الحديث السابع: الدين النصيحة…..

عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدين النصيحة ،قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه البخاري ومسلم . وفي بعض ألفاظه (الدين النصيحة ثلاثا…)

تميم بن أوس الداري رضي الله عنه صحابي جليل وسيف من سيوف الإسلام، روى كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، تكنى بأبي رقية والتكني بالأنثى جائز مع أن الغالب التكني بالذكر وهو أفضل، وقد يتكنى بغير الإنسان كتكني أبي هريرة رضي الله عنه بالهرة التي كانت تلازمه وتصاحبه،ولتميم الداري منقبة عظيمة إذ حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وذكر موافقة حديث تميم عن الدجال حيث النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما في رواية فاطمةبنت قيس رضي الله عنها كما في صحيح مسلم.

( الدين النصيحة) كلمة جامعة قال فيها العلماء”ليس هناك كلمة أجمع للخير من هذه الكلمة”،(الدين) مبتدأ و(النصيحة)خبر كلمتان معرفتان تفيدان الحصر، بمعنى أن الدين كله هو النصيحة. والدين هنا هو كل ما كلف به ابن آدم للعمل في الدنيا ليلقى الجزاء عليه في الآخرة.فالدين قسمان : دين عمل وهو الذي نص عليه الحديث ودين جزاء وهو الي يكون في الآخرة ، كما قال عز وجل ( مالك يوم الدين) ودين العمل كما قال سبحانه( ورضيت لكم الإسلام دينا) فالحديث نص على دين العمل، والنصيحة هي النصح لكل مسلم بما يرضي الله عز وجل خالصة لوجهه، وتأتي النصيحة بمعنى الإخلاص.

ومن الأساليب الدعوية الحكيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الإبهام في الكلام لجذب انتباه المتعلم وجعله يكثر من السؤال والاستفهام وإعمال النظر والفهمفيما طرح مالكلام ، ففي ذلك رسوخ العلم وحفظه لدى المتعلم، فيأتي سياق الكلام ابتداء بالإجمال ثم يعقبه بالبيان والتفصيل.

(قلنا لمن رسول الله) قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وقوله (لله) يتضمن أمرين:

1- أن يخلص العبادة لله عز وجل فلا يشرك معه في العبادة والطاعة أحدا من خلقه.

2- أن يشهد له بكمال الألوهية والربوبية والأسماء والصفات بلا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه.

وقوله ( لكتابه) يتضمن عدة أمور:

1- الدفاع عن هذا الكتاب العظيم ، برد شبه المغرضين وتحريف المحرفين وتشكيك المشككين.

2 التصديق بكل ما جاء فيه من أخبار وحوادث ووصف وإعجاز لا تردد ولا تكذيب وهذا من النصح له.

3- العمل بما جاء فيهامتثال أمره بتحقيق التلاوة والعمل وإقامة حدوده مع حروفه.

4- الانتهاء عما نهى عه وزجر والرضا والتسليم التام.

5- الإيمان الجازم بأن ما ورد فيه من أحكام وتكليفات وغيرها حق لا شك فيها وأن الحكم لله وأنه أحسن حكم ولا حكم يصلح غيره.

6- الإيمان الجازم بأنه كلام الله تعالى على وجه الحقيقة لا مجازا نزل به جبريل عليه السلام على نبينا صلى الله عليه وسلم.

وقوله(النصيحة لرسوله) وذلك بـ:

1- بمتابعته دون غيره ومحبته والعمل بهديه وسنته والتأسي به، كما قال تعالى( لقد كانكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

2- الإيمان بأنه سول حق لا كذب وأنه لا يَكذب ولا يُكْذَب ، وأنه صادق مصدق في أقواله وأفعاله.

3- الإيمان بكل ما أخبر به من الأخبار الماضية والحاضرة والمستقبلة مما جاء به من علم الله صح عنه وأنها وحي من الله تعالى.

4- إمتثال أمره وتطبيق سنته.

5- إجتناب ما نهى عنه وزجر.

6- الدفاع عنه وعن سنته عرضه.

7- الإعتقاد والتصديق بأن كل ما جاء به من عند الله حق مثل القرآن الكريم وما ثبت صحته في السنة الشريفة، كما قال عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوارسول….).

وقوله (لأئمة المسلمين) أئمة جمع إمام وهو القدوة في القول والعمل كما قال عز وجل( إن إبراهيم كان أمة…….) أي قدوة، وكذلك وله تعالى( واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة. وأئمة المسلمين صنفان:

1- العلماء الربانيون والقدوات المخلصون الذين ورثو النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعبادة والأخلاق والدعوة ، وهؤلاء هم قدوات الأمة المبينون لها شرع الله ودينه.

2- الأمراء المنفذون للشريعة وإقامة الحدود، فالعلماء مبينون للشريعة والأمراء منفذون لها.

ومناصحة العلماء تتم من خلال ما يلي:

1- محبتهم وإجلالهم وهذا سبب للإقتداء بهم وطاعتهم من طاعة الله.

2- إعانتهم في نشر الحق والدعوة إليه، بنشر كتبهم وفتاواهم ومقالاتهم.

3- الدفاع عنهم وعن أعراضهم ودفع الشبه والاتهامات التي تنشر حولهم لتشويه سمعتهم وتشكيك العامة فيهم وفي أماناتهم وعلمهم فهم أهل الدعوة ونشر الدين في الأرض. ومناصحتهم تتم في السر بين الناصح وبينهم بأي وسيلة ممكنة دون التشهير حتى تؤدي النصيحة دورها ويتأتى المطلوب، كل عالم له زلة ولا كامل إلا الله والعصمة للرسل.

والنصيحة للأمراء بطاعتهم في غير معصية الله ومحبتهم ونشر محاسنهم لبث المحبة لهم في قلوب الناس.

والنصيحة للعامة بمحبتهم والنصح لهم وبطلاقة الوجه والبشاشة ومساعدتهم في قضاء حوائجهم ونفعهم ، ففي ذلك تأليفا لقلوبهم وتحبيبهم في الدين وأهله وفيه جلب للمصالح ودرء للمفاسد.

فوائد الحديث:

1- أهمية النصيحة في حياة الأمة وأنها بمثابة العمود الفقري لها ، لا تستقيم الأحوال ولا ترعوي الأمور إلا بها.

2- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وللأمة، إذ بدأ بالإجمال ثم أعقبه بالتفصيل ، وهذا من أنفع الوسائل الدعوية والتوعوية.

3- حسن التعلم لدى الصحابة رضي الله عنهم إذ أخذوا بمنهج السؤال للوصول إلى حصيلة العلم.

4- البدء في الأمور وخصوصا في أمور الدعوة والعلم بالأهم ثم المهم كم جاء في الحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *