، لا يُرجى شفاؤه، ولا يتمكَّن معها من الصيام، فهذا يفطر ويكفِّر عن كل أن يطعم كل يوم مسكينًا، وقد حدث هذا مع بعض الصحابة، فأفطروا وكفَّروا، والكفارة يجوز إخراجها للشهر في بدايته كاملة أو في نهاية الشهر، أو كل يوم بيومه، المهم عن كل يوم إطعام مسكين، ويقدَّر ذلك بكيلو ونصف، وإن غدَّى أو عشَّى كل يوم مسكينًا جازَ، وإن جمع بعدد الشهر مساكين، فغدَّاهم أو عشَّاهم يومًا ما، جاز ذلك، كل هذه السبل جائزة، المهم أن المريض الذي لا يُرجى برؤه والعاجز عجزًا مستمرًّا كالكبير في السن مع ثبات عقله، هؤلاء يفطرون ويكفِّرون.

الثالث من المعذورين بالفطر في شهر رمضان المسافر: وقد مرَّ معنا الآية صريحة في ذلك: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾؛ يعني: من كان مريضًا أو على سفر، فأفطر فعدة من أيام أخر.

وينبغي أن ننبِّه إلى أن المسافر الذي يجوز له الفطر الذي لم يقصد بسفره الإفطار، فلو أن إنسانًا قصد التحايل، فسافر ليفطر، فإن هذا يحرم عليه السفر، ويحرم عليه الإفطار، من سافر تحايلًا ليفطر فقط، فإن هذا يحرم عليه السفر، ويحرم عليه الإفطار، لكن إنسان سافر لعارض من العوارض، لحاجة من حوائجه، لشأن من شؤونه المباحة أو المشروعة ثم أفطر، فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، ولو أفطر جميع الشهر، وكان الشهر تسعة وعشرين يومًا، فيصوم تسعة وعشرين يومًا، وإن كان الشهر ثلاثين يومًا، صام ثلاثين يومًا.

ولكن الأصل هنا أنه يجوز للمسافر أن يفطر؛ سواء كان السفر بعض الأيام، أو كل الشهر، أو حتى الذي سفره مستمر في جميع السنة، كل هؤلاء يجوز لهم الفطر، لو كان مثلًا من أصحاب التكاسي طول السنة مسافر، وأراد أن يفطر في شهر رمضان؛ لأنه يصادف حرًّا ومشقة، ويريد أن يصومه في وقت ثان من الشهر – جاز، الأمر في هذا واسع؛ لأن الله عز وجل أباح الفطر، فتشمله الآية، ويجوز له الفطر، وأن يقضي عدة من أيام أخر.

البحث الآن في أيهما الأفضل لمن سافر أن يفطر أو يمسك؟ فالتحقيق أن من وجد قوةً صام، فالأفضل له الصيام، وإن وجد ضعفًا، فالأفضل له الفطر، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرون من كان مسافرًا، فإن وجد قوة صام، وإن وجد ضعفًا أفطر، كان حسنًا، إذا تساوى الأمران الصيام والإفطار عنده، فإن الصيام في هذه الحال أولى؛ لأنه أسرع لبراءة ذِمته والقيام بواجب الصيام، لكن الصوم إذا كان يشق على الإنسان مع السفر، فإن الأَولى هو الفطر، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، فأُخبر بأن الصيام شق عليهم، فخرج وأفطر أمام الناس، فقيل له: إن قومًا لم يفطروا مع مشقة ذلك عليهم، فقال: (أولئك هم العصاة، أولئك هم العصاة)، فدلَّ ذلك على أن الصيام إذا كان يشق على المسافر، فإنَّ الفطر له أَولى.

إذًا عندنا تفصيل في مسألة المسافر، فمن وجد قوة فصام، فهو الأَولى، وإن وجد ضعفًا فأفطر، كان حسنًا، وإذا تساوى الأمران، فالواجب الصيام لسرعة براءة الذمة، وإذا شق الصيام فالأولى أو نقول: المتعين هو الإفطار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذين لم يفطروا: (أولئك هم العصاة، أولئك هم العصاة)؛ لأنهم صاموا مع مشقة الصيام عليهم، ولم يقبلوا رُخصة الله عز وجل لهم، فالأَولى لمن شق عليه الصيام أن يُفطر.

والإنسان حتى لو بدأ يومه صائمًا؛ لأنه كان مقيمًا ثم سافر، فإنه يجوز له أن يفطر في أثناء الطريق، وهنا سؤال يتكرر: لو قَدِمَ الإنسان من سفر وهو مفطر، فهل يلزمه الإمساك إذا وصل إلى أهله وإلى بلده؟

اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: يلزمه أن يمسك احترامًا للشهر، وأن يصوم يومًا مكانه، ومنهم من قال: لا يلزمه الإمساك؛ لأنه بدأ اليوم مفطرًا بعذر، وهذا اليوم لا يجزئه؛ يعني: عليه أن يقضي مكانه يومًا آخر، فلا فائدة من إلزامه بالصيام، ولعل هذا أظهر؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أكل أول النهار، فليأكل آخره)، فما دام أن القضاء واجب عليه، فيجوز له فطر سائر اليوم، لكن ثَمة أمر ننبه إليه، وهو أنه إذا كان مقيمًا وأفطر، فينبغي أن يُسِرَّ فطره حتى لا يُساء به الظن، بل حتى الإنسان المريض أو المعذور والمسافر، إذا خرج بين الناس فإنه يتأكد في حقه ألا يُعلن فطره؛ لما في ذلك من إساءة الظن به، ولما قد يكون من سوء الاقتداء به، ونحو ذلك من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يحترز منها، وأن يدفع عنه سوء الظن وسوء القدوة.

والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته صفية إلى المسجد، فخرج معها ليقابلها، فشاهده عمر رضي الله عنه، فأسرع الخطى؛ حتى لا يسمع شيئًا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (على رِسلك إنما هي صفية)، يقصد دفع مقالة السوء عن عرضه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يُظن بالنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لكنه أراد أن يعلِّم أُمته أنَّ دفع الإنسان مقالة السوء عن نفسه أمر مشروع ومقرَّر، ولذلك نقول: إن المسافر أو المريض إذا أفطر، فلا يعلن ذلك أمام الناس؛ حتى لا يساء به الظن، وحتى لا يُقتدى به من قِبَل السفهاء.

والرابع من المعذورين بالفطر في شهر رمضان: الحائض والنفساء، الحائض والنفساء معذورة، بل لا يصح منها الصيام أبدًا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة: (أليست إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تصم)، فإذا حاضت المرأة، فلا يصح لها صيام، وعليها أن تقضي ما أفطرته من الأيام متى ما انقضى الشهر، وهي لا شك إذا طهرت وجب عليها أن تصوم بقية الشهر الذي أفطرت فيه، وأن تقضي هذه الأيام أيضًا بعد خروج الشهر، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها: لماذا تقضي الحائض الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: إن ذلك كان يصيبنا، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.

إذا طهرت المرأة أثناء النهار، هل يلزمها الصيام؟ مثل ما قلنا في المسافر، يعني الخلاف والترجيح، فلا يلزمها الصوم على الراجح، ولها الفطر؛ لأن هذا اليوم الذي أفطرت بعضه بسبب الحيض، لا يلزمها أن تصوم باقيه.

إذا طهرت المرأة أيضًا قبل الفجر ولو بلحظة، فإنه يجب عليها الصيام، ولو لم تتطهر من الحيض إلا بعد طلوع الفجر الثاني لا يضرها.

هناك سؤال أيضًا يكثر السؤال عنه من النساء: امرأة صامت يومها وأفطرت، فلما ذهبت لتتوضأ المغرب، رأت دم الحيض على ملابسها الداخلية، فهل هذا اليوم يجب عليها إعادته أو لا؟

لا، لا يجب عليها إعادته؛ لأنها صامت بيقين، فلا يلزمها الإفطار إلا بيقين، والقاعدة الفقهية تقول: الأصل في الحادث أن ينسب إلى أقرب أوقاته، فأقرب أوقاته أنه لم يحدث إلا بعد الغروب حينما رأته، ولا يمكن عطفه إلى ما قبل ذلك.

إذًا الحائض والنفساء من المعذورين بالفطر في نهار رمضان، بل يجب عليهم الفطر، ولا يصح لهما الصيام، وعليهما أن يقضيا عدة من أيام أخر من الأيام التي أفطرتا فيها.

كذلك من المعذورين بالفطر في نهار رمضان، المرأة الحامل والمرضع إذا خافت على ولدها أو خافت على نفسها؛ سواء خافت على نفسها، أو على ولدها، تخاف المرأة الحامل على جنينها أن يصيبه إسقاط أو سوء، أو كذلك تخاف المرضع على ولدها أن يقل لبنها عنه، ولا بديل لهذا اللبن مثلًا، فيضر ذلك بالطفل، فإنه يجوز لها أن تفطر، وكما روى الصحابي الجليل أنس بن مالك الكعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع شطر الصلاة عن المسافر، والصوم عن المسافر والمرضع والحبلى)، فالمرضع والحبلى وضع الله عز وجل عنهما الصوم، فدل ذلك على أن المرأة الحبلى والمرضع إذا خافت على نفسها أو على ولدها، جاز لها الفطر في نهار رمضان، وعليها أن تقضي عدة من أيام أخر بعدد الأيام التي أفطرت فيها.

وهل يلزم مع ذلك كفارة؟ إذا كانت المرأة قد خافت على نفسها أو خافت على نفسها وعلى ولدها، فإنه هنا ليس عليها كفارة، لماذا؟ لأنها ملحقة بحكم المريض، أما إذا خافت على ولدها فقط، فهنا يجب القضاء، أو كفارة إطعام مسكين عن كل يوم أفطرت فيه، يتحمله ولي الطفل.

من المعذورين بالفطر في نهار رمضان مع قضاء عدة من أيام أخر من أفطر لدفع ضرورة؛ من إنقاذ معصوم أو غريق، أو حريق ونحوهما، وكذا من احتاج للفطر للتقوي على الجهاد، فإذا الإنسان احتاج لإنقاذ مسلم من هلكة، كأن يكون قد وجد شخصًا غريقًا، وأراد التقوي على إنقاذه من هذه الهلكة، فشرب للتقوي على ذلك، فإن ذلك يجوز، بل يكون مأمورًا بهذا الأمر؛ لأن فيه دفعَ وإنقاد مسلم من هلكة، فكان لمثل هذا الفطر، كذلك لو شبَّ حريق وأراد التقوي على إطفائها بالأكل أو الشرب، فهذا ممكن الآن، مثلًا رجال الإطفاء لو حدث شيء في رمضان، ولم يمكنهم مقاومة مثل هذا الحريق إلا بالإفطار، جاز لهم الإفطار، إذا كان ذلك لدفع ضرورة من إنقاذ هلكة، أو أموال خشية تلفها من مثل هذه الحرائق التي يسري ضررها إلى الممتلكات وإلى الأنفس.

كذلك الفطر للتقوي على الجهاد مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإذا احتاج المسلم للتقوي على الجهاد، وكان ذلك في نهار رمضان – لدفع العدو – فإنه يجوز له أيضًا الفطر.

وهنا سؤال يتكرر وهو يتعلق بأصحاب المهن الشاقة الذين يعملون مثلًا في مناجم الفحم، وما في حكمها، فهل يجوز لهم الإفطار؟ ونقول: لا، لا يجوز لهم الإفطار، بل عليهم الصيام واجتناب الأعمال في هذا الشهر إذا كان عندهم ما يغنيهم عن الكسب، يأخذ له إجازة، أو أي سبيل من السبل التي ينفك بها عن هذا العمل في هذا الشهر؛ ليقوم بهذا الواجب العظيم، فيفعل ذلك.

أما إذا لم يجد ما يقوت أهله وأولاده، فماذا يفعل؟

فنقول: ينطلق إلى عمله ويقوم به، وليس له الفطر، إلا أن يصيبه إعياء شديد يخشى فيه على نفسه، فيفطر فقط بقدر ما يتقوى، كما يجوز مثلًا للمضطر لأكل الميتة فقط، ولا يجوز له ابتداءً أن يفطر، وأن يتخذ ذلك دَيدنًا له لما له في ذلك من التهاون بهذا الشهر.

هذا ما يتعلق بالمعذورين في الفطر في نهار رمضان، وما يلزمهم من القضاء، وهم في الجملة يلزمهم القضاء إلا من كان فاقدًا للعقل، أو كان مرضه أو عجزه مستمرًّا، وأما الباقون فيقضي كل مفطر عدة من أيام أخر.

هناك بعض المسائل لها وجه من الأعذار يتعلق بالأهلية؛ مثل: الناسي والمكره والجاهل، فإنه إذا تناول شيئًا من المفطرات في نهار رمضان، فإنَّ ذلك لا يفسد صومه، ولا يعني أنه يجوز له أن يفطر ابتداءً، فقد ثبت كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليُتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، فقوله صلى الله عليه وسلم: (فليتم صومه)، دليل على أنه ما مضى منه صحيح، وقوله: (فإنما أطعمه الله وسقاه)، دليل على رفع الإثم عنه، فإذا أكل الإنسان أو شرب ناسيًا، فليتم صومه وهو معذور، ولا يفسد ذلك صومه.

كذلك المكره، فالإنسان لو أُكره على تناول مفطر من المفطرات؛ سواء أُكره عليه بالتهديد، أو صُبَّ مثلًا في فمه الماء بالإكراه، أو نحو ذلك، فإن المكره معذور ولا يفسد صومه، لو أكل أو شرب بالإكراه، بل صومه صحيح، ويتم يومه، ولا يلزمه قضاء ذلك اليوم كالناسي أيضًا.

وكذلك الجاهل، ومنه الجاهل بالوقت، يعني لو أن إنسانًا أكل أو شرب ظانًّا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين له طلوع الفجر، فإن صيامه صحيح؛ لأنه كان جاهلًا بالوقت، والله عز وجل يقول: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، وقد حدث لبعض الصحابة، فأخذ يأكل ويشرب ووضع الخيط تحت وساده، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود حتى طلع الفجر، وهو لم يدر، فما علم إلا وقد طلع عليه الفجر، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (إن وسادك إذًا لعريض)، والمراد هو سواد الليل وبياض النهار، وليس سواد الخيط وبياض الخيط، فهذا كان جاهلًا وعذره النبي صلى الله عليه وسلم. محاضرة الشيخ /عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين- عضو هيئة كبار العلماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *