الحياء الحقيقي للمرأة الصالحة الأصيلة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد:
فإن الله تعالى يقول(فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) القصص 25 ،وهذه الآية تتحدَّث عن الحياء الحقيقي الموافق للفطرة السليمة، ولِمَا جاءت به الشريعة الحكيمة،والذي يجب أن تتحلى به كل امرأة مسلمة أصيلة،إذا أن هذه الفتاة جاءت إلى موسى عليه السلام تدعوه إلى أبيها ليجزيه أجر معروفه في السقيا، أتته بما يدل على كرم عنصرها، وخُلُقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء، ولم تأته سليطة اللسان،ولا متشدقة برفع صوتها والاستعلاء عليه كما تفعل كثير من نساء اليوم إلا ما رحم ربي،كفقير يرجوا فضل ربه جل وعلا،بل جاءته على استحياء وعفاف وتقوى وكلام بالمعروف ولم تتجاوز معه سوى كلمات قليلة معدودة في حدود الرسالة التي أرسلت بها وبكل أدب رفيع (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) ولم تفاصله أو تسأله من أين أتى ومن هو وما اسمه، ولم ترقق في صوتها وتخضع فيه،بل كان الحياء وسامها،والتقوى لباسها،ذات معدن أصيل،لا يفعل فعلها إلا كل امرأة أصيلة،وكانت خلفه في الطريق لا تزيد في الكلام على دلالته على الطريق ،قال ابن كثير رحمه الله(فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) أي : مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، أنه قال : كانت مستترة بكم درعها) وقال أيضا(فأقبلت إليه ليست بسَلْفَعٍ(أي سليطة لسان) مِن النِّساء، لا خرَّاجة ولا ولَّاجة، واضعة ثوبها على وجهها)،وقال الإمام الطبري رحمه الله(فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سَقَى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها)وعند الإمام القرطبي رحمه الله قوله(جاءته ساترة وجهها بكم درعها) إلى غير ذلك من الأقوال التي تدل على وجود تغطية الوجه وستره في الأمم السابقة.
ثم جاءت الشريعة لتؤكد هذا المبدأ العظيم فتأمر بتغطية الوجه درءا للفتنة وسدا لأبواب الفساد،وحماية للأعراض، وصيانة للمرأة المسلمة،فالوجه أعظم مواطن الزينة في المرأة،ومحط الإقدام على خطبتها ونكاحها،وبدونه لا ينظر الخاطب إليها،بل ما افتتن كثير من الرجال وحصلت المآسي إلا بسبب فتنة كشف الوجه،ولذلك كانت تغطيتة وستره من أعظم أسباب الحماية والبعد عن الوقوع في الفاحشة والزنا.
وثَمَّ صفة أخرى من صفات العفة والحياء اتصفت بها تلك الفتاة،وهي صفة القرار في البيت،فلا تخرج إلا لما يضطرها الخروج إليه،وهذا الذي وصفها به عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله(لا خرَّاجة ولا ولَّاجة) وهذا فيه دلالة على أن المرأة الخراجة الولاجة لكل صغيرة وكبيرة،بعيدة عن صفات الحياء والعفة،وقد نزل القرآن ليؤكد أن قرار المرأة في بيتها خير لها إلا في حالات الضرورة،كما قال عز وجل(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)وأن كثرة الخروج والولوج تشبها بنساء الجاهلية،ثم أمرهن في ذات الآية بعد الصلاة والزكاة ،بطاعة الله ورسوله ومن ذلك القرار في البيت،لا كما تفعله الكثير من نساء اليوم من عصيان هذا الأمر والخروج المطرد إلى الأسواق والكافيهات والحدائق وخصوصا بعد السماح بقيادة السيارة،فلم تعد معها النساء يقرن في بيوتهن ويؤدين واجباتهن،وكثرة الخروج والولوج يعتبر من قبائح الأخلاق ومساوئ الأعمال.فأين نساء اليوم من تلك الفتاة المؤمنة العفيفة؟