الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد العثيمين

حكمها: أنه يُثاب فاعلها امتثالاً، ولا يُعاقب تاركُها.

السِّواكُ، وغَسْلُ الكَفَّيْنِ ثلاثاً، ويَجبُ من نومِ لَيْلٍ ………

قوله: «السِّوَاك»، تقدَّم أنَّه يتَأَكَّدُ عند الوُضُوء، ودليله: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أَشُقَّ على أُمتي لأَمرتُهم بالسِّوَاك مع كُلِّ وُضُوء» (رواه البخاري).

قوله: «وغَسْلُ الكفَّين ثلاثاً»، لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا توضأ بدأ بغسل الكفَّين ثلاثاً (رواه البخاري)، ولأنهما آلة الغسل فإِنَّ بهما يُنقل الماء، وتُدلَكُ الأعضاءُ، فكان الأليقُ أن يتقدَّم تطهيرهُما.

فإن قيل: لماذا لا يُقال: إِن غسلهما واجب لمداومة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؟

فالجواب: أن الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، ولم يذكر الكفين.

قوله: «ويجبُ من نومِ ليلٍ»، الضَّمير في قوله: «يجب» يعودُ على غسل الكفَّين ثلاثاً، وهذا إِذا أراد أن يغمسهُما في الإِناء.

والدَّليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا استيقظ أحدُكم من نومه، فلا يغمس يدَه في الإِناء؛

حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإن أحدَكم لا يدري أين باتت يدُه» .

وقوله: «مِنْ نومِ ليلٍ» خرج به نوم النهار، فلا يجب غسل الكفَّين منه.

فإن قال قائل: قولُه في الحديث: «إذا استيقظ أحدُكم من نومه» فإِن «نومه» مفردٌ مضاف فيشمل كُلَّ نومٍ.

وأيضاً قوله: «إذا استيقظ» ظرف يشمل آناء الليل وآناء النَّهار، فلماذا يُخَصُّ بالليل؟

فأجابوا: أنَّه يُخَصُّ بالليل لتعليله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «فإِن أحدكم لا يدري أين باتت يدهُ»، والبيتوتة لا تكون إِلا بالليل (المغني 1/140). وهذا من باب تخصيص العام بالعِلَّة، لأنَّه صلّى الله عليه وسلّم لمَّا علَّلَ بعِلَّة لا تصلح إلا لنوم الليل صار المراد بالعموم في قوله: «من نومه» نومَ الليل، فهو عام أُريد به الخاصُّ.

ناقضٍ لوُضُوءٍ، ……….

قوله: «ناقضٍ لوُضُوء»، احترازاً مما لو لم يكن ناقضاً.

والنَّوم النَّاقض على المذهب: كُلُّ نوم إلا يسير نوم من قائم، أو قاعد . والصَّحيح أن المدار في نقض الوُضُوء على الإِحساس، فما دام الإِنسان يحسُّ بنفسه لو أحدث فإِن نومه لا يَنْقُضُ وضوءَه، وإِذا كان لا يحسُّ بنفسه لو أحدث فإِن نومَه يَنْقُضُ وضوءَه (310).

وهذا الذي ذكره الفقهاء هنا حيث قالوا: «ناقضٍ لوُضُوءٍ»

يؤيِّدُ أنَّ الرَّاجح أنَّ النَّوم النَّقض للوُضُوء ما فَقَدَ به الإِنسانُ إِحساسَه.

ووجهه: أن قوله: «فإن أحدَكم لا يدري» معناه أن إحساسه مفقود، وعلى هذا إذا كان يدري بحيث لم يفقدْ إِحساسه فإنه لا ينتقض وضوءُه، مع أنَّ الفقهاء في باب نواقض الوضوء يخالفون ذلك.

والبدَاءَةُ بِمَضْمَضَةٍ، ثُمَّ اسْتِنْشَاقٍ، والمبالغةُ فيهما لغيرِ صائمٍ، ………

قوله: «والبَدَاءَةُ بمَضْمَضَةٍ ثم استنشاق»، أي: ومن سُنَنِ الوُضُوء البَدَاءَةُ بمضمضة ثم استنشاق، وهذا بعد غسل الكَفَّين، والأفضل أن يكون ثلاث مَرَّات بثلاث غَرَفات.

والمضْمَضَةُ هي: إِدارة الماء في الفَمِ.

والاستنشاق هو: جَذْبُ الماء بالنَّفَسِ من الأنف.

والبَدْءُ بهما قبلَ غسل الوجه أفضل، وإِن أخَّرهما بعد غسل الوجه جاز.

ولم يذكر المؤلِّف الاستنثار؛ لأن الغالب أن الإنسان إِذا استنشق الماء أنه يستنثره، وإِلا فلا بُدَّ من الاستنثار، إذ لا تكتمل السُّنَّة إلا به، كما أنها لا تكتمل السُّنَّة بالمضمضة إلا بمجِّ الماء، وإن كان لو ابتلعه لعُدَّ متمضمضاً، لكن الأفضل أن يمجَّه؛ لأن تحريك الماء بالفمِ يجعل الماء وسخاً لما يلتصق به من فضلات كريهة بالفم.

قوله: «والمبالغة فيهما لغير صائم»، «فيهما» أي: ومن سُنَنِ الوُضُوء المبالغة في المضمضة والاستنشاق، والمبالغة في المضمضة: أن تحرِّكَ الماء بقوة وتجعله يصلُ كلَّ الفم، والمبالغة في الاستنشاق: أن يجذبه بنفس قويٍّ.

ويكفي في الواجب أن يديرَ الماء في فمه أدنى إِدارة، وأن يستنشقَ الماءَ حتى يدخل في مناخره.

والمبالغة مكروهةٌ للصَّائم، لأنها قد تؤدِّي إلى ابتلاع الماء ونزوله من الأنف إلى المعدة؛ ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم للقيط بن صَبِرَة: «أسْبِغِ الوُضُوء، وخَلِّلْ بين الأصابع، وبالغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكون صائماً» .

وإذا كان في الإنسان جيوبٌ أنفيةٌ، ولو بالغ في الاستنشاق احتقن الماءُ بهذه الجيوب وآلمه، أو فسد الماء وأدَّى إِلى صديد أو نحو ذلك، ففي هذه الحال نقول له: لا تبالغ درءاً للضَّرر عن نفسك.

وتَخْليلُ اللِّحْيَةِ الكثيفةِ ……..

قوله: «وتخليلُ اللِّحْيَة الكثيفة»، أي ومن سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة، واللحية إِما خفيفةٌ، وإِما كثيفةٌ.

فالخفيفة هي التي لا تَسْتُرُ البشرة، وهذه يجب غسلُها وما تحتها؛ لأنَّ ما تحتها لمَّا كان بادياً كان داخلاً في الوجه الذي تكون به المواجهة، والكثيفةُ: ما تَسْتُرُ البشرة، وهذه لا يجب إِلا غسل ظاهرها فقط، وعلى المشهور من المذهب يجب غسل المسترسل منها.

وقيل: لا يجب كما لا يجب مسحُ ما استرسلَ من الرَّأسِ (الإنصاف 1/284)، والأقرب في ذلك الوجوب ، والفرق بينهما وبين الرأس: أن اللحية وإِن طالت تحصُل بها المواجهة؛ فهي داخلة في حَدِّ الوجه، أما المسترسلُ من الرَّأس فلا يدخل في الرَّأس لأنَّه مأخوذ من التَّرؤُّس وهو العُلو، وما نزل عن حدِّ الشَّعر، فليس بمُتَرئِّسٍ.

والتَّخليل له صفتان:

الأولى: أن يأخذَ كفًّا من ماء، ويجعله تحتها ويَعْرُكَها حتى تتخلَّلَ به.

الثانية: أن يأخذ كفًّا من ماء، ويخلِّلَها بأصابعه كالمشط، والدَّليل قول عُثمان رضي الله عنه: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُخلِّلُ لحيته في الوُضُوء» (رواه الترمذي)، وهذا الحديث وإن كان في سنده مقال؛ لكن له طُرُقٌ كثيرة، وشواهد تدلُّ على أنه يرتقي إلى درجة الحسن على أقلِّ درجاته، وعلى هذا يكون تخليل اللِّحية الكثيفة سُنَّة.

وذكر أهل العلم أن إِيصال الطَّهور بالنسبة للشعر ينقسم إلى ثلاثة أقسام (المغني1/164-301-302)

الأول: ما يجب فيه إيصال الطَّهور إلى ما تحت اللِّحية، كثيفة كانت، أم خفيفة، وهذا في الطَّهارة الكُبرى من الجنابة لحديث عائشة رضي الله عنها: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يصبُّ على رأسه الماء حتى إِذا ظَنَّ أنه أروى بشرَتَه أفاض عليه ثلاث مرَّات» (رواه البخاري)، وحديث: «اغسلوا الشعر، وأنْقُوا البشرة» (رواه أبو داود).

الثاني: ما لا يجب فيه إِيصال الطَّهور إِلى ما تحت الشَّعر، سواء كان خفيفاً، أم ثقيلاً، وهذا في طهارة التيمُّم.

الثالث: ما يجب فيه إِيصال الطَّهورِ إلى ما تحت اللِّحية إِن كانت خفيفة، ولا يجب إِن كانت كثيفة، وهذا في الوُضُوء.

فإن لم يكن له لحية سقط التَّخليل.

وهل يُقال مثلُ هذا في الأصْلع الذي ليس على رأسه شعر بالنسبة للحلق، أو التَّقصير في النُّسك؟

قال بعض العلماء: يُسَنُّ أن يَمُرَّ بالموسى على رأسه (الإنصاف9/211).

وهذا في الحقيقة لا فائدة له؛ لأنَّ إمرار الموسى على

الشَّعر ليس مقصوداً لذاته حتى يُقال: لمَّا تعذَّر أحد الأمرين شُرع الأخذ بالآخر؛ لأن المقصود من إِمرار الموسى إزالة الشَّعر، وهذا لا شعر له.

ونظير هذا قول من قال: إِن الأخرس لا بُدَّ أن يقرأ الفاتحة، بأن يحرِّك لسانه وشفتيه، ولا صوت له (الإنصاف3/413).

وهذا لا فائدة له؛ لأن تحريك اللسان والشفتين لإِظهار النُّطق والقِراءة، وإِذا كان هذا متعذِّراً فتحريكُهما عبث.

والأصَابِعِ، …….

قوله: «والأصابع»، أي: ومن سُنَنِ الوُضُوء تخليل أصابع اليدين، والرِّجلين، وهو في الرِّجلين آكد لوجهين:

الأول: أنَّ أصابعهما متلاصقة.

والثَّاني: أنهما تباشران الأذى فكانتا آكد من اليدين.

وتخليل أصابع اليدين: أن يُدخِلَ بعضُهما ببعض.

وأما الرِّجْلان فقالوا: يُخلِّلهما بخنصر يده اليُسرى؛ مبتدئاً بخنصر رجله اليُمنى من الأسفل إِلى الإِبهام، ثم الرِّجل اليُسرى يبدأ بها من الإبهام لأجل التَّيامن؛ لأن يمين الرِّجل اليُمنى الخنصر، ويمين اليُسرى الإِبهام، ويكون بخنصر اليد اليُسرى تقليلاً للأذى؛ لأنَّ اليُسرى هي التي تُقدَّم للأذى (المغني1/152).

وهذا استحسنه بعضُ العلماء، لكن القول: بأنه من السُّنَّة وهو لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فيه نظر!،فيُقال: هذا استحسانٌ من بعض العلماء، لكن لا يُلتَزَمُ به كسُنَّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *