خطورة الخلوة وسهام التقنية …. د. ناجي بن وقدان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

يَخْتبر الله عباده في مقام الخشية والتقوى من خلال مقام الإيمان ، قوته من ضعفه، ومن خلال الخلوات والجلوات ، فتبرز قوة العبد وقدر إيمانه ومحافظته على حدود الله ومحارمه، فمن العباد من كان على قدر الامتحان، فبانت خشيته وحقيقة تقواه لله، ومنهم من انكشف غطاءه وتلوثت خلواته بانتهاك محارم مولاه، فرسب في الاختبار، وبان ضعف إيمانه وتقواه، فهذا وأمثاله قد ذهبت حسناتهم في العلانية أدراج الرياح، إلا أن يتوبوا ويعودوا إلى مولاهم عودة وأوبة صحيحة، قال ابن الجوزي رحمه الله ( رأيت أقواماً من المنتسبين للعلم، أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات ، فمحا الله محاسن ذكرهم في الجلوات، فكانوا موجودين كالمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يحن إلى لقائهم )[1]، وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله ( أي أن عندهم استهتارا واستخفافا بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين أَحْسَن أيما إحسانٍ ، لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات أمثال الجبال، فظاهرها حسنات، ( لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) فهم في السر لا يرجون لله وقارا، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها أو يرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر، وعنده الندم والحرقة ويتألم، فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل ،لأنه – في الأصل – هو معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته فينكسر لها، أما الآخر فيتسم بالوقاحة والجرأة على الله تبارك وتعالى)[2] .

فعلى العبد أن يعظم حرمات الله في الخلوات، وليعلم أن نظر الله أسبق إليه من نظره إلى المعصية، وليبتعد عن داء التناقض في حياته وليكن سره وعلانيته، وخلوته وجلوته سواء في تقواه وخشيته لمولاه، وليكن من الذين قال الله فيهم(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)[3].

الخَلَواتْ :

تنقسم الخلوات إلى ثلاثة أقسام:

الخلوة الأولى : خلوة محمودة، وهي التي يخلوا فيها العبد مع ربه وخالقه جل وعلا، وهي خلوة الصالحين، موطن لمحاسبة النفس واستصلاح عيبها، ومراجعة الذات، بالاستغفار ومحو الذنوب، يقول أبو بكر الوراق(وَجَدْتُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَالْعُزْلَةِ، وَوَجَدْتُ شَرَّهُمَا فِي الْكَثْرَةِ وَالِاخْتِلَاط)[4]، وعنّف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدَ رعيته، ثم دخل بيته فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين، ثم جلس، فقال(يا ابن الخطاب! كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزّك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، لجأ رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟)[5]، وسأل فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفُضَيْلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)[6]، قَالَ(الْمُنِيبُ الَّذِي يَذْكُرُ ذَنْبَهُ فِي الْخَلْوَةِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ)[7]، وفي الخلوات لذة المناجاة والأنس بالله, يقول مسلم بن يسار(مَا تَلَذَّذَ الْمُتَلَذِّذُونَ بِمِثْلِ الْخَلْوَةِ بِمُنَاجَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)، ويقول محمد بن يوسف(مَنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ النِّعَمِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ مُنَاجَاةِ الْخَلْوَة)[8]، ولعمري إنها لمن خبايا الخلوة.

الخلوة الثانية : خلوة مذمومة، بل ومحرمة، يخلوا بها رجل بامرأة لا تحل له بلا رقيب ولا حسيب، كما قَالَ تَعَالَى( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)[9] ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ رضي الله عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَال(إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أفَرأيْتَ الْحَمْوَ؟ قالَ: الْحَمْوُ المَوْتُ)[10] ،وَعَن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنْهُما: أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَال(لا يَخْلُوَنَّ أحدُكُمْ بِامْرأةٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)[11] ،وعن بُريْدةَ رضي الله عنه قَالَ: قَال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم(حُرْمةُ نِساءِ المُجاهِدِينَ علَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمةِ أمَّهاتِهمْ، مَا مِنْ رجُلٍ مِن الْقَاعِدِين يَخْلُفُ رجُلًا مِنَ المُجاهدينَ في أهلِهِ، فَيَخُونُهُ فِيهِم إلَّا وقف لهُ يَوْمَ الْقِيامةِ، فَيأخُذُ مِن حسَناتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرضى، ثُمَّ الْتَفت إليْنَا رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ(مَا ظَنُّكُمْ؟)[12]، وقال عليه الصلاة والسلام (لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما)[13].فالخلوة بالمرأة الأجنبية عن الرجل لا تجوز سواء في الأعمال أو الأسواق أو غيرها.

الخلوة الثالثة : وهي أيضاً خلوة مذمومة، وهي مناط حديثنا في هذا المقام، فهناك أقوام شقوا بالخلوات، وضعفت مراقبة المولى في قلوبهم, فكانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، مغترين بستر الله وحلمه عليهم، يتوارون عن أعين الناس، فَعَظُمت نظرة الناس إليهم، وهان نظر الله في أعينهم وهو معهم يعلم سرهم ونجواهم، كما قال عزوجل (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[14]، قال الشيخ السعدي رحمه الله(وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم)[15].

وأقبح من يفعل ذلك من الناس من يتظاهر أمام الناس بالصلاح، فإذا خلا امتطى صهوة المنكرات والفساد فيا خسارة من يفعل ذلك يوم المعاد، قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؟، قَالَ(أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)[16].

ويدخل مع أولئك القوم من يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر, فيحسبه الناس من أهل الصلاح والخير وهو ليس كذلك في الحقيقة، بل سره يخالف علانيته، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ؟!, قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ)[17].

ولا يُحمل الحديث على أن الإنسان لا يأمر بالمعروف إلا إذا كمل صلاحه، أو جانب جميع المعاصي، فإن هذا قد لا يوجد، وأين ذاك الذي لا يذنب؟! قال الحسن البصري لمُطرِّف بن عبد الله(عِـظْ أصحابك)، فقال(إني أخاف أن أقول ما لا أفعل)، قال(يرحمك الله! وأيُّـنا يفعل ما يقول؟! ودّ الشيطان أنه قد ظفِرَ بـهذا، فلم يأمر أحد بمعروف، ولم يَنْهَ عن منكر)[18], وقال سعيد بن جبير(لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عـن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف، ولا نَهى عن منكر)[19].

ولو لم يعظِ الناس مَنْ هو مذنبُ*فَمَنْ يعظ العاصين بعد محمدِ

والحاصل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم، ولو كان الإنسان يقع في شيء من المخالفات والذنوب، فانه لا يخلوا من ذلك أحد، والتسديد والمقاربة مطلوبة، وتجديد التوبة مطلوب، والحسنة تتبع السيئة فتمحها.

وليحذر المسلم من التمادي والاسترسال في مقارفة ذنوب الخلوات، إذ أنها من أشد أنواع الذنوب خطرًا على صاحبها، وهذا النوع من الذنوب يعتبر أصل الانتكاسات في العبد, وكم من رجل وشاب ، وكم من فتاة سقطوا وانتكسوا بسبب معاصي وذنوب الخلوات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ)[20] ، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله(إنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت)[21], ويقول ابن القيم رحمه الله(أجمع العارفون على أن أصل الانتكاسات ذنوب الخلوات)[22].

واعلم يا رعاك الله أن انتهاكك محارم الله وأنت وحدك في خلوتك، أو في مكان لا يعرفك فيه أحد داء خطير، فقد يكون بنظرة تنظر إليها، أو بشاشة تقلبها، أو بلد تسافر إليها، فتتجرأ على محارم الله كأنك نسيت قوله الله تعالى(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[23]، وكيف يتأتى لك ذلك والله جل وعلا أقرب إليك من حبل الوريد.

وكم من فتاة هُتِك عرضها، ودُنِّس شرفها، وضاعت حياتها، ووقعت في شَرَكِ الابتزاز، بخلوة مقيتة، ومكالمةٍ في غرفة شات أوقعتها في شرك الذئاب، فباتت تنوح على نفسها، وتندب حضها العاثر، وتشكوا إلى الله جرم أهلها بتركها في الخلوة فريسة لطمع الطامعين، وتغييبها عن التربية الدينية الحصن الحصين من كل شر.

وأورد قصة مأساوية لإحدى الفتيات ممن وقعن في الشباك المظلمة، ودهاليز الهوى المدمرة، ولتكون عَيِّنة حية لمآسي الكثير من بنات جنسها، تقول إحدى الفتيات وتحت عنوان(وضاع عمري)بدأت قصتها ، عندما بدأت تبحر في عالم الإنترنت، الذي قضت معه الساعات تلو الساعات، والأيام تلو الأيام، عندما دخلت غرف الشات، وتحاورت مع الشباب والشابات، أبهرتها الفكرة فهذا من كندا وذاك من الخليج وغيره من أقصى الشمال، ظنت أنها جمعت فوائد العالم، وأنها ستتقن الحديث بجميع لغات العالم، فهي تكلم الشباب من هنا وهناك، وكل له ثقافة، وكل له عادات، وبينما هي منهمكة بين غرف الشات والمسنجرات، وإذا بها تتعرف على شاب كغيره من الشباب، ولكن هذا الشاب شعرت نحوه بالإعجاب، واستمرت صداقتها معه، ففي البداية كانت أخوة شريفة، ثم تمادت إلى الصداقة الطاهرة، ثم إلى الإعجاب، وإذا بها تقع في مصيدة اسمها الحب، لم تعرف كيف وقعت بها، بعد أن ظنت أنها محصنة، وأنها تدربت جيداً على فنون الشات، ولكن ما العمل فقد حصل ما حصل، وأصبحت والشاب أحباباً، يقضيان معاً معظم الأوقات من ساعات إلى أيام إلى شهور إلى سنوات، ودارت بينهما قصة حب عظيمة، إلى أن اتفقا على الزواج، بعد إلحاح شديد من الفتاة، ولكن المشكلة أنه يسكن في أقصى الكرة الأرضية الشمالي وهي في أقصاها الجنوبي، وبينهما سبعة بحار واسعة عميقة، فكيف الوصول؟ وكيف اللقاء؟ فبعد أن وعدها بالزواج وكانت مقتنعة بكلامه أشد اقتناع، إذا به يعترف لها باعتراف هزها وهزمها، وشعرت بصغر حجمها، وضعف نفسها، فقد اعترف لها بأنه لا يجيد السباحة في البحار، وأنه ينتظر، ويريد أن يبقي علاقتهما كما هي، إلى أن يتم اللقاء.

في البداية ظنتها مزحة منه، ولكنه كان جاداً، قال لها أنا أحبك، ولكن كيف السبيل؟ إذا استطعت أن تقطعي البحار، فأنا أنتظرك، فردت عليه، ولكن يا من تكشفت على عوراتي، وعرفت جميع أسراري، لماذا لم تعترف لي منذ البداية بأنك لا تجيد السباحة، لماذا تركتني على هذه الحالة سنوات طوالاً، وأنا أنتظر اللقاء، وأنت تشجعني على الاستمرار في حبك، لقد أضعت على نفسي فرص التفكير في غيرك، ظننتك إنساناً وإذا بك ذئب مفترس، فحسبي الله ونعم الوكيل. لم يكن بيدها إلا أن تذرف الدموع على وقتها وعمرها الذي أضاعته في علاقة قدسها الشيطان، وأغواها للاستمرار بها.

فكان رده بأنه أحبها، ولكنه ومنذ البداية لم يؤكد لها وعده، وبما أنها مصرة على الزواج فعليها أن تنتظر رحمة ربها، فذلك الشاب أرادها وسيلة تسلية عبر الشات، وتضييع الوقت، بكلام معسول، أوهمها بالحب ووعدها وعداً لن يتحقق بالزواج، وهي بعاطفتها صدقت كلماته المعسولة الرنانة الكاذبة.

وأخرى تحت عنوان (فتاة الإنتـرنت)تقول إحدى الفتيات:

إلى كل من يقرأ قصتي أرجو كل الرجاء أن تكون عبرة لمن يعتبر هذه قصتي كتبتها بأيد ترتعش وأرجو أن يغفر الله لي:

كنت طالبة في كلية الطب تعرفت على شاب عبر الإنترنت كان دائماً يطلب مني رقم الهاتف النقال وطبعاً أرفض إلى أن قال لي وهو يستهزئ بصفحات الدردشة المدمرة أكيد أنت ولد، وأنا على نيتي أحلف والله بنت والله بنت ويقول وكيف أعرف أثبتي وكلميني مرة واحدة.

رضيت وكان يوم ضياعي يوم كلمته في أول مكالمة قلت: آلو أنا فلانة هل عرفتني؟ وقال بصوت معسول: يا هلا والله أخيراً وبعدها ابتدأت مكالماتنا لها أول ومالها آخر إلى أن أحببته حباً شديداً وأعطيته إيميلي الخاص وأرسل صورته وكان شاباً وسيماً زاد حبي له وتعلقي به حتى أني رفضت كل من يتقدم لي وبعد ثلاثة أشهر تقريباً قال لي: (أبي أشوفك) رفضت هددني بالهجر ضعفت حينها ولم أستطع السيطرة على مشاعري وافقت ويا ليتني لم أوافق واعدته في أحد المتنزهات العائلية ورأيته وتحدثنا معاً ولم يلمسني ولم ينظر إلي أعطيته الثقة ولم يخطر ببالي أنه سوف يخون ولم يكن ذلك آخر لقاء التقينا مرة أخرى عند باب الكلية وبعدها في سيارته وبعدها في شقته!! ، رجعت إلى الكلية فأنزلني وذهب بعدها والله لم أسمع صوته واعترفت لأهلي لكن بمساعدة صديقتي ووالدها – جزاهم الله خيراً – تفهموا الموضوع إلا أني أعيش في حزن وكلما أذكر قصتي أبكي بكاء لو احترق العالم لأطفأته بدموعي أرجو أن تدعوا لي أن يقبل الله توبتي.

هذا غيض من فيض من مآسي الجوال والحاسوب والإنترنت، أفلا يعي بني قومي الخطر المحقق؟

الخلوة وسموم التقنية :

البشر اليوم على اختلاف أعمارهم، يستخدمون أنواعاً من التقنية، من حواسيب وهواتف نقالة( جوالات) والحاسوب اللوحي(الآيباد) وغيرها مما يتصل بالتقنية، وإنَّ خطرها لعظيم لمن أساء استخدامها، وإنه لينكشف إيمان العبد وثباته عند الخلوة بها والتعامل معها.

هل وصلت الحال إلى مرحلة الإدمان :

صار الإدمان بالجوال والحاسوب لا يقل شأنا عن الإدمان في أي شيء آخر، إدمان عجيب وغريب فاق الحاجة والضرورة، لأن هذه الأجهزة ما صُنِعت إلا للاستخدام الضروري والحاجة الماسة، فإذا تجاوزت هذا المبدأ خرجت إلى الترف والإدمان وضياع الأوقات، فلا ينفك عنها المُدمن بها إلا بضغط النوم بعد التعب الشديد الذي تضيع به مصالح كثيرة وفي طليعتها الصلوات .

وانظر يا رعاك الله عندما تكون في مناسبة أو مجلس أو حديقة أو مطار، سترى ملامح الإدمان على كثير من الناس، وصل ببعضهم أن يكلمك وهو يقلب الجوال دون مراعاة لحرمة المجلس والحديث، والأنكى من ذلك إذا كان الذي يكلمه والده أو والدته فلا يرعى لهما حرمة، بل وصل الأمر إلى أنه بمجرد أن يرن جوال في طرف المجلس، إلا وترى جُل من في الجلس يقبض على جيبه أو يُخرج جهازه مع أن الأمر لا يعنيه، إنه الهوس والإدمان بعينه، وقد وصل هذا المرض إلى المساجد والصلوات، إزعاج وأذى لعباد الله، أصوات موسيقى متنوعة، إذهاب للخشوع، وتمييع لحرمة العبادة وبيوت الله، ناهيك عن الاشتغال بالواتس وتبادل الرسائل ومشاهدة المقاطع واللهو واللعب بين الأذان والإقامة محط الدعاء والتضرع والالتجاء إلى الله( إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا)[24]، يخرج الكثيرون من المسجد وما صلوا!!!، ما كفاهم العصيان خارج المسجد، حتى يعصوه في مهد العبادة.

إنها مأساة وحال لا ترضي، وسائل قد نأت بالأمة عن دينها وعبادة ربها، ينام المُدمن على الجوال لا على ذكر الله، ويستيقظ من نومه لا تمتد يده إلا إلى الجوال، قد حُرم ذكر الله وحصانته بداية ونهاية نعم إنه الإدمان وبعضًا من صوره، حتى غدا مرضًا من الأمراض يحتاج إلى علاج.

خلوة الكبار بها :

من الرجال والنساء والشباب والفتيات من وفقهم الله في الخلوات في استخدام هذه الأجهزة، واستحضروا عظمة الرحمن ونظرته لهم، واستحوا من ملائكة كرام يتعاقبون عليهم بالليل والنهار، وعلموا أن الله بهم عليم، وعلى ما هم عليه شهيد بصير، فانتفت خلوتهم من ذنوب الخلوات، وسَلِمت صحائفهم من الآفات، فثبت لهم إيمانهم، ورسخت في الثبات أقدامهم، وحَلَّ رضوان الله عليهم، ما زادتهم خلوتهم عن الأهل والناس إلا ثباتاً وتقوى لله ربهم وخالقهم.

قد تسلحوا في الخلوات بسلاح عبادة السِّر التي تقي النفس وتجنبها نوازع الشهوات، وكلَّما طيَّب العبد خلوته بينه وبين الله ، طيَّب الله خلوته في قبره. وفي الجانب الآخر نجد آخرين قد هتكوا حجاب الستر بينهم وبين الله في خلواتهم، وامتطوا صهوة الأجهزة، وجالوا بها هنا وهناك لمشاهدة كل هابط، يقول أحد المُبْتَلَيْن بالنظر للحرام :

سمعتُ خشخشةً في الباب ، فبلغ قلبي حنجرتي ، وانقطع نفَسي ، فأغلقت جهازي ، وفتحت الباب ، فوجدتها هِرَّة !!

هِرَّة قَضَّتْ مضجعه وهو على معصية، فكيف لو كان من بالباب إنسان!!!، هذا والله من ذُل المعصية، تُذِل صاحبها فتخيفه حتى من الهواء العابر، لأن العاصي قد هتك الستر بينه وبين الله ، وجعل الله أهون الناظرين إليه، وفي هذا المعنى يقول أحد السلف (خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب أعظم من الذنب إذا فعلته)[25]، وليس بين الرجلِ وبين ما يَصِلُ إليه من خِزيٍ وندامة في هاتفه الذكيِّ أو حاسوبه إلا جدار {مراقبة الله}.

فمن أطاع الهوى والشيطان وهدم الجدار المتين، فقد تجرَّأ على

الله، وما أقبحها من جُرْأَة لو كانوا يعلمون!! .

وكثير من الناس يقول إن هذا الزمان صار فيه الوصول إلى الحرام أسهل بكثير من غيره، وهذا صحيح، ولكننا في المقابل نقول كلمة حق، أن هذا الزمان يجب أن يكون العبد فيه أقرب إلى الله بترك الحرام وسُبُل الوصول إليه.

خَلوة الشباب وصغار السن : وهذه أشد خطورة من غيرها، إذ أن الشباب وصغار السن أقرب إلى الانجراف والإنحراف والتأثر بما يشاهدون ويسمعون، وذلك لضعف الدين والثقافة الواعية، فكثير من الشباب والشابات انحرفوا وسلكوا سبيل الضياع، وكثير من الصغار ترسخت في أذهانهم صورا ومقاطع يشاهدونها ، أثرت في فكرهم وسلوكهم وأخلاقهم، وانزوت بهم عن أعين الآباء والأمهات، ووطنت في فكرهم حبها وتكرار مشاهدتها، فنجدهم على الأرصفة وفي الحدائق والزوايا المظلمة، يتوارون عن أعين الرقيب والحسيب، قد توافر لهم الإنترنت وجالت أعينهم في كل سُبُل الضياع والانحراف، ومن هنا تنبري الكارثة، فما يُحس الآباء والأمهات إلا وقد انفلت الزمام وضاع فلذات الأكباد، واشتد الخطب، وعظم السؤال بين يدي الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[26]، وقال عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[27] ، ويؤخذ من هذه الآية التحذير للآباء والأمهات من أن يكون الأولاد والزوجات سبب في تضييع الآخرة، والسؤال عنهم في تضييعهم من الدين في الدنيا ومما يضرهم في آخرتهم(كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه)[28]، (ما مِنْ عبدٍ يسترْعيه اللهُ رعيَّةً ، يموتُ يومَ يموتُ ، وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ ، إلَّا حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ)[29]، فالأمر جدا خطير ويحتاج إلى إفاقة الآباء والأمهات خاصة، والمجتمع عامة.

الخلوة في السيارة :

أما هذه فتحدث عنها ولا حرج، فقد شاعت بين الشباب، وبين الفتيات ممن قُدْن السيارة، ففي هذه الخلوة يتم الانزواء عن أعين القريب والبعيد، يُشَاهَد فيها كل هابط وساقط من الأفلام الإباحية وغيرها على شاشة السيارة عبر اليوتيوب والفيس بك وغيرها من المواقع، أو عبر الجوال ولا سيما توافر النت دون عناء، وسماع ما لا يرضي الله من المحرمات، والمجاهرة بها في خلوة يديرها إبليس وذريته، لإغراق المُخْتَلي بألوان المعاصي والذنوب المرئية والمسموعة، بعيدا عن الطاعة والعبادة، وخصوصا أوقات الصلوات، خلوة ليس لله فيها نصيب من ذكر أو خوف أو تُقَى، قد عاونهم الآباء والأمهات بتوفير المراكب الفاخرة وبأغلى الأثمان بداع العاطفة الأبوية الغير منضبطة بضابط الشرع والعقل، تاركين لهم الحبل على الغارب للخروج في أي وقت من ليل أو نهار وإلى ساعات طويلة خارج محيط العائلة، ومن هنا

وقعت وتقع الكوارث، ولا ريب أن للآباء والأمهات دورا عمليا في ضياع فلذات الأكباد، ألا فليتق الله من استرعاهم الله أمانات الذريات، فإنه لا مفر من السؤال عنهم يوم الحساب، وقد يكونوا سببا في هلاك آباءهم يوم القيامة.

الخلوة في المقاهي والكافيهات :  

قد يقول قائل هذه ليست خلوة لأن المقهى يضم الكثيرين، فنقول كنظرة عامة ليست خلوة ، لكن كنظرة خاصة تكون خلوة لكثير من الشباب والفتيات، خلوة مع الأجهزة مع توفر الإنترنت بشكل قوي، يجعل المقهى مرتعا خصباً للانحراف والضياع للجنسين ، فذاك شاب يطوف العالم يشاهد كل هابط ومُخل بالأخلاق، وذاك ينظر إلى فتاة لاستمالتها والشيطان يقرب الاثنين بكل غواية وإغراء، وآخر يسمع مالا يرضي الله، بعيدا عن الرقيب والحسيب، ونُدْرة أن تجد في المقهى من يخاف الله، بالإضافة إلى مرور الصلوات مرور الكرام ولا مجيب، الجميع في سكرتهم يعمهون، أمور كثيرة تحدث لا يحسن إيرادها في هذا المقام، فأين الآباء والأمهات من فلذات الأكباد وعماد المجتمع؟    

قبل أن تغرق الأَعْرَاضْ ويضيع الأجيال وتتحطم السفينة :

من الضرورة بمكان وضع ضوابط شرعية مجتمعية رادعة لمن لا يقبل بضرورة التعايش مع المجتمع في ظل ثقافته، ودينه وعقيدته، ويحترم الأنظمة والتعليمات، ممن يجترون الشباب والفتيات ويغررون بهم للسلوك المنحرف، ويخببون الفتيات والزوجات، ويوقعون الشباب في كل ما يفسد عقيدتهم وأخلاقهم.

إن مما لا يخفى على ذي عقل أن للأسرة دور كبير في تربية الأبناء من الصغر على تقوى الله ومراقبته في السر والعلن وعلى قاعدة حلال وحرام، وتوجيههم التوجيه السليم للعلم والخير، كما المتوجب على الأم الاهتمام الدائم ببناتها، وأن تغرس فيهن الحياء والعفة، وتذكيرهن دائما بتلك المحاولات المقيتة التي تعمل على وضع الفتاة في مواقف لا تليق بها، ولا بفطرتها التي فطرها الله عليها، وتوعية الأبناء والبنات بضرورة ترشيد استخدام الهواتف النقالة إلا في مقاصدها الصحيحة، وألا يسرف الآباء والأمهات في منح أولادهم مثل هذه الوسائل وبصفه خاصة من هم في سن المراهقة، وأن يكون الأبوين نموذجاً جيداً للاقتداء داخل الأسرة.

الخلوة والصحبة الفاسدة(الصاحب ساحب) :

وما أحسن ما قاله القائل(الأرواح جنود مجندة، تتلاقى في الهواء فتتشام كما تتشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولو أن مؤمناً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة منافق ومؤمنٌ واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة مؤمن ومنافقٌ واحد لا زال يمشي حتى يجلس إليه، وإن أجناس الناس كأجناس الطير، والطيور على أشكالها تقع)[30]، ولقد حذر الإسلام من الصحبة السيئة ورغب في الصحبة الصالحة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم(إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)[31] ، وإن صديق السوء لو لم تجني منه إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً، وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك.

وكم ضل من ضل بسبب قرينٍ فاسد أو مجموعة من القرناء السيئين، في خلوة سيئة، وكم فسد من كان يشار إليه بالبنان لصلاحه، وكم ضاع من عِرض ودُنِّس من شرف بسبب قرناء السوء، وكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا جُرفٍ هار فأنقذه الله بهم من النار، ومن قال إني قادر على المعايشة مع البيئة الفاسدة دون أن أتأثر بها فهو كاذب، إذ لا بد من التأثر ولا محالة، ،لأن قلبه قلب بشر لا قلب مَلَك ،وسيتأثر حتماً بالبيئة المحيطة سلباً أو إيجاباً ، ولذلك لننظر لماذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي والذي رأى الجنة والنار رأي العين، أمره بصيانة سمعه وبصره ومفارقة مجالس السوء قائلاً له(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[32].

أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم يقع في براثن رفقاء السوء ويهلك نتيجة الصحبة السيئة! ، يستنقذه عليه الصلاة والسلام من الهلاك بقوله له (أي عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فتؤثر فيه صحبة السوء أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية(يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب) فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء: على ملة عبد المطلب )[33]، فَتَصْرفه عن النجاة إلى النار والهلاك.

إن الصداقة الزائفة، والمحبة المبنية على تحصيل المصالح الدنيوية وجلب المنافع العاجلة، الحب فيها مصطنع مزيف، إذا هبت عليها رياح المصلحة فرّقتها ومزّقتها، لأنها لم تُبن على أساسٍ راسخ ولا أصلٍ ثابت.

إن كل صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة، قال تعالى(الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ )[34]، فالأصدقاء في هذه الحياة يعادي بعضهم بعضًا يوم القيامة إلا أخوة الإيمان، والمحبة في الله، قد بنوا أخوتهم ومحبتهم على قاعدة الحب في الله والبغض في الله.

 فاحذر أيها المبارك من مصاحبة ومعاشرة رفقاء السوء ورموز الضلالة ، فإن الله قد نهاك وحذرك فقال عز وجل( فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[35]، لأن هؤلاء يتبرأ بعضهم من بعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، فيقول الواحد منهم يوم القيامة( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)[36].

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال عليه الصلاة والسلام ( اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء)[37] .

واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي* كما يعدي الصحيحَ الأجربُ

واختر صديقك واصطفيه تفاخراً *إن القرين إلى المقارن يُنسب

واصحب أهل الفضل والاستقامة والقدوة الصالحة تنجوا بهم في الدنيا والآخرة، وتكون بمحبتهم تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة، فصحبتهم كرامة ومهابة ورفعة بين الناس.

 

وخلاصة القول فيما سبق ، أن الخلوة مع الأجهزة في منأى عن الناس وعن الأهل سلاح ذو حدين فإما أن تكون لله وللخير والدعوة إلى الخير، والصلاح والإصلاح، وإما أن تكون للشيطان وعمله، ومستخدمها مسؤول أما الله فيما يكتب ويسمع ويشاهد، فإما حجة لصاحبها بالخير يوم القيامة، وإما حجة عليه.

فمن وفقه الله لاستخدامها فيما يقربه إلى الله من أعمال الخير والصلاح والإصلاح ونشر كل فضيلة، فقد سَلِم وفاز بخيري الدنيا والآخرة، والمرء يعلم يقينا أن مُقامه في الحياة قليل ، وعمره يسير، وكأس المنية يحتريه، فالواجب عليه الحذر وعصيان الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فإن المواجهة الكُبْرى مع الله من أول ليلة في القبر مواجهة عظيمة وخطبها جسيم، إذ لا مقيل لعثرة، ولا جبر لكسرة إلا بالله ثم ما قدم من العمل الصالح.

وما تقدم من الكلام ما هو إلا مفاتيح لما بعده مما لم يُذْكر، ولعل القارئ الكريم يستنبط خلال قراءته ما نود ذكره، عسى الله جل وعلا أن يحفظنا وأبناءنا وبناتنا ومجتمعنا والمسلمين من كل سوء وبلاء، وأن يقينا جميعا شر سموم التقنية، وذنوب الخلوات، إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.   

[1][1] صيد الخاطر ص 148.

[2] شرح زاد المستقنع ص 166.

[3] سورة الأنبياء 49.

[4] الزهد الكبير للبيهقي ص 107.

[5]  كتاب محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ص502.

[6] سورة ق 32-33.

[7] كتاب اعتلال القلوب الخرائطي ص 36.

[8] حلية الأولياء 10/437.

[9] سورة الأحزاب 53.

[10] متفق عليه.

[11] متفق عليه.

[12] رواه مسلم.

[13] رواه أحمد.

[14] سورة النساء 108.

[15] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 96.

[16] رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

[17] رواه البخاري ومسلم.

[18] الكامل في اللغة والأدب ص 194.

[19] تفسير القرطبي 1/250.

[20] متفق عليه.

[21] جامع العلوم والحكم ص 172-173.

[22] المكتبة الشاملة ص 111.

[23] سورة العلق 14.

[24] رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وصححه الألباني.

[25] صفوة الصفوة لابن الجوزي ص 298.

[26] سورة التحريم 6.

[27] سورة التغابن 14.

[28] متفق عليه.

[29] رواه البخاري ومسلم.

[30] الروح لابن القيم ص 185.

[31] متفق عليه.

[32] سورة الأنعام 68.

[33] رواه البخاري.

[34] سورة الزخرف 67.

[35] سورة الأنعام 68.

[36] سورة الفرقان 28.

[37] رواه ابن حبان وحسنه الألباني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *