الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية،الحفاظ على النفس البشرية،ومن مقتضيات الحفاظ على النفس منع كل ما يضر بها، سواء كان الضرر جسديا حسيا أو معنويا،كما كفل للبيوت حرمتها وأسرارها، فلا يُعتدى عل النفس بأي نوع من أنواع التعدي،ولا تُخْتَرم حرمات البيوت وتُهتَك أسرارها بأي نوع من أنواع الأذى،وذلك ليعيش المجتمع الإسلامي في ظل الإسلام متحابا ومتكافلا ومتماسكا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
فمما حرمه الإسلام من التعدي على النفس البشرية وعلى خصوصياتها، ذلك العمل الوضيع،والجرم الخبيث،والمرض العضال،والشر المستطير،وهو التجسس على عورات المسلمين،والإصرار والمبالغة لكشف المكنون،وفضح المستور بهدف الفضح والتشنيع وإشاعة السمعة السيئة، وفضح لأسرار الناس، ومن تتبع عورة المسلم فضحه الله ولو في جوف بيته، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود بسند صحيح .
والتجسس بمعناه العام هو تتبع عورات الناس وهم في خلواتهم، إما بالنظر وإطلاق البصر إليهم وهم لا يشعرون، وإما باستراق السمع وهم لا يعلمون، وإما بالاطلاع على مكتوباتهم ووثائقهم وأسرارهم وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم، وقد يكون بتلمس أخبارهم عن طريق الغير،والسرور بما يُسمع من سيء أخبارهم وأحوالهم،لنشرها بين الناس للإضرار بهم ،كل ذلك يدخل في معنى التجسس المحرم، كما قال عز وجل(إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) آل عمران 120 .
وإذا قلنا بأن التجسس بمعناه العام محرم، فإننا نستثني منه ما استثناه العلماء واستثنته الشريعة من نوع آخر وهو ما يفعله أهل الاختصاص للمحافظة على الأمن والاستقرار في البلاد، من تتبع لآثار المجرمين المنحرفين، فهناك معاصٍ وجرائم كالقتل والسرقة ونحو ذلك من الجرائم التي يباح من أجلها لأهل الاختصاص تتبعُ ومراقبة مرتكبيها حتى يحولوا بين المجرم وجريمته قبل وقوعها، وهذا أمر محصور ومؤطر، وليس ذلك لأحد إلا لمن كان له الأمر في ذلك، وهذا لا يُعَدّ من تتبع العورات، وإنما هو أمر واجب لدفع المفسدة والحفاظ على أمن العباد والبلاد.
واستثنى الماوردي رحمه الله من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلًا: كأن يخبر ثقة بأن فلانًا خلا بشخص ليقتله ظلمًا، أو بامرأة ليزني بها، فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرًا من فوات استدراكه. الأحكام السلطانية للماوردي ،وكذلك يستثنى من ذلك متابعة الآباء والأمهات لأبناءهم في تربيتهم لإبعادهم عن مواطن الضياع وبراثن الفساد، وخصوصا في هذه الأزمنة التي كثُر فيه الشر عبر مواقع الإنترنت وأجهزة الاتصال والتواصل،وسهولة الوصول إلى كل معول هدم وتدمير،فمتابعة الأبناء والتأكد من بعدهم عنها لا يُعد من التجسس المحرم، بل هو من واجبات الآباء والأمهات.
وقد نهى الإسلام عن التجسس على المسلمين، ما داموا ظاهري الاستقامة غير مجاهرين بمعاصيهم، وكان ما يخفونه من أمورهم من السلوك الشخصي الذي يخصهم ولا يتعلق بكيد للمسلمين. والتجسس مما يولد في المجتمع الأحقاد، ويورث العداوات والبغضاء، إذ يشعر المُتَجسس عليه بأنه مشكوك بأمره غير موثوق، وهما يكشفان عورات الناس، ويتسببان بإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، كما قال عز وجل(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور 19، ويهدمان البيوت العامرة ،والعلاقات والصلات الوطيدة،ويقطعان روابط الجوار،وحبال الزمالة والصداقة،وينتج عنها كشف ما ستره الله ويكون سببا للتوبة،وهدم المعمور مما يكون سببا للمشاكل والقطيعة وقسوة القلوب والتمرد على التوبة والإنابة.
وقد عُرِّف التجسس بتعريفات هي في مجملها تصب فيما ذكرناه، وتحذر من مغبته وسلوك منهجه، قال ابن الأثير(التجسس هو التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر) ، وقيل هو(أن تتبع عين أخيك فتطلع على سره) ، وقيل( هو أن يتتبع الإنسان أخاه ليطلع على عوراته سواء كان ذلك عن طريق مباشر بأن يذهب هو بنفسه يتجسس، أو كان عن طريق الآلات المستخدمة في حفظ الصوت أو غير ذلك فهو محرم).
ومن المعلوم من شريعة الله ، أن للمسلم الظاهر من أقوال وأفعال الناس، التي يُحْكم عليهم من خلالها بخير أو شر، وأما البواطن فأمرها إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،وليس للمسلم أن يتتبعها أو يتكشفها.
ولكن هل هناك فرق واضح بين التجسس والتحسس؟ إن كثيرا من العلماء قد قالوا بالفرق بين الأمرين،وأن كل واحد منهما يختلف عن الآخر،ولكل واحد منهما معناه المستقل، قال ابن كثير رحمه الله ( التجسس غالبًا يطلق في الشر ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالبًا في الخير)، كما قال عز وجل إخبارًا عن يعقوب عليه السلام أنه قال(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف 87 ، وقد يستعمل كل منهما في الشر، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) رواه البخاري ، وقال القرطبي رحمه الله(التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل: رجل جاسوس، إذا كان يبحث عن الأمور، والتحسس هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه) وقيل التحسس بالقول والتجسس بالفعل .
وقد جاءت الأدلة الشرعية بتحريم التجسس كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) الحجرات 5 ، قال ابن جرير رحمه الله (وَلَا تَجَسَّسُوا) أي ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره، ثم ذكر أثر ابن عباس( نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) وقال قتادة: هل تدرون ما التجسس، ؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سره ) وقال عز وجل(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) وقد دلت الآية على حرمة أذية المؤمنين والمؤمنات ومن الأذية تتبع عوراتهم والتجسس عليهم، وقال قتادة ( إياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه، ويغضب له) وقال سبحانه(لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التوبة 47 ،قال مجاهد في قوله تعالى(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) (وفيكم مخبرون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم وهم الجواسيس) .
وجاءت السنة النبوية بما يدل على حرمة التجسس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا) رواه البخاري ، وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) رواه أبو داود بسند صحيح ، وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم) رواه أبو داود بسند صحيح .
وقد وردت أقوال وآثار للعلماء حول ذم (التجسس) قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه(إنا قد نُهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به)، وقال أبو حاتم البستي رحمه الله(التجسس من شعب النفاق، كما أن حسن الظن من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظن بإخوانه وينفرد بهمومه وأحزانه، كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه، ولا يفكر في جناياته وأشجانه).
وإذا كان التجسس جرم عظيم يفتك بالفرد والمجتمع، فإن له أضرار جسيمة ونتائج وخيمة، يحسن بالمسلم أن يتوخى الحذر ويبتعد عن مجرد التفكير فيه، فمن تلك الأضرار:
أولا: أن التجسس هادم لمبنى الإيمان وفساد للخُلُق ودليل على دناءة النفس وخستها.
ثانيا: من أضراره أنه يوغر الصدور ويورث الفجور،ويورث الشكوك، ويهدم البيوت العامرة ، والصلات المحفوظة،والأخوة المترابطة، وتنهار معه القدوات، وتصغر في الأعين القامات، ويفقد الناس الثقة حتى في علمائهم وصلحائهم.
ثالثا: يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات وفضح المستور والتكاشف وهتك الأستار، وانتفاء الحياء.
رابعا: يبوء صاحبه بغضب الله ودخول النار، والعياذ بالله تعالى. لا تلتمسْ من مساوي الناس ما سَتروا
فيهتك الناسُ سترا من مساويكا
واذكرْ محاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا
ولا تعِبْ أحدا عيبا بما فيكا
وللتجسس المحرم صور عديدة،وأشكال مختلفة، ووسائل متعددة، وفي مجملها تهدف إلى فضح الناس، وكشف مستورهم، والاطلاع على عوراتهم وأسرارهم، ومن تلك الصور:
أولا:التجسس على بيوت الناس ومساكنهم:
وهذا داء يقع فيه الكثير من الناس، فتراه يتجسس على الناس في منازلهم وبيوتهم، للاطلاع على عوراتهم والكشف عن سوءاتهم، إما بالاستماع والتصنت من وراء الأبواب والنوافذ، أو بالنظر فوق الأسطح،أو بتصويب النظر من بعيد على منازلهم وتحركاتهم أو بآلة تقريب، أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها.
وقد حفظ الله خصوصيات البشر بالتزام الآداب الشرعية حفاظا على الأعراض والعورات،ودرءاً للمفاسد،ومن ذلك أمر بالإستئذان للدخول ثلاثا فإن أجيب وإلا فليرجع،وعند الإستئذان يبتعد عن وجه الباب،إما يَمْنة أو يَسْرة حتى إذا فُتِح لا يقع نظره فجأة على مالا يُرضي،وليكن عند الإستئذان على يمين الباب،فقال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) النور 27 ،وبيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حكمةَ هذا الاستِئذان والغايةَ من تشريعِه، فعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ(لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ) رواه البخاري ، أي حتى لا يقع بصرُ الطارقِ على عورات أهل البيوت،وعن رجل من بني عامر قال(استأذن على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ فقال ألِجُ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لخادمِه: اخرُجْ إلى هذا فعلِّمْه الاستئذانَ فقل له: قلْ: السلامُ عليكم أأدخُلُ ؟ فسَمِعَه الرجلُ, فقال: السلامُ عليكم، أأدخُلُ؟ فأذن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فدخل) رواه أبو داود بسند صحيح ،وعن عبدالله بن بسر (أن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أتى بابَ قومٍ لم يستقبلِ البابَ من تلقاءِ وجهِه، ولكن من ركنِه الأيمنِ أو الأيسرِ، ويقولُ: السلامُ عليكمُ السلامُ عليكمُ وذلك أن الدورَ لم يكن عليها يومئذٍ ستورٌ) رواه أبو داود بسند صحيح ،فالإستئذان يعطي للزائر محبة وقبولا عند المزور.
ثانيا: التنصّتُ على الناس والاستماع إليهم خفية دون علمهم:
وهذا من مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال وقد توعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، بأن يُصَبّ في أذنه الرصاص المذاب يوم القيامة بسبب فعلته هذه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري ، والآنك: الرَّصاص المُذاب.
ثالثا : محاولة التفتيش والاطلاع على ما يخفيه الناس عن غيرهم:
فمن الناس من تتطلع نفسه إلى معرفة ما يخفيه الناس في هواتفهم أو أوراقهم أو صورهم أو مالا يعنيه من أمرهم ونحو ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) رواه الترمذي وابن حبان.
وخلاصة القول فيما سبق،أن التجسس وتتبع عورات المسلمين وخصوصا الأقارب والجيران،من الأمور التي حرمها الإسلام إلا فيما استثناه الشرع. وجاء الإسلام ليهذب الأخلاق ، ويرتفع بالمجتمع المسلم إلى كل خُلُق فاضل،وأدب رفيع، ويربأ به عن مساوئ الأخلاق،وقبائح الأعمال،ومزالق الردى،ويرعى الحفاظ على أسرار الناس وخفايا أمورهم،ويُبْقي المجتمع المسلم مجتمعاً مترابطا متماسكا عامرا بالستر،ومحفوفا بالكرامة،يقول الإمام أبو حاتم ابن حبان رحمه الله(الواجبُ على العاقلِ لزومُ السلامةِ بتركِ التجسّس على عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسِه، فإنّ مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يُتعب قلبه، فكلما اطلع على عيبٍ لنفسِه، هانَ عليه ما يَرَى مثله مِن أخيه، وإنّ مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عَمِيَ قلبُه، وتعِبَ بدنه، وتعذَّرَ عليه تركُ عيوب نفسِه، وإنّ مِن أَعْجَزِ الناس مَن عابَ الناس بما فيهم، وأعجزُ منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 125.وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه.