الحمد لله رب العالمين جعل الأمن مقرونًا بالإيمان فقال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسبحانه وتعالى عما يشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق و به كانوا يعدلون وسلم تسليمًا كثيراً أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الأمن ضرورة للمجتمع لكل مجتمع من مجتمعات البشرية ولا سيما مجتمع المسلمين ، والأمن ضد الخوف وضد القلق وضد الانزعاج والترقب وهو ضرورة لكل مجتمع لأن به تتم المصالح تستقيم المصالح وتستتم وبفقده تضيع الحقوق وتضيع المصالح ويحصل القلق والخوف ، تحصل الفوضى ويتسلط الظلمة على الناس يحصل السلب والنهب تسفك الدماء تنتهك الأعراض إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع فلا يأمن الإنسان على نفسه وهو في بيته ولا يأمن على أهله وحرمته لا يأمن على ماله لا يأمن وهو في الشارع ولا يأمن وهو في المسجد ولا يأمن وهو في مكتبه لا يأمن في أي مكان إذا زالت نعمة الأمن عن المجتمع ، وهناك من يحاولون إزاحة الأمن عن المجتمعات لأجل أن تكون الدنيا فوضى لا سيما في بلاد المسلمين الأمن يتحقق بأمور ، الأمر الأول : بتوحيد الله تعالى وعبادته وطاعته والعمل الصالح قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ، وكذلك يتحقق الأمن باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر قال صلى الله عليه وسلم لما طلب منه أصحابه النصيحة والوصية قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم في فسيرى اختلافًا كثير فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ، ولا تستقيم الولاية والجماعة إلا بطاعة ولاة الأمور أما بالخروج عليهم ومحاولة خلع ولايتهم ومحاولة إفساد الأمر فإن هذا هو الهلاك العظيم وإن زين وزخرف أنه طلب للحرية وأنه طلب لتحقيق المصالح والإصلاح وكل هذا كذب وتدجيل ، المصلحة والأمن إنما هو باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر ولو كان عنده تقصير ، أما إذا خلعت الولاية وعمت الفوضى فمن الذي يضبط الأمور بعد ذلك ، من الذي يضبط الأمور بدون ولي الأمر بدون ولاية قائمة ، ولذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سجوه يعني غطوه بالغطاء ثم ذهبوا إلى سقيفة بني ساعده يختارون لهم قائدًا ووليًا لأمرهم قدموا هذا على تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، قامت الولاية بعد الرسول والخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك توجهوا يجهزون الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قبره عليه الصلاة والسلام لعلمهم أنها لا تمضي ساعة بدون ولي أمر ، لئلا ينفرط الأمر ويصعب العلاج بعد ذلك ، فولي الأمر به يحسم الله جل وعلا الخلاف ، بولاية الأمر تقام الحدود والتعزيرات ، وتحكم الشريعة ، وأقصد ولاية الأمر في المسلمين ، وتحكم الشريعة ويردع الظلمة وتؤمن السبل والأسفار تقوم التجارات وطلب المكاسب كل هذا نتيجة لتحقق قيام الأمر والسمع والطاعة لولي أمر المسلمين ، أما إذا خرجوا عليه وخلعوه من أجل أنه حصل عنده خطأ أو تقصير فإن الفوضى والضرر يحصل أكثر مما لو صبروا عليه ، أكثر مما لو صبروا على ولايته ، تعم الفوضى ينتشر الخوف يعم القلق ولهذا لما دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قال : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ، فقدم طلب الأمن على طلب الرزق لأن الأمن ضرورة الأمن ضرورة ولا يتلذذ الناس بالرزق مع وجود الخوف بل لا يحصل الرزق مع وجود الخوف وهذا ما يريده الأعداء الذين يحاولون زعزعة اجتماع المسلمين يريدون تفكيك تجمعات المسلمين على ولاة أمورهم يريدون هذا لا يريدون النصيحة للمسلمين باسم تحقق مصالح وإصلاح وإزالة ظلم وما أشبه ذلك كل هذا من الكذب والتدجيل فإنه إذا انفلتت الولاية فإنه تعم الفوضى وينتشر الفساد وتعدم المصالح التي يقولون إنها ستتحقق ويعم الفساد ولا يحصل الإصلاح ، فلهذا لا بد من ولاية تجمع كلمة المسلمين ولو كان عندها قصور أو تقصير فيصبر على ذلك لأن في الصبر على ذلك دفعًا لما هو أشد وأنكى ، يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله كلامًا معناه : ولا يعرف طائفة قامت على ولي أمرها إلا كان حالها بعد زواله أسوأ من حالها مع وجوده وهذا مجرب الآن الولاة الذين أزيلوا والرؤساء الذين أزيلوا ماذا كانت حالة بلادهم من بعدهم لا تزال في خوف وقلق وفوضى وسفك دماء وأنتم تعلمون ذلك تسمعون به إن أعداءنا يريدون أن يفككوا تجمعات المسلمين أن لا تقوم لهم دولة ولا ولاية وأن يشتتوهم ويشردوهم هذا ما يريدونه فلا ننخدع بكلامهم ودعاياتهم وتحريضهم فأعداء الإسلام يحاولون إزالته بشتى الوسائل إما بإزالة تجمع المسلمين واجتماع كلمتهم وإما بتفريقهم إلى أحزاب وجماعات باسم الدين كل جماعة تعادي الأخرى ، (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ، وإما بالليبرالية والعلمانية التي هي فصل الدين عن الدولة يقولون الدين في المساجد فقط وأما خارج المسجد فلا سلطة للدين لا في الأسر في البيوت ولا في الشوارع ولا في المعاملات ولا في الدماء ولا في أي قضية ليس للإسلام دخل في هذا إنما هذا تحكمه الأنظمة البشرية والقوانين كما يقولون هذا منهج العلمانيين والليبراليين وهو ركيزة ركزها الكفار في أبناء المسلمين ، إن من يشجعون على هذه الفوضى ويشجعون على هذه المظاهرات وهذه المطالبات الصعبة إنهم وإن كانوا من أبناء المسلمين فهم مغرورون فعليهم أن يتفكروا في العواقب وأن يكون موقف المسلم من هذه الفتن موقف الإصلاح موقف الدعاء للمسلمين ، بيان ما في هذه المظاهرات وهذه الفوضى من المفاسد العظيمة والشقاق الكبير الذي لا ينجبر ولا ينتهي وأنتم تشاهدون دولًا بجواركم زال ولاتها فماذا كانت حالتها لا تزال في فوضى لا تزال في انزعاج وعدم طمأنينة .
إن الأمن لا يستقر إلا بالشكر على نعمة الأمن أما الذين يحرضون على الإخلال بالأمن فهم يكفرون النعمة ، قال تعالى آمراً قريش : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ، وقال سبحانه تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً) – يعني مكة (كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ) كفرت بنعمة الأمن ونعمة الرزق، كفرت بأنعم الله ، (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) ، هكذا سنة الله جل وعلا في خلقه لا تتغير ولا تتبدل إذا هم حادوا عن شرعه وحادوا عن دينه واستمعوا إلى المفسدين وإلى دعاة الضلال وإلى الغوغائيين فمدحوا فعلهم وأثنوا عليه هكذا تكون العاقبة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هناك وسائل تحث على الفتن وتشجع على الفتن يغتر بها الجاهل أو صاحب الهوى وهذا يتمثل في الفضائيات والمواقع المشبوهة والقنوات الضالة المنحرفة التي تحرش بين المسلمين وبين الولاة والرعايا تحرش لتفكك المسلمين فيستمع إليها وينظر إليها من لا يعرف ما وراءها ، فاحذروا منها يا عباد الله وحذروا منها فإنها وسائل فتنة ودمار على المسلمين ، نسأل الله عز وجل أن يكفي المسلمين شرهم واستمعوا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار ، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان بحدوث الفتن وانفلات الولاية ، قال له حذيفة : ما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك قال : أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قال : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فأعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك .