عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم.
(إن الله تعالى طيب) طيب كلمة تدل على النزاهة والطهارة والسلامة من النقائص- وضدها كلمة خبيث- والله جل وعلا طاهر منزه عن كل عيب ونقص ، لايعتريه الخبث بأي حال من الأحوال، والخبيث والطيب لا يلتقيان أبدا بينهمالتضاد الدائم ، كما لا يلتقالماء والنار ولا الظل ولا الحرور، كما قال عز وجل(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)وقال سبحانه(الخبيثات خبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)، والمقصود أن كلمة (طيب) إسم من أسماء الله تعالى جاءت بها السنة النبوية ، ومن المعلوم أن القرآن الكريم اء بالكثير من أسماء اللهوصفاته الحسنى،وادخر سبحانه المثير في علم الغيب عنده ، كما جاء في الدعاء (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ،وجلاء حزني وذهاب همي) فالله عز وجل طيب على وجه الجمال والكمال، منزه عن كل المعايب والنقائص.
(لا يقبل إلا طيبا) أي لا يقبل من الأقوال والأفعال والأعمال والأموال إلا ما كان طيبا خالصا، وما كان رديئا فلا يقبله بل هو مردود على صاحبه، ولذلك نرى صدقة المال إن لم تكن من حلال طيب فإن الله لا يقبلها، كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه( من تصدق بعدل تمرة من طيب ولا يقبل الله إلاطيبا فإن الله تعالى يأخذها بيمينه يربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) رواه البخاري ومسلم، ولذلك الطيب من العمل هو ما اجتمع فيه شرطان الإخلاص والموافقة للشريعة، والموافقة للشريعة تقتضي أن يكون من مصدر طيب حلال.
(وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين) وفي هذا رفعة لشأن المؤمنين وذلك لأنهم مستحقون لأن يؤمروا بما أمر به المرسلون، كما قال عز وجل (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فأمرهم أن يأكلوا من الطيبات ما اكتسبوه من الطرق الحلال ، فلا بد من أن يكون المأكل والمشرب وغيره حلال وأن يكتسب من طرق حلال، ونضرب على ذلك بما يلي كأمثلة حية تبرهن على صدق ما سبق:
(1) رجل وجد ميتتة فأكل منها فهي في أصلها حرام فأكل من أصل رام.
(2) رجل سرق شاة وذبحها واكل منها ، فهي في الأصل حلال ولكنه اكتسبها من طريق حرام كلاهما أكل من حرام.
(وَاعْمَلُوا صَالِحًا) أي اعملوا الأعمال الصالحة فأمرهم بطعام البدن الطيب الذي به تقوية البدن والنفس على آداء أمور الدين وآداء الرسالة ثم الأعمال الصالحة التي بها استقامة المسلم ونجاته في الدنيا والآخرة، والعمل الصالح لا بد له من قاعدتين حتى يتم قبوله :الإخلاص لله والمتابعة والموافقة للأدلة الشرعية.
(ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب) وهذا المثال على وجه الحقيقة يضربه نبينا صلى الله عليه وسلم ليقرب المعنى إلى الأذهان، حيث قال يطيل السفر ، والسفر من أسباب استجابة الدعاء، فدعوة المسافر مستجابة، ولذلك قال أشعث أغبر وذلك من غبار السفر والعناء والمشقة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم( السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال يمد يديه إلى السماء ولا شك أن رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء وأسباب إجابته، كما قال عليه الصلاة والسلام(إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، يقول يا رب يا رب فيدعوا الله بربوبيته وهذا أيضا من أسباب إجابة الدعاء، قال ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام أي الطعام الذي يأكله والشراب الذي يشربه حرام إما لأصله وإما لطريقة كسبه، فغذي جسده بالحرام والعياذ بالله.
(فأنى يستجاب له) هذا إستفهام على سبيل الاستبعاد للإجابة وهذا فيه تأكيد على أن أكل الحرام وشربه ولبسه وركبه مانع قوي من موانع استجابة الدعاء.