غزوة بني قريظةوالرد على بعض آراء المستشرقين… د. ناجي بن وقدان

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله    ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) أما بعد:فإن أحسن الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدصلى الله عليه وسلم ،وشر الأمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.أما بعد:

إن أفضل ما اشتغل به الباحثون بعد كتاب الله تعالى دراسة السنة النبوية الشريفة والبحث في رحابها الفسيحة خاصة فيما يخص الغزوات كغزوة بني قريظة لبيان كيفية حِرْص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس ونشر الدعوة بالوسائل المتاحة في عصره وكذلك لبيان جزء من التاريخ الإسلامي الدعوي، وأخذ العبر والدروس منه، والاقتباس من الوسائل والأساليب الكثيرة التي استخدمها الرسولصلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة. كما أن وجود الأنموذج العملي الواقعي المتمثل في شخص الرسولصلى الله عليه وسلم يعطي حافزا للدعاة إلى الله تعالى للسير على طريقتهعليه الصلاة والسلامخاصة إذا كانت تلك الدروس مستقاة من زمن اتضح فيه قوة المسلمين ومدى تمسكهم بعقيدتهم. ولا ريب فالدعوة إلى الله هي من أجل الأعمال وأفضل القربات ومن أجلها بعث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى أقوامهم لدعوة العباد و إرشادهم إلى خالقهم عز وجل ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم ومن الشرك إلى التوحيد ، ولهذا كانت الغزوات مجالا رحبا لضروب الدعوة إلى الله ، ومنها تستقى الطرائق والأساليب والوسائل النافعة التي بها يتحصل المقصود من إيصال الوحيين إلى الناس.

الغزوة في اللغة:

قال ابن فارس : الغين والزاء والحرف المعتل أصلان صحيحان ، أحدهما طلب شيء ، والآخر في باب اللقاح.فالأول الغزو.ويقال: غزوت أغزو.

والغازي الطالب لذلك ، والجمع غزاة وغزي أيضا ، كما يقال لجماعة الحاج وحجيج. 

وقال ابن منظور: غزا الشيء غزوة:أراده وطلبه. وغزوت فلانا أغزوه غزوا.والغزو القصد ، وكذلك الغوز ، وقد غزاه وغازه غزوا وغوزا إذا قصده.

وقال الجوهري: غزوت العدو غزوا. والإسم الغزاة. والنسبة إلى الغزو غزوي. والرجل غاز والجمع غزاة وغزى زغزي وغزاء. وأغزيت فلانا أي جهزته للغزو. والمغزية المرأة التي غزا زوجها.

وقال الفيروزآبادي: غزاه غزوا ، أراده وطلبه ، كاغتزاه. وغزا العدو: سار إلى قتالهم وانتهابهم غزوا وغزوانا وغزاوة. والمرأة غزا بعلها. ومغزى الكلام مقصده.

وفي المعجم الوسيط: غزا العدو غزوا وغزوانا: سار إلى قتالهم وانتهابهم في ديارهم ، فهو غاز. والجمع غزاة وغزى وغزي . وغزا السيء غزوا:طلبه وقصده.

وخلاصة القول فيما سبق أن الغزوة هي الطلب والقصد لأمر فلان أو للعدو في ديارهم.

الغزوة في الاصطلاح:

يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله:” الغزوة ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه أو بجيش من قبله ، وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها ، حتى دخل ، مثل أحد والخندق.”

ويقول أيضا رحمه الله:(وأصل الغزو القصد ، ومغزى الكلام مقصده ،والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي الكفار لنفسه أو بجيش من قبله).

وقال ابن عبد البر:  والغزوة : الجيش الذي يخرج فيه الرسول r بنفسه سواء حارب فيه أم لم يحارب ، وقد اتفق المؤرخون على أن القوات التي قادها الرسولصلى الله عليه وسلم بنفسه تسمى الغزوات سواء قاتل فيها أم لم يقاتل. 

ومن خلال استعراض هذه التعاريف الاصطلاحية يتبين للباحث أن الغزوة ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار بنفسه أو بجيش من قبله سواء وقع قتال أو لم يقع.

بنو قريظة في اللغة:

 قال ابن منظور: القرظ: شجر يدبغ به: وقيل هو ورق السلم يدبغ به الأدم ، ومنه أديم مقروظ ، وقد قرظته أقرظه قرظا.قال أبو حنيفة القرظ أجود ما تدبغ به الأهب في أرض العرب وهي تدبغ بورقه وثمره.وقال مرة القرظ شجر عظام لها سوق غلاظ أمثال شجر الجوز وورقه أصغر من ورق التفاح ، وله حب يوضع في الموازين ، وهو ينبت في القيعان ، واحدته قرظة وبها سمي الرجل قرظة وقريظة.وإبل قرظية:تأكل القرظ.وكبش قرظي وقرظي:منسوي إلى بلاد القرظ وهي اليمن ، لأنها منابت القرظ.والقارظ:الذي يجمع القرظ ويجتنيه وفي الحديث:ذكر أبي ، بفتح الهمزة وتشديد الباء:بئر من آبار بني قريظة وأموالهم يقال لها بئر أبي ، نزلها النبي r لما أتى بني قريظة.

وقال الفيروزآبادي: القرظ:ورق السلم ، أو ثمر السنط ، ويعتصر منه الأقاقيا.

والقارظ: مجتنيه.وأديم مقروظ:دبغ أو صبغ به.وكبش قرظي، كعربي وجهني:يمني لأنها منابته.

وقال الجوهري: القرظ:ورق السلم يدبغ به ، ومنه أديم مقروظ.وكبش قرظي:منسوب إلى بلاد القرظ وهي اليمن ، لأنها منابت القرظ.والقرظ مدح الإنسان وهو حي .

وفي المعجم الوسيط: قرظ الفرظ قرظا:أي جناه وجمعه.والقارظ الذي يجمع القرظ.ومن أمثالهم” لا يكون ذلك حتى يؤب القارظان” أي لا يكون أبدا.والقراظ: بائع القرظ.

بنو قريظة في الاصطلاح:

بنو قريضة قبيلة يهودية عاشت في شبة الجزيرة العربية حتى القرن السابع، في يثرب. جنوب شرق المدينة . و تعرف بمنازل قريظة وتقع حاليا ما بين شارع الأمير عبدالمحسن المتجه من المدينة جنوبا ، متقاطعا مع الطريق الدائري الثالث ، وبين الطريق الدئري نفسه في زاويته الجنوبية الغربية ،وقد سمي بالتسمية الحالية باسم حي السد ، ولا زالت بقايا آثار حصن كعب بن الأشرف أحد أشراف بني قريظة قائمة إلى الان في الموقع المذكور.

قال ابن منظور: وبنو قريظة إخوة بني النضير ، وهما حيان من اليهود الذين كانوا بالمدينة ، فأما قريظة فإنهم أبيروا لنقضهم العهد ومظاهرتهم المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم واستفاءة أموالهم.

وخلاصة القول في بني قريظة أنهم إحدى الطوائف الثلاث الذين كانوا يسكنون حول المدينة النبوية وهي بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع.

 

غزوة بني قريظة في القرآن الكريم والسنة الشريفة .

أ) غزوة بني قريظة في القرآن الكريم:

غزوة بني قريظة كغيرها من غزوات الرسول r ورد ذكرها في معاني آيات كثيرة من القرآن الكريم ، وهذا بيان لعظم شأنها ، وأنها جديرة بالاهتمام والبحث والدراسة ، حيث خذل الله أهل الخيانة والغدر وأحبط سياسات الإفك والنفاق ، ونصر أهل الحق والعدل والإيمان ولعلي أورد بعضا من هذه الآيات استشهادا في التعريف بهؤلاء الطائفة من اليهود.

1) يقول الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنواً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) قال ابن كثير رحمه الله:(وكانت بنو قريظة ، وهم: طائفة من اليهود ولهم حصن شرق المدينة ، ولهم عهد من النبي r وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل ،فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري ، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالأوا الأحزاب على رسول الله r ، فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال ، كما قال تعالى(هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا) .وذكر الإمام الطبري رحمه الله عند تفسيره لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنواً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) أن الجنود المذكور في الآية هم قريش وغطفان وبنو قريظة ، وكانت الجنود التي أرسل الله هي الملائكة .وذكر ابن عطية في تفسيره (أن الآية نزلت في غزوة الخندق وما اتصل بها من أمر بني قريظة). وذكر الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله (أن الجنود المذكورين في الآية هم أهل مكة والحجاز ، وأهل نجد ، ومالأتهم طوائف اليهود ، الذين حوالي المدينة ، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة.)

وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا) قال الإمام القرطبي :(أي الذين عاونوا الأحزاب –قريشا وغطفان-وهم بنو قريظة) وقال الإمام الطبري رحمه الله:( وأنزل الذين أعانوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله r وأصحابه ، وذلك هو مظاهرتهم إياهم ، وعنى بذلك بنو قريظة ، وهم الذين ظاهروا الأحزاب على رسول الله r وكانوا يهود). ولما رفض رسول الله r مقترح بني قريظة بأن يعاملهم معاملة بني النظير(حيث أنهم أرسلوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يطلبون الأمان حتى يخرجوا من ديارهم ، فوافقهم النبيr على ذلك وقال لهم :” اخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقه، أي الدروع والسلاح”  فرضوا بذلك )، ولهذا طلب بنو قريظة منه أن يرسل إليهم أبا لبابة ليستشيروه في موضوع النزول على حكم رسول الله r ، وكان أبو لبابة أوسيا ،وقريظة كانت حلفاء الأوس فاستجاب عليه الصلاة والسلام وبعث إليهم أبا لبابة ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش النساء والأطفال بالبكاء فرق لهم ، قالوا ياأبا لبابة أننزل على حكم محمد؟قال نعم ، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح !! .وخرج من عندهم وهو يقول :والله ما زالت قدماي في مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله r ، ولذا انطلق على وجهه ، ولم يأت رسول الله r حتى ربط نفسه في سارية المسجد ، وقال لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهد الله أن لا يطأ قريظة أبدا. قال ابن كثير رحمه الله وفيه نزل قول الله عز وجل:  ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)  قال الإمام الطبري رحمه الله نقلا عن اللإمام الزهري :(نزلت في أبي لبابة حين بعثه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بني قريظة) وأورد ابن كثير رحمه الله قوله:(أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله r فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح).ويؤيد ذلك أيضا ما نقله الإمام القرطبي عن مجاهد في قول الله عز وجل (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)(أنها نزلت في شأن أبي لبابة رضي الله عنه عندما أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى بني قريظة ليستشيروه في النزول على حكم رسول الله r فاشار عليهم أي نعم وأشار إلى حلقه أي أنه الذبح ، فلما تفطن لما قال ندم وتاب ثم ذهب وربط نفسه في سارية من سواري مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.)

وإذا نظرنا إلى ما سبق ذكره في الآيات السابقة وجدنا أن غزو بني قريظة ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وهذا من تمام التعريف بها وبيان أهميتها وعظم شأنها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *