فتاوى منوعة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله. د. ناجي بن وقدان

 السؤال: هل يجوز لي أن أصوم الست من الشوال أو يوم عاشوراء وأنويه قضاء عن بعض أيام رمضان؟

الإجابة: أما صيام الست فلا يصح أن تجعلها عن قضاء رمضان؛ لأن أيام الست تابعة لرمضان فهي بمنزلة الراتبة للصلاة المفروضة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر»، والنبي عليه الصلاة والسلام  في هذا الحديث جعلها تابعة لشهر رمضان ومتبوعة له، وما كان تابع للشيء فإن الشيء لا يغني عنه، ثم إنه يكثر السؤال عن تقديم هذه الأيام الست على القضاء فيمن عليه قضاء من رمضان؟ والجواب على ذلك: أن هذا لا يفيد، أي أن تقديم الست على قضاء رمضان لا يحصل به الأجر الذي رتب النبي صلى الله عليه وسلم  على صيامها بعد رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال»، ومن كان عليه قضاء فإنه لا يطلق عليه أن يكون قد صام رمضان بل لا بد من صيام الشهر كله أداء وقضاء ثم بعد ذلك يصوم هذه الأيام الستة، وأما إذا نوى بصيام يوم عاشوراء نوى به القضاء، فإننا نرجو أن يحصل له القضاء وثواب اليوم؛  لأن الظاهر أن المقصود هو أن يصوم ذلك اليوم، وكذلك إذا صام يوم عرفة عن قضاء رمضان فإننا نرجو له أن يحصل له الأمران جميعاً، وكذلك إذا صام ثلاثة عشرة وأربعة عشرة  وخمسة عشرة من الشهر وهي أيام البيض ونواها عن قضاء رمضان فإننا نرجو أن يحصل له الثواب بالأمرين جميعاً، وكذلك إذا صام يوم الخميس ويوم الاثنين عن قضاء رمضان فإننا نرجو أن يحصل له  أجر القضاء وأجر صيام هذين اليومين؛ لأن المقصود أن تكون هذه الأيام صوماً للإنسان.

السؤال: هناك أهل قرية عندهم عادة دون غيرهم من أهل القرى والقبائل؛ وهي أنهم عقب انتهائهم من صلاة المشهد من كل يوم عيد سواء كان عيد الأضحى أو عيد الفطر يذهبون إلى زيارة قبور أهليهم ومن في تلك المقبرة من أموت المسلمين وذلك من أجل السلام عليهم، وفي أثناء الطريق يتضرعون إلى الله ويدعون، ومن جملة تضرعهم ودعائهم قوله الله، الله، أنا يا الله عبد ضعيف يطلب الغفران. إلى أن يقولون أربع تكبيرات وهم واقفون، ولكنهم لم يشدوا رحالاً وعند مشاهدتهم للمقبرة وعلى بعد حوالي ثمانين متراً تقريباً يرفعون أصواتهم بتذللٍ وخشوعٍ بقول لا إله إلا الله، ثم يتقدم أحد القراء وهم واقفون ثم يسلم على الميتين بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم «السلام عليكم». إلى آخر الدعاء، لا نريد الإطالة بذكره. يقول: نريد أن تذكروا لنا حكم هذه الزيارة وحكم ما يقال فيها وما يُفعل؟

الإجابة: زيارة القبور مستحبة للرجال كل وقت ليلاً ونهاراً في أيام الأعياد وفي غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وفيها فائدتان عظيمتان: إحداهما تذكر الآخرة، والثانية الدعاء لهؤلاء الأموات من المؤمنين والمسلمين. وإذا كانت من العبادات فإنه يجب على المؤمن أن يكون فيها متبعاً لا مبتدعاً، متبعاً في هيئتها وفي زمنها، وهذا الزمن الذي خصصه هؤلاء وهو ما بعد صلاة العيدين يخرجون إلى المقبرة، هذا الزمن ليس وارداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم أنه يخص المقبرة بزيارةٍ بعد صلاة العيد. وعلى هذا فتخصيصها بهذا اليوم أو الذهاب إلى المقبرة في هذا اليوم يعتبر من البدع التي لا يجوز للمرء أن يتقيد بها، وإن كان الأصل أن الزيارة مشروعة ولكن تخصيصها في هذا اليوم أو بعد الصلاة هو من البدع، هذا واحد، فهي بدعة زمنية. كذلك أيضاً الصيغة التي أدوا بها هذه الزيارة لكونهم يذهبون مجتمعين ويقولون هذا الدعاء إذا أقبلوا على المقبرة وهذا الذكر، ثم يتقدم قارئ فيقرأ، هذا أيضاً من البدع في صيغة الدعاء وفي كيفية الزيارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه يذهب هو وأصحابه مجتمعين، ولا أنهم يعملون كما يعمل هؤلاء من الدعاء بهذه الدعوات في مكانها المعين وحين إقبالهم على المقبرة. فالواجب على هؤلاء الإخوان أن ينتهوا عن هذا وأن يتوبوا إلى الله وأن يزوروا المقبرة كلما سنحت لهم الفرصة واشتدت بهم الغفلة عن الآخرة حتى يتذكروا بها ما يصيرون إليه كما صار إليه هؤلاء الأموات الذين كانوا من قبل أحياءً على ظهر الأرض، وأن يكونوا متبعين للرسول صلى الله عليه وسلم في جميع عباداته؛ لأننا لو قلنا أن كل من استحسن شيئاً تقرب به إلى الله أصبح الدين غير منضبط، وأصبح لكل قومٍ دين؛ لأن هؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به، وهؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به، وحينئذٍ تتفرق الأمة شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون. والواجب الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدعون ما يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

 السؤال: هل يكون التكبير في عيد الفطر وعيد الأضحى بعد الصلاة جماعةً أو منفرداً، وما هي الصيغة الشرعية التي وردت في التكبير؟

الإجابة: التكبير ليلة عيد الفطر إلى مجيء الإمام، وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، أو يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد أو يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الأمر في هذا واسع، وابتداؤه في عيد الفطر كما قلت من غروب الشمس ليلة العيد إلى مجيء الإمام، أما في عيد الأضحى فالتكبير من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، لكنه لا يسن يوم العيد والإمام يخطب؛ لأن الإنسان مأمور أن يستمع إلى الخطبة، أما التكبير الجماعي بصوت واحد فهذا ليس من السنة، بل كل واحدٍ يكبر وحده لنفسه، هذا التكبير يسن للرجال أن يجهروا به، وأما النساء فلا تجهر به لا في البيت ولا في السوق.

 السؤال: ما هي الليالي التي تتحرى فيها ليلة القدر؟ وما هو أفضل دعاء يقال فيها؟ وما هي علاماته؟

الإجابة: آخر الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولكنها ليست هي ليلة قدر جزماً، بل هي أرجاها، ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم أن ليلة القدر تتنقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاثة وعشرين، وفي ليلة خمسة وعشرين، وفي ليلة سبعة وعشرين، وفي ليلة تسعة وعشرين، وقد تكون في الأشفاع أيضاً. وقد أخفاها الله عز وجل على عباده لحكمتين عظيمتين: إحداهما أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط. والحكمة الثانية أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم، ينتفعون به. أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله، أريت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عني». فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها. وأما علامتها فإنها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع فيها، وهذه علامة متأخرة، وفيها علامات أخرى كزيادة النور فيها، طمأنينة المؤمن وراحته وانشراح صدره، كل هذه من علامات ليلة القدر.

 السؤال: بعض الأشخاص يأكلون والأذان الثاني يؤذن في الفجر لشهر رمضان، فما هي صحة صومهم؟

الإجابة: إذا كان المؤذن يؤذن على طلوع الفجر يقيناً فإنه يجب الإمساك من حين أن يسمع المؤذن فلا يأكل أو يشرب. أما إذا كان يؤذن عند طلوع الفجر ظنًّا لا يقيناً كما هو الواقع في هذه الأزمان فإن له أن يأكل ويشرب إلى أن ينتهي المؤذن من الأذان.

 السؤال: ورد في الحديث الذي معناه: (إن الله لما خلق آدم مسح مسحة فقال: هؤلاء للنار، ثم مسح مسحة أخرى فقال: هؤلاء للجنة) كيف يكون الرد على الجبرية إذا استدلوا بهذا الحديث؟

الإجابة: بالنسبة لهذا الحديث اختلف العلماء في صحته هل هو صحيح: (إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره، وأخرج منه ذريته وقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي) فيه كلام طويل عريض للعلماء، وليس فيه حجة للجبرية؛ وذلك لأن الإنسان يفعل ما يريد باختياره، وهل أحد منا يعلم أنه من أهل النار أو من أهل الجنة؟ لا أحد يعلم، فإذا كان لا يعلم؛ فلماذا أقدم على فعل أهل النار، لماذا لم يقدر نفسه أنه من أهل الجنة ويعمل بعمل أهل الجنة؟! فلا حجة للجبرية في كل النصوص التي تدل على أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لأننا نقول للإنسان العاصي، أو الذي يقول: إنه مجبر: ما دليلك على أن الله تعالى خلقك من أهل النار؟! لا أحد يستطيع أن يعرف؛ لأن القدر سر مكتوم لا يُعْلَم إلا إذا وَقَع: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان: 34] فلا حجة للجبرية في النصوص الدالة على أن كل شيء مكتوب ومقدر.

 السؤال: فضيلة الشيخ! لو أن إنساناً نوى الطلاق، هل يقع الطلاق؟

الإجابة: إذا نوى الطلاق فإنه لا يقع الطلاق، بل لو حدَّث نفسه أنه يطلق؛ فإنه لا يقع الطلاق، لو قال: سأكتب ورقة طلاق امرأتي الآن، ثم أتى بالقرطاس والقلم؛ ولكنه عدل عن هذا، فلا طلاق، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمل، أو تتكلم»؛ رواه الشيخان، وهذه نعمة من الله، هذا بالنسبة للإنسان العادي الذي هو متزن. أما بالنسبة للإنسان الموسوس فهذا لا يقع طلاقه ولو تلفظ بالطلاق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- يُبْتلى بالوسواس في أهله، فتجده يُطَلِّق زوجته غصباً عليه، حتى إنه لو فتش المصحف أو الكتاب ليقرأ قال له الشيطان: إنك قلتَ: إن فتشتُ الكتاب فامرأتي طالق، حتى إنه يوسوس إليه في كل شيء، وهذا لا يقع طلاقه حتى لو كتبه بيده ونطق به بلسانه، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق في إغلاق»؛ أبو داود وابن ماجه وأحمد، والإغلاق معناه: أنه يغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.

 السؤال: ما حكم الحجز يوم الجمعة في المسجد؟

الإجابة: الحجز في المكان جائز بشرط: أن يكون الرجل في المسجد؛ كأن يكون حجز في الصف الأول وذهب في طرف المسجد من أجل أن يقرأ وحده لئلا يشوش عليه الناس. وبشرط آخر: أنه إذا أراد الوصول إلى مكانه في الصف الأول، فإنه يلزمه أن يتقدم إلى مكانه؛ لأنه لو تأخر لزم من ذلك أن يتخطى رقاب الناس، إلا إذا كان في المسجد باب في المقدَّم يمكنه أن يخرج من المسجد ويرجع إلى الباب من جهة الباب، فهذا لا بأس أن ينتظر حتى تطيب نفسه ثم يخرج من المسجد ويذهب إلى مكانه.

 السؤال: فضيلة الشيخ! ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته: (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن)؟

الإجابة: لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه: أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يُصنع به؟ يُجلد، لا نقول: نأتي به، نقرأ عليه القرآن، ونحذره من الزنا، وما أشبه ذلك، نجلده؛ لأن هذا يردعه وأمثالَه عن العودة إليه، فالمعنى صحيح، أن الله تعالى يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن؛ لكن لفظ الحديث لا يحضرني الآن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *