عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم .
يعدّ ذكر الله تعالى من أبرز الأمور التي تدل على قرب العبد من ربه ومحبته له، وأمر الله تعالى عباده بذكره وجعله باباً لرضاه، حيث قال في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب: 41]، فالذكر سكينةٌ للنفس وطمأنينةٌ للقلب، به تنفرج الكروب وتُحلّ العقد، ويؤدي إلى محبة الله عز وجل، وسنتعرف على فضائل ذكر الله وفوائده.
( الطهور شطر الإيمان) وهذا يعني أن الإيمان كما ذكره أهل العلم نصفين:
النصف الأول: تخلية: وهو التخلي عن الشرك المنجس للإيمان ، والتخلي عن المعاصي والآثام وعن كل ما يضر بالإيمان.
النصف الثاني: التحلية: ويعني التحلي بالإيمان والعمل الصالح المطهر للمؤمن من أدران المعاصي والذنوب ، وكذلك التحلي بالأخلاق الفاضلة وغيرها. وفي الحديث التخلي بالطهور عن النواقض والنجاسات، والتحلي بعده بالطاعات والقربات، ويقال أيضا أن التخلية بمعنى الترك لكل ما ينجس الإيمان والعقيدة والتحلي بكل ما يحلي ذلك ويزكيه.
(والحمد لله تملأ الميزان) أي أن قول الحمد لله تملأ ميزان العبد يوم القيامة وتثقله، كما قال عز وجل( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء 47، ومناسب هنا أن أنبه إلى إحدى السلبيات التي تحدث كثيرا عن كثير من المسلمين اليوم، عندما يقومون من على المائدة ينسيهم الشيطان حمد الله والثناء عليه، وكذلك التسمية بداية، وهذه مشكلة لا بد من التنبه لها، فإن من لم يسمي بداية الطعام شاركه الشيطان أكلته وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا وأمر الغلام بالتسمية والأكل مما يليه، والشكر نهاية اعتراف بنعمة المنعم جل وعلا.
(وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض) وهنا حصل مع الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم تملآن أو تملأ مع أن المعن والمقصود واحد، وهذا بلا شك من حرص الرواة على الأخذ بالحيطة في النقل مع الحرص على بقاء الأصل.
(وسبحان الله والحمد لله) فيها نفي وإثبات ، فالنفي هنا نفي النقص عن الله في صفاته وأسمائه، فله صفات الكمال والجمال، وسبحان الله ه تنزيه لله عز وجل عن كل نقص وعيب، وأما اثبات فهو قوله والحمد لله ففيها إثبات الكمال لله عز وجل.
(تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض) لا يعلم المسافة ما بين السماء والأرض إلا الله ، وقد قال بعض أهل العلم ليس المقصود ما بين الأرض التي عليها الإنسان في حدوده فقط ، لا بل كل نواحي الأرض وهذا هو ظاهر الحديث واللفظ.
(والصلاة نور) أي نور في القلب ونور في الوجه ونور في الجوارح، ونور في القبر ونور يوم الحشر وعلى الصراط، والمقصود بها صلاة الفريضة والنافلة، فإذا صلى المسلم الصلاة كما يجب وحضر فيها قلبه وجوارحه ، حصل ما يرجوه من النور والفضل، قال عليه الصلاة والسلام(وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
( والصدقة برهان) والصدقة بذل المال للمحتاجين لوجه الله تعالى، وبذله يبرهن صدق إيمان باذله، لأن المال من أحب ما تميل إليه النفس ،فإذا بذل مع تعلق النفس به دل على صدق إيمان المنفق.
(والصبر ضياء) أي حبس النفس عما يجب عليها تركه، أو ما يجب عليها الصبر عليه، والعلماء قد قسموا الصبر إلى ثلاثة أنواع:
1- صبر على طاعة الله وأطر النفس عليها، ومثال ذلك أن يحين وقت صلاة الفريضة أو النافلة فتدعوه نفسه إلى الكسل والراحة وعوينها الشيطان في تثبيط العزائم وإثقال البدن، فعندما يعارض أهواء نفسه ويستعين بالله ويصبر ويقوم للطاعة ينال خيرا كثيرا.
2- صبر عن معصية الله ، كالذي دعته معصية وتوافرت أسبابها ودواعيها فصبر عنها طلبا لمرضات الله ، وابتعد عن أسبابها ودواعيها فقد حقق الصبر وفاز بالأجر العظيم.
3- صبر على أقدار الله: فإن الله يقدر على عباده ما يشاء من الأقدار ما يناسب طبيعتهم وما لا يناسبها ، فإذا قابل العبد ذلك بالتسخط والتبرم ، تسخط بالقلب وتسخط باللسان وتسخط بالجوارح بالفعل، فالتسخط بالقلب يقتضي إضمار ما لا يرضي الله تجاه ما أصابه، والتسخط باللسان يقتضي القول بما لا يرضي الله من الأقوال كالدعاء بالويل والثبور، والتسخط بالجوارح أن يفعل ما لا يرضي الله كلطم الوجه وشق الجيب وغيرها.
ولذلك قرر أهل العلم أن هناك ما هو أعلى مرتبة من الصبر وهو الرضا بما وقع، فالصابر قد انكسر قلبه وتالم وحزن ولكنه امتنع عن الحرام فلا يقول ولا يفعل ولا يضمر إلا ما يرضي الله، بينما الراضي بمقدور الله يرضى بما كتبه الله وقدره عليه ويستسلم لذلك تماما. ولذلك كان حكم الصبر واجب والرضا مستحب، فانظر كيف صار المستحب أعلى درجة من الواجب.
وهنا وقفة مع جملتي (والصبر ضياء) و (الصلاة نور) لماذا لم يقل الصبر نور؟ الجواب لأن الضياء فيه حرارة فشابه حرارة الصبر، كما قال عز وجل( وجعل الشمس ضياء والقمر نورا) وضوء الشمس فيه حرارة شديدة كحرارة ومرارة الصبر ، بينما الصلاة نور للقلب والجوارح كنور القمر الذي ليس فيه حرارة، وهذا تشبيه عظيم معجز من الله في القرآن الكريم.
(والقرآن حجة لك أو عليك) أي حجة لصاحبه الذي صاحب في الدنيا بالحفظ والقرآءة والعمل يكون له حجة يوم القيامة، أما من ضيعه وأعرض عنه فيكون حجة عليه بين يدي لله تبارك وتعالى.
( كل الناس يغدوا) أي يخرج صباحا مبكرا ويود في المساء وهذا فيه ضرب للمثل.
(فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) بايع لنفسه فمعتقها إذا قام بطاعة الله وعمل بمرضاته في سره وعلنه ومطعمه ومشربه، كما قال عز وجل( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)أي بائع نفسه يبتغي مرضات الله بالقيام بما أوجب الله عليه من الطاعة والأعمال الصالحة.
( أو موبقها) أي أوبقها بتركه لطاعة الله وتنكبه لسراط الله المستقيم، فأمضى عمره في الخسارة والضياع فهذا أهلك نفسه والعياذ بالله.