الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
في مثل هذه الأيام يشتد البرد، ويكثر الخروج للنزهة والتخييم، أو للسفر، وهذا يستلزم فقها ومعرفة بما جاء في الكتاب والسُنة وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، في مثل هذه الأحوال، ليطبقها المسلم بين أصدقائه وأهله وأبنائه فيكون قدوة صالحة، وليحظى بما فيها من الحفظ والحماية وعظيم الأجر، ولذلك نأخذها من نواحي متعددة، وزوايا مختلفة لعل الله ينفع بها من قرأها ومن بلغته.
أولا : من الناحية الأمنية.
– لا بد من اختيار الموقع المناسب للتنزه وتغيير الجو، بعيداً عن المخاطر، ونصب الخيام وإعداد الجلسات، بعيداً عن الأودية والشعاب والمناطق المنخفضة والابتعاد عن الأماكن الخطرة.
– إبلاغ الأهل وخصوصا الوالدين والأبناء بالوجهة ومكان التخييم، عن طريق إرسال المواقع.
– إبعاد النار وتطاير الشرر عن الخيام والفرش والسيارات، ومراعاة اتجاه الرياح .
– عدم نقل مواقد النار إلى داخل الخيام درأً لحدوث حريق أو اختناق أثناء النوم، لا قدر الله.
– إطفاء النار عند النوم، وهذا توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام(لا تَتْرُكُوا النَّار فِي بُيُوتِكُمْ حِين تَنامُونَ)[1] ، وعَنْ أبي مُوسَى الأشْعريِّ رضي الله عنه قَالَ: احْتَرَقَ بيْتٌ بِالمدينةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا حُدِّثَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قَال( إنَّ هَذِهِ النَّارَ عدُوٌّ لكُمْ، فَإذَا نِمْتُمْ فأَطْفِئُوها)[2]، والنائم لا يدري ما الذي يحصل حوله والنار سريعة الانتشار لأي سبب، والسلامة لا يعدلها شيء.
ثانيا : من الناحية الدينية والتعبدية.
1- فيما يخص الصلاة.
– إذا جاء وقت الصلاة احرص على الأذان، وارفع صوتك به، فإنه لا يسمع مدى صوتك بالأذان، جن ولا إنس، ولا حجر، ولا شجر، ولا شيء، إلا شهد لك يوم القيامة، فعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه، قالَ له النبي صلى الله عليه وسلم( إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ، أوْ بَادِيَتِكَ، فأذَّنْتَ بالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّدَاءِ، فإنَّهُ: لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ ولَا إنْسٌ ولَا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيَامَةِ)[3].
– استشعر فضل الصلاة في البر، فإذا صلى الشخص في الفلاة فأتم ركوعها وسجودها كُتب له أجر خمسين صلاة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الصلاة في الجماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة، فإذا صلَّاها في فلاة، فأتم ركوعها وسجودها، بلغت خمسين صلاة)[4]، فالخروج في البرية سواءً لسفر أو نزهة فرصة ثمينة لبلوغ هذا الأجر.
– تحري القبلة للصلاة، والحرص على الاجتهاد في تحقيقها، فإذا تهاون في طلبها وصلى كيفما شاء فأخطأ اتجاهها ، لم تُقْبل صلاته وعليه إعادتها ، وإن اجتهد في تحريها فتبين له بعد الاجتهاد وبذل الطاقة، أنه صلى إلى غير القبلة، فلا يلزم الإعادة، وصلاته صحيحة. وقد يسر الله الوسائل المعينة على اتجاه القبلة كالبوصلة والجوال والبحث في محرك البحث (قوقل) وتنزيل التطبيقات الصحيحة لمعرفة القبلة، فلم يعد هناك عناء في تحقيقها.
– احرص على تسوية موضع السجود قبل الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تمسَحْ وأنتَ تصلِّي ، فإن كنتَ لا بدَّ فاعلًا ، فواحدةٌ تسويةَ الحصى)[5]، وقال عليه الصلاة والسلام (في الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قالَ: إنْ كُنْتَ فاعِلًا فَواحِدةً ، وحينما سُئل عليه الصلاة والسلام عن مسح الحصى في الصلاة؟ قال (واحدة، ولأن تمسك عنها خير لك من 100 ناقة كله أسود، الحدق)[6]، وخروجا من النهي يحرص المسلم على تسوية مكان الصلاة وموضع السجود قبل الشروع في الصلاة.
– يحرص المتنزه والسائر في الأرض على آداء السُنن في البر ومثال ذلك الصلاة في الخفاف ولو مرة واحدة إذا كانت طاهرتين ولبسهما على طهارة، فإن في تطبيق السنن خير كثير ودليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
– الحرص على وضع السترة بشيء شاخص كحجر أو عصا أو جدار ونحوه، وهذه سُنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام(إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا فإن لم يجد فلينصب عصًا فإن لم يجد فليخط خطًا ثم لا يضره من مر بين يديه)[7]، وقوله (إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سترةٍ ، وليدنُ من سترتهِ لا يقطعُ الشيطانَ عليه صلاته)[8]، فليحرص المسلم على السُنة وعلى صلاته ولو أن يَخُط خطاً لسترته حتى لا يقطع صلاته شيء.
– كراهة تغطية الوجه في الصلاة أو التَلَثُم إلا لحاجة كالزكام والحساسية وما شابه ذلك، قال ابن عثيمين رحمه الله(واللثام أو التلثم في الصلاة مكروه، وفي غير الصلاة موجب للريبة، لكن إذا كان هناك حاجة، بأن يكون الإنسان مزكوماً يحتاج إلى التلثم فلا حرج عليه، لأنه معذور، وكذلك لو كان فيه حساسية يتأثر من البرد أو من الغبار أو من الريح وتلثم درءاً لهذا، فإن ذلك لحاجة ولا يؤثر على صلاته)[9].
– عدم الصلاة تجاه النار، بل يتنحى عنها ، وحكم ذلك الكراهة والصلاة صحيحة، ولكن الأفضل جعل النار خلف المصلي أو عن يمينه أو عن شماله، وعلة الكراهة هي التشبه بِعُبَاد النار المجوس، قال ابن رجب في الفتح(أن فيه تشبها بعباد النار في الصورة الظاهرة ، فكره ذلك ، وإن كان المصلي يصلي لله ، كما كُرِهت الصلاة في وقت طلوع الشمس وغروبها لمشابهة سجود المصلي فيه سجود عباد الشمس لها في الصورة ، وكما تكره الصلاة إلى صنم والى صورة مصورة)[10]، وقال ابن عثيمين رحمه الله(اختلف العلماء ورحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار : فمنهم من كرهها ، ومنهم من لم يكرهها ، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار ، والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب ، أما ما ليس لهب فإن مقتضى التعليل ألا تكره الصلاة إليها)[11]، ومعنى كلامه أن ما لا يشابه النار فلا حرج في جعله أمام المصلي كدفايات المساجد وما شابهها لضرورة الحاجة إليها.
2- الآداب العامة.
– الابتعاد عن كل ما فيه إزعاج للناس ويقلق راحتهم من أدوات لهو وغيرها، لأن ذلك من أذية المسلم وهي محرمة.
– الحرص على أذكار المساء والصباح وعند النوم ووصية الأبناء بذلك، ففيها حفظ وأمان مما يؤذي المسلم، وإذا نزل المرء منزلا ليخيم فيه فلا ينسى الدعاء المأثور، فعن خَولَة بنتِ حكيمٍ رَضي اللَّهُ عنها قالتْ: سمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ( مَنْ نَزلَ مَنزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمات اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّه شَيْءٌ حتَّى يَرْتَحِل مِنْ منزِلِهِ ذلكَ)[12]، وعن ابن عمر رَضي اللَّه عنهمَا قَالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قال( يَا أَرْضُ، ربِّي وَربُّكِ اللَّه، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شرِّكِ، وشَرِّ ما فِيكِ، وشرِّ ما خُلِقَ فيكِ، وشَرِّ ما يَدبُّ عليكِ، أَعوذ باللَّهِ مِنْ شَرِّ أَسدٍ وَأَسْوَد، ومِنَ الحيَّةِ والعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ البَلَدِ، ومِنْ والِدٍ وَمَا وَلَد)[13].
– البعد عن الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب فإن الله حرم ذلك وهو لا يحب المسرفين، كما قال تعالى(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[14].
– الإسلام دين النظافة والترتيب والتنظيم، ويمقت العشوائية وسوء النظافة والتنظيم، فليحرص المسلم على تنظيف المكان من بعده، وخلال تواجده، وليجعل بقايا الأكل في وعاء ويعطيها لمحتاج، أو يضعها لدواب الأرض وللحيوانات تأكلها، ففي ذلك أجر وحفظ للنعمة.
– إطفاء النار قبل مغادرة المكان، وهذا مما جاءت به السُنة، لأن في بقائها حَيًّة خطر عظيم في نشوب الحرائق خصوصا إذا كان فيه رياح مواتية.
والمقصود ، أن يحرص المسلم على أن يكون سَبَّاقاً في فعل الخير والقدوة الصالحة، فكل ما سبق من معان الإسلام السامية مما جاءت به الأدلة أو مما استنبط من معانيها مما جرت به المصلحة، هو دليل يسير المسلم عليه حال خروجه للنزهة والتخييم مع أصحابه أو أهله وأبنائه، وإن فاتنا شيء لم نذكره هنا فلعله يستنبط مما سبق ذكره. جعلنا الله وإياكم مفاتيح خير ومغاليق شر، وأن يجعلنا قدوات صالحة في الخير. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[1] متفق عليه.
[2] متفق عليه.
[3] رواه البخاري.
[4] صحيح الترغيب والترهيب وصحيح الجامع للألباني.
[5] رواه أبو داود بسند صحيح.
[6] رواه أحمد.
[7] رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن.
[8] رواه أبو داود والنسائي.
[9] الموقع الرسمي.
[10] فتح الباري 3/209.
[12] رواه مسلم.
[13] رواه أبو داود.
[14] سورة الأعراف 31.