الحديث الخامس والثلاثون….( لا تحاسدوا ولا تناجشوا……)

عن أبي هريرة رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم.

هذا الحديث العظيم قاعدة أصولية في الأخلاق الإسلامية التي تدعوا إلى الأخوة والألفة والمحبة ،يحذر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الصفات الذميمة التي تفرق الجمع وتنافي الأخوة الإيمانية ،تصدر الحديث بأخبث صفة وأقبح خصلة،ألا وهي الحسد هذه الصفة الذميمة والخلق البطال، لا يتخلق بها إلا أصحاب النفوس المريضة،والقلوب المعتلة المظلمة. الحسد بوابة الآثام،ومهنة اللئام،يبدأ بالقريب قبل البعيد،والصديق قبل العدو،والحسد خصلة من خصال وصفات اليهود انتقلت وسرت في النفوس البشرية منبعها ومصدرها إبليس اللعين. ولننظر مالذي أخرج إبليس من جنات ونهر، وسيادة ورفعة،إنه الحسد والبغضاء لآدم وزوجه،فبحسده لهما أخرج من النعيم وأهبط إلى الأرض ووصم بالعداوة للبشرية،وباء باللعنة إلى يوم الدين ثم إلى النار خلدا مخلدا. وما الذي جعل قابيل يقتل أخاه هابيل ورتكب أول جريمة قتل على الأرض يبوء بإثمها ووزر ما بعدها من جرائم القتل إلى يوم القيامة كونه أول من سن القتل، إنه الحسد والبغضاء. وما الذي جعل إخوة يوسف يرمونه في الجب(البئر) ويواجه ألوان الفتن والبلايا والسجن أليس الحسد والبغضاء، ولكن الله تعالى أعقب ذلك بالرفعة والعلو في الدنيا والآخرة.

الحسد نار تتأجج في صدر الحاسد تفرز أضرارا ومصائب على الفرد والمجتمع. الحاسد بفعله يتمنى زوال النعم عن إخوانه، بل إنه بحسده يعلن اعتراضه على قسمة الله بين العباد، ويتهم الله جل وعلا في عدله(تعالى الله عما يقولون ويضمرون علوا كبيرا) ،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله” الحسد هو كراهة النعمة على المحسود وإن لم يتمنى زوالها فبمجرد الكراهة فهذا حسد” ،وفرق بين الحسد والغبطة ،فالحسد كراهة النعمة على المحسود وتمني زوالها،بينما الغبطة تمني مثل ما مع صحب النعمة فيعمل به مثل ما يعمل في الخير،ومثال ذلك رجل رزقه الله مالا فهو ينفقه في وجوه الخير،فيتمن الغابط أن له مثل ذلك لينفقه مثله في الخير دون تمني زوال النعمة عن أخيه، ويقاس على ذلك الكثير. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد بقوله(لا تحاسدوا)ونهيه يقتضي التحريم.

(ولا تناجشوا) أي لا ينجش بعضكم على بعض بزيادة السعر في السلعة لا يريد شراءها وإنما يريد الإضرار بالبائع أو المشتري أو نفع أحدهما على حساب الآخر،وهذا موجود في أسواق الحراج خاصة،وهو ما يسمى ببيع النجش.

(ولا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضا ،أي لا تسعوا بأسباب البغضاء،وإذا وجد أحد في قلبه بغض لأخيه فليسارع بإزالته.

(ولا تدابروا) التدابر يكون بأمرين: أولهما: التدابر بالظهور ،بمعنى كل يولي صاحبه ظهره ويدبر عنه عداوة أو انتقاصا. وثانيهما: التدابر بالرأي أي يخالف كل واحد رأي الآخر لا بمقتضى الحجة ولكن عداوة وبغضاء.

(ولا يبع بعضكم على بيع بعض) ومثال ذلك: لو إنسان باع على أخيه سلعة بـ 50 ريال فجاء آخر إلى المشتري وقال له أبيعك نفس السلعة ومواصفاتها بـ 40 ريال، أو قال أبيعك أحسن منها صناعة ومواصفات بـ 50 ريال ،فهذا باع على بيعة أخيه ولا شك أنه حرام.

( وكونوا عباد الله إخوانا) ومقتضى الأخوة الإيمانية أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ،كما قال صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، رواه البخاري ومسلم .

(المسلم أخو المسلم) اي أخيه في المحبة والإيمان.

(لا يظلمه) أي لا يظلمه في مال أو دم أو عرض.

(ولا يخذله) أي لا يخذله في وقت النصرة في شهادة أو موقف.

(ولا يكذبه) أي لا يكذب عليه في قول أو فعل.

( ولا يحقره) أي لا يستعلي أو يستكبر عليه في جاه أو مال أو منصب أو شهادة أو علم.

(التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره أي قلبه،أي التقوى والخوف من الله في القلب ومن المعلوم أن القلب إذا امتلأ بالتقوى والخوف من الله انقادت له الجوارح وسارت بمقتضاه( والعجيب في أمر كثير من الناس اليوم إذا قلت له لماذا تعصى ولماذا تفعل كذا، قال الإيمان في والتقوى في القلب وهذ كلمة حق أريد بها باطل،فلو في القلب إيمان وتقوى ما فعل هذا.

(بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ) الباء زائدة ومعناه حسب امرئ من الشر أي الإثم أن يحقر أخاه المسلم،أي يكفيه إثما وعذابا أن يحقر أخيه المسلم،فالأمر ليس هينا. كما لا يجوز لمسلم أن ينتهك حرمات أخيه المسلم من مال ودم وعرض،فكلها حرام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم(أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال:” إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).رواه مسلم وغيره.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *