عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) رواه البخاري ومسلم.
النعمان بن بشير هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري المدني ولد في السنة الثانية من الهجرة، قال الواقدي: كان أول مولود في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعائشة، وروى عنه ابنه محمد ومولاه حبيب بن سالم والشعبي وآخرون، ولي الكوفة في عهد معاوية، ثم ولي حمص لابن الزبير، وبها قتل شهيدا وذلك سنة أربع وستين أو خمس وستين.
(إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات) : هذه أحكام ثلاثة:
الأول: الحلال البين: كاكل الحلال وشرب الحلال ولبس الحلال مما هو خالص حلال.
الثاني: الحرام البين: كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والدم والزنا والسرقة وعقوق الوالدين وأذية الجار وغيرها مما هو معلوم وواضح أنه حرام.
الثالث: المشتبه فيه: وهذا الذي فيه مشقة في معرفته هل وهو حلال أو حرام، ويرج عدم المعرفة إلى أسباب منها:
1- الضعف في معرفة الدليل وما ينص عليه، وهل هو ضعيف أو صحيح أو موضوع، وهل يدل هذا الدليل على الحكم أو لا يدل.
2- الضعف في هم مسألة هل ينطبق الدليل على هذه المسألة أم لافيكون الحكم في نوع اشتباه وشك.
3- قد يكون الاشتباه في المسألة نفسها ومطابقتها للدليل والحكم.
( لايعلمهن كثير من الناس) وهذا يقتضي أن يقال أن هناك كثير يعلمون وكثير لا يعلمون ، ولو قال أكثر الناس لكان المفهوم أن الذين يعلمون قليل ، كما قال عز وجل( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وقوله سبحانه( وأكثرهم فاسقون) وقوله تعالى( ولكن أكثرهم يجهلون). لكن قد يتبادر إلى ذهن القارئ لماذا الكثير لا يعلمون المشتبهات، ولعل ذلك يرجع إلى سببين:
1- قلة العلم والفهم والفقه عند هؤلاء.
2- تقصيرهم في طلب تعلمها وفهمها ومعرفتها.
( فمن اتقى الشبهات) أي تجنبها وابتعد عنها.
ومن هنا يتضح أن افشكال ليس في الحلال البين ولا الحرام البين إنما في الأمور المشتبه فيها.
(فمن اتقى الشبهات) أي تجنبها وابتعد عنها.
(فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه) أي طلب البراءة لدينه وعرضه وحفظها من الوقوع فيها، وكذلك حفظ عرضه فيما بينه وبين الناس ، فلا يعرض نفسه لشبهة أمام الناس فيعرض عرضه لألسنتهم.
(ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام) أي وقع في ممارسة وفعل الشبهات ومن ثم يقع في الحرام، والوقوع في الحرام إما بممارسة الشبهات أو أخذها ذريعة للوقوع في المحرمات، ثم ضرب بمثال حي من الواقع يبرهن على صدق قوله عليه الصلاة والسلام فقال:
(كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) أي الراعي الذي يرعى الأنعام من إبل وبقر وغنم ، ويقوم على شئونها يرعى حول المراعي المحمية التي لايسمح بالرعي فيها كأملاك خاصة، فإذا رأت هذه المواشي هذه المحمية في غاية الخضرة والجمال والمرعى الوفير،فإنها لا تمسك ولا ترتدع عنها وتحاول دخولها بأي حال، فكذلك من يحوم حول الشبهات والمحرمات إن لم ينتهي فإنه يوشك أن قع فيها ويقترفها.
(ألا وإن لكل ملك حمى)”ألا” أداة استفتاح يقصد بها التنبيه إلا ما وراءها من الخبر، لكل ملك حمى يشير إلىأن هناك حمى حرام وحمى حلال، فما كان لنفسه فهو حرام وما كان للمسلمين فهو حلال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم( المسلمون شركاء في ثلاثة الكلأ والماء والنار) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
(ألا وإن حمى الله محارمه) هذه الجملة مؤكدة بأداة الاستفتاح “ألا” وأداة التوكيد”إن” ومهناها حمى الله محارمه فلا يقربها المسلم كحمى الملك لايجوز له اقترابه.
(ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) أي كمضغة اللحم التي يمضغها الإنسان.وختمها بالقلب الذي ربط به أول الحديث وآخره، وذلك أن القلب مناط العقيدة والإيمان والخوف والرجاء به صلاح الإنسان وبه فساده.والمسلم التقي يأتي ما أحل الله ويبتعد عما حرم الله ويتقي المشتبهات براءة وسلامة لدينه وعرضه.