الصيام من أجل الأعمال وازكاها، إختصه الله لنفسه بأن جعل عظيم أجره إليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم (كل عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ الحسنةَ عشرةَ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ قال اللهُ عزَّ وجلَّ : إلا الصومُ . فإنَّهُ لي وأنا أجزي بهِ يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي) رواه مسلم، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة باباً يقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد)رواه البخاري ومسلم، وإذا كان الصيام بهذه المرتبة العظية ، فإن له أحكاما شرعية تنبني صحته عليها، ولا يقوم إلا بها ومنها:
أولا: يعرف الصيام بأنه في اللغة يعني الإمساك، وفي الشرع يعني التعبد لله عز وجل بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ثانيا: حكم صيام رمضان فريضة فرضها الله تعالى على عباده ،وأوجبه عليهم ، ودل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ،كما قال تعالى( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة 183، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّه عَزَّ وجلَّ: كُلُّ عملِ ابْنِ آدَمَ لهُ إِلاَّ الصِّيام، فَإِنَّهُ لِي وأَنَا أَجْزِي بِهِ. والصِّيام جُنَّةٌ، فَإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فَلاَ يرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيقُلْ: إِنِّي صَائمٌ. والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما: إِذا أَفْطرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ متفقٌ عَلَيْهِ ، وقوله صلى الله عليه وسلم(صلى الله عليه وسلم قال: “بني الإسلام على خمس، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” متفق عليه، وأما الإجماع فقد أجمع علماء الأمة من السلف والخلف على فرضية صيام شهر رمضان، والمقصود من الصيام نهاية هو تحقيق التقوى لله عز وجل.
ثالثا: وأما وجوبه فيجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام.
رابعا: تنعقد نية الصائم من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال”لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر” رواه النسائي وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، بخلاف صيام النافلة فإنه يجوز عقد النية من النهار لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها هل عندها شيء؟ قالت: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: “إني إذاً صائم”.
خامسا: وتبييت النية من أول الشهر لصيامه كاملا بنية واحدة هو الصحيح من قولي العلماء، ولكن لو قدر أنه أفطر أثناء الشهر لعذر مباح كسفر ونحوه فإنه يحتاج لاستئناف النية من جديد.
سادسا: يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين، إما برؤية الهلال وإما بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
سابعا: يباح الفطر في رمضان لأهل الأعذار كالمريض والمسافر لقول الله عز وجل (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر)البقرة 183 ،وكذلك الحائض والنفساء، والدليل ما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة”. وكذلك الحامل والمرضع، واستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع” رواهأحمد والترمذي وأبو داود النسائي، وعليهما القضاء.و العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً”.
وقد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أنه إن قدر شفاء المريض مرضاً لا يرجى برؤه فلا يطالب بقضاء ما أفطر، لأن ذمته برئت بإطعامه.
ثامنا: الصفة التي يتم بها الإطعام عن العاجز عن الصيام هي أن يخرج عن كل يوم مقدار كيلو ونصف من الطعام يدفعه للفقراء، وله أن يجمع ذلك إلى آخر الشهر ويخرجه دفعة واحدة بمقدار 45 كلو جرام كما فعل أنس بن مالك رضي الله عنه.
تاسعا: سنية السحور للتقوي به على الصيام وقد فعله النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده في الثلث الأخير من الليل لقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: “تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، فقلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية”، رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور” رواه أحمد، ويحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح.
عاشرا: مفسدات الصوم التي تفسده وتبطله وهي:
1- الأكل والشرب عمدا دون نسيان، وهذا بالإجماع كما قال تعالى(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)البقرة 186، ويقاس على الأكل والشرب التدخين ، ومثله إدخال شيء إلى الجوف عن طريق الأنف، كقطرة الأنف، وبهذا أفتى الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى، لحديث لقيط بن صبرة مرفوعاً: “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً” رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الترمذي، بخلاف قطرة العين فلا تفطر. ويقاس أيضا على الأكل والشرب ما يقوم مقامه من الإبر المغذية ونحوها.
2- الجماع، ويكون بإيلاج الذكر في الفرج، وهذا بإجماع أهل العلم رحمهم الله تعالى، وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
3- الحجامة، ومثلها التبرع بالدم الكثير، والفصد، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “أفطر الحاجم والمحجوم” رواه البخاري ، أما يسير الدم للتحليل فلا يضر.
4- الحيض والنفاس للمرأة، وهذا مفسد للصوم بإجماع العلماء، وقد روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم”، وأما بالنسبة لاستعمال بعض النساء لحبوب لمنع العادة في رمضان فقد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “الذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن الحبوب، والحمد لله على قدرته وعلى حكمته”.
5- التقيؤ عمداً، بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض” رواه أبو داود والترمذي، أما من ذرعه القئ( أي غلبه) فلا يفطر.
6-الاستمناء يقظةً، سواءً بقبلة أو لمس أو غيرهما، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي” رواه البخاري ومسلم، وقد ذكر ابن قدامة في المغني أن من أنزل بقبلة أو لمس فإنه يفطر بغير خلاف يعلم.
7- استنشاق البخور متعمداً بحيث يدخل الجوف، لأن له جرماً فيفطر.
8- غسيل الكلى، إذا كان بتغيير الدم أو بإضافة مواد غذائية إليه فإنه يفطر.
ولنعلم أن مفسدات الصيام السابقة لا تكون مفسدة للصيام إلا بثلاثة أمور وهي:
الأول: أن يكون عالماً بالحكم وعالماً بالوقت.
الثاني: أن يكون ذاكراً لصومه.
الثالث: أن يكون مختاراً.
ومن أحكام الصيام أيضا أن من يفطر عمدا أثناء الصيام قبل حلول وقت الإفطار فهو آثم وعلى خطر عظيم، وعليه القضاء مع الإثم فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضَبعَيَّ… وساق الحديث، وفيه: ثم انطلقا بي فإذا قوم معلقون بعراقيبهم مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم” رواه النسائي وصححه الألباني.
الحادي عشر: جواز استعمال السواك حال الصيام شريطة ألا يسقط منه شيء في الحلق لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)رواه البخاري ،كذلك من أذن عليه الفجر وهو جنب فصيامه وإمساكه صحيح وعليه الاغتسال لصلاة الفجر ويدل عليه ماجاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ليصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه)رواه البخاري ومسلم، وكذلك أيضاً إذا طهرت المرأة قبل الفجر، فيجب عليها الصوم ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر، وكذلك استعمال بخاخ الربو لا حرج فيه حال الصيام وهو الصحيح من أقوال اهل العلم أنه لا يفطر, لأن البخاخ يتبخر ولا يصل للمعدة وكذلك عمل المنظار للمعدة لا يفطر إلا لإذا جعل معه مادة أو ملينا فلإنها تفطر والأفضل تأخيره لليل.
الثاني عشر: القضاء عن الصائم الذي مات ولم يقضي وله حالات:
1- إنسان كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا فيه فدية طعام مسكين، ولا يُصام عنه.
2- إنسان مريض مرضاً يرجى برؤه ففرضه عدة من أيام أخر، فإن قُدِّرَ أن هذا المرض استمر به حتى مات فلا شيء عليه، لأنه مات قبل أن يتمكن منها.
3- إنسان مريض مرضاً يرجى برؤه فشفاه الله، أو كان مسافراً مفطراً، ففرط في القضاء مع استطاعته حتى مات، فهذا هو الذي يصوم عنه وليه.