وعليه، فنقول: إن ] فتبارك [ هنا ليست بمعنى: تعالى وتعاظم، بل يتعين أن يكون معناها: حلت البركة باسم الله، أي أن اسمه سبب للبركة إذا صحب شيئاً.
* وقوله: ] ذي الجلال والإكرام [: ] ذي [: بمعني صاحب، وهي
صفة لـ ( رب )، لا لـ ( اسم )، لو كانت صفة لـ ( اسم )، لكانت، ذو .
- و ) الجلال ( ، بمعني: العظمة.
- و )الإكرام ( ، بمعنى: التكريم، وهو صالح لأن يكون الإكرام من الله لمن أطاعه، وممن أطاعه له.
فـ ) الجلال (: عظمته في نفسه، ) والإكرام (: عظمته في المؤمنين، فيكرمونه ويكرمهم.
آيات الصفات المنفية في تنزيه الله ونفي المثل عنه
وقوله:: ) فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) ( 1 ) ……………………….
( 1 )قوله: ) فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )[ مريم: 65].
شرع المؤلف رحمه الله بصفات السلبية، أي صفات النفي.
وقد مر علينا فيما سبق أن صفات الله عز وجل ثبوتية وسلبية أي: منفية، لأن الكمال لا يتحقق إلا بالإثبات والنفي، إثبات الكمالات، ونفي النقائص.
قوله: ) فاعبده واصطبر لعبادته (: الفاء مفرعة على ما سبق، وهو قوله: ) رب السموات والأرض وما بينهما ( [ مريم: 65]، فذكر سبحانه وتعالى الربوبية ) رب السموات والأرض وما بينهما ( ، وفرع على ذلك وجوب عبادته، لأن كل من أقر بالربوبية، لزمه الإقرار بالعبودية والألوهية، وإلا، صار متناقضاً.
- فقوله: ) فاعبده ( ، أي: تذلل له محبة وتعظيماً، والعبادة، يراد بها المتعبد به، ويراد بها التعبد الذي هو فعل العبد، كما سبق في المقدمة.
وقوله: ) واصطبر (: اصطبر، أصلها في اللغة: اصتبر، فأبدلت التاء طاء لعلة تصريفية. والصبر: حبس النفس. وكلمة ( اصطبر ) أبلغ من ( اصبر )، لأنها تدل على معاناة، فالمعنى اصبر، وإن شق عليك ذلك، واثبت ثبات القرين لقرينه في القتال.
وقوله: ) لعبادته ( ، قيل: إن اللام بمعنى ( على ) ، أي: اصطبر عليها، كما قال تعالى: )وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )[ طه: 132].
وقيل: بل اللام على أصلها، أي: اصطبر لها ، أي كن مقابلاً لها بالصبر، كما يقابل القرين قرينه في ميدان القتال.
- وقوله: ) هل تعلم له سميا (: الاستفهام للنفي، وإذا كان الاستفهام بمعنى النفي، كان مشرباً معنى التحدي، يعني: إن كنت صادقاً، فأخبرنا: ) هل تعلم له سمياً ( ؟ ( السمي ): الشبيه والنظير.
يعني: هل تعلم له مسامياً أو نظيراً يستحق مثل اسمه؟
والجواب: لا.
فإذا كان كذلك، فالواجب أن تعبده وحده.
وفيها من الصفات: قوله: ) هل تعلم له سمياً ( ، وهي من الصفات السلبية.
فما الذي تتضمنه من صفات الكمال ( لأننا ذكرنا فيما سبق أن الصفات السلبية لابد أن تتضمن ثبوتاً ) فما هو الثبوت الذي تضمنه النفي هنا؟
الجواب: الكمال المطلق، فيكون المعنى: هل تعلم له سمياً لثبوت كماله المطلق الذي لا يساميه أحد فيه؟
وقوله: )وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ( 1 ) ………………………
( 1 ) الآية الثانية: قوله: )وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) [ الأخلاص: 4] .
تقدم الكلام عليها، أي: ليس يكافئه أحد، وهو نكره في سياق النفي فتعم.
و ) كفوا(: فيها ثلاث قراءات: كُفُواً، وكُفْئاً، وكُفُؤاً، فهي بالهمزه ساكنة الفاء ومضمومتها، وبالواو مضمومة الفاء لا غير، وبهذا نعرف خطأ الذين يقرؤون بتسكين الفاء مع الواو ( كَفْوا ).
هذه الآية أيضاً فيها نفي الكفء لله عز وجل، وذلك لكمال صفاته، فلا أحد يكافئه، لا في علمه ، ولا سمعه، ولا بصره ، ولا قدرته، ولا عزته، ولا حكمته، ولا غير ذلك من صفاته.
) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( 1 )………………………
( 1 ) الآية الثالثة: قوله: ) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )[ البقرة: 22].
هذه مفرع على قوله: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ) ( 21 ) )الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ )، وكل هذا من توحيد الربوبية، ثم قال: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً ) [ البقرة: 21-22] يعني: في الألوهية، لأن أولئك القوم المخاطبين لم يجعلوا لله أنداداً في الربوبية، إذا، فلا تجعلوا لله أنداداً في الألوهية كما أنكم تقرون أنه ليس له أنداداً في الربوبية.
وقوله: ) أنداداً (: جمع ند، وند الشيء ما كان مناداً ( أي مكافئاً ) له ومتشابهاً، وما زال الناس يقولون: هذا ند لهذا، أي: مقابل له ومكافئ له.
وقوله: ) وأنتم تعلمون (: الجملة هنا حالية، وصاحب الحال هي الواو قوله: ) فلا تجعلوا ( ، والمفعول محذوف، يعني: وأنتم تعلمون أنه لا ند له.
الجملة الحالية هنا صفة كاشفة، والصفة الكاشفة كالتعليل للحكم ، فكأنه قال: لا تجعلوا لله أنداداً، لأنكم تعملون أنه لا ند له، فإذا كنتم تعلمون ذلك، فكيف يجعلونه فتخالفون علمكم؟ !
وهذه أيضاً سلبية، وذلك من قوله: ) لا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ( ، لأنه لا ند له، لكمال صفاته.
)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ( 1 ) ………………………
( 1 ) الآية الرابعة: قوله: ) ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله( [ البقرة: 165].
*( ومن ): تبعيضية، والميزان لـ ( من ) التبعيضية أن يحل محلها: بعض، يعني: وبعض الناس.
( مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً ) يتخذهم أنداداً، يعني: في المحبة، كما فسره بقوله: ( يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ) ويجوز أن نقول: إن المراد بالأنداد ما هو أعم من المحبة، يعني: أنداداً يعبدونهم كما يعبدون الله، وينذرون لهم كما ينذرون لله، لأنهم يحبونهم كحب الله، يحبون هذه الأنداد كحب الله عز وجل.
وهذا إشراك في المحبة، بحيث تجعل غير الله مثل الله في محبته.
وينطبق ذلك على من أحب رسول الله كحب الله، لأنه يجب أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة ليست كمحبة الله، لأنك إنما تحب الرسول صلى الله عليه وسلم تبعاً لمحبة الله عز وجل، لا علي أنه مناد لله، فكيف بمن يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحبون الله؟!
وهنا يجب أن نعرف الفرق بين المحبة مع الله والمحبة لله:
المحبة مع الله: أن تجعل غير الله مثله في محبته أو أكثر. وهذا شرك.
والمحبة في الله أو لله: هي أن تحب الشيء تبعاً لمحبة الله عز وجل.
والذي نستفيده من الناحية المسلكية في هذا الآيات:
أولا: في قوله: )تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ ):إذا علمنا أن الله تعالي موصوف بالجلال، فإن ذلك يستوجب أن نعظمه، وأن نجله.
وإذا علمنا أنه موصوف بالإكرام فإن ذلك يستوجب أن نرجو كرمه وفضله.
وبذلك نعظمه بما يستحقه من التعظيم والتكريم.
ثانياً: قوله: ( فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ) ، فالفوائد المسلكية في ذلك هو أن يعبد العبد ربه، ويصطبر للعبادة، لا يمل، ولا يتعب، ولا يضجر، بل يصبر عليها صبر القرين لقرينه في المبارزة في الجهاد.
ثالثاً: قوله: ) ) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )، ) )وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ، ) فلا تجعلوا لله أنداداً( ، ففيها تنزيه لله عز وجل، وأن الإنسان يشعر في قلبه بأن الله تعالى منزه عن كل نقص، وأنه لا مثيل له، ولا ندله، وبهذا يعظمه حق تعظيمه بقدر استطاعته.
رابعاً: قوله: ) ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً ( ، فمن فوائدها من الناحية المسلكية: أنه لا يجوز للإنسان أن يتخذ أحداً من الناس محبوباً كمحبة الله، وهذه تسمي المحبة مع الله.
)وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ( 1 )….
( 1 ) الآية الخامسة: قوله: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [ الأسراء: 111].
) وقل (: الخطاب في مثل هذا: إما خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو عام لكل من يصح توجيه الخطاب إليه.
فإن كان خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهو خاص به بالقصد الأول، وأمته تبع له.
وإن كان عاماً، فهو يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره بالقصد الأول.
( الحمد الله ) سبق تفسيره هذه الجملة، وأن الحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
- وقوله: ( لله ): اللام هنا للاستحقاق والاختصاص:
للاستحقاق، لأن الله تعالى يحمد وهو أهل للحمد.
والاختصاص، لأن الحمد الذي يحمد الله به ليس كالحمد الذي يحمد به غيره، بل هو أكمل وأعظم وأعم وأشمل.
وقوله: ) الذي لم يتخذ ولدا (: هذا من الصفات السلبية: ( لم يتخذ ولداً ) لكمال صفاته وكمال غناه عن غيره، ولأنه لا مثيل له، فلو اتخذ ولداً، لكان الولد مثله، لو كان له ولد، لكان محتاجاً إلي الولد يساعده ويعينه، لو كان له ولد، لكان ناقصاً، لأنه إذا شابهه أحد من خلقه، فهو نقص.
وقوله: ) ولداً ( يشمل الذكر والأنثى؛ ففيه رد على اليهود والنصارى والمشركين:
اليهود قاله” والآن يشمل الذكر والأنثى، ففيه رد على اليهود والنصارى والمشركون: لله ولد، وهو عزيز.
والنصارى قالوا: لله ولد، وهو المسيح.
والمشركون قالوا: لله ولد، وهم الملائكة.
* وقوله: ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ): هذا معطوف على قوله: ]لم يتخذ ولداً[، يعني: والذي لم يكن له شريك في الملك، لا في الخلق، ولا في الملك، ولا في التدبير.
كل ما سوى الله، فهو مخلوق لله، مملوك له، يدبره كما يشاء، ولم يشاركه أحد في ذلك، كما قال تعالى: )قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ( سـبأ:22 ) على سبيل التعيين ، )وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ) على سبيل الشيوع [سبأ: 22]، ) وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) ( سـبأ: من الآية22 ) لم يعاونه أحد في هذه السموات والأرض، )وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) [سبأ: 22 )، وبهذا تقطعت جميع الأسباب التي يتعلق بها المشركون في آلهتهم.
فالآلهة هذه لا تملك من السماوات والأرض شيئاً معيناً، وليست شريكة لله، ولا معينة، ولا شافعة، إلا بإذنه، يقول: ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) ( الاسراء: من الآية111 ).
* وقوله: ) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ): لم يكن له ولي، لكن قيد بقوله: ( مِنَ الذُّلِّ )
* و ]من[ هنا للتعليل، لأن الله تعالى له أولياء: )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( يونس:62 )
)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ( يونس: 62-63 )، وقال تعالى في الحديث القدسي: “من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب”[رواه البخاري][128] ، ولكن الولي المنفي هو الولي من الذل، لأن الله تعالى له العزة جميعاً، فلا يلحقه الذل بوجه من الوجوه، لكمال عزته.
* وقوله: ]وكبره تكبيرا[، يعني: كبر الله عز وجل تكبيراً، بلسانك وجنانك: اعتقد في قلبك أن الله أكبر من كل شيء، وأن له الكبرياء في السماوات والأرض، وكذلك بلسانك تكبره، تقولك: الله أكبر!
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يكبرون كلما علوا نشزاً، أي: مرتفعاً، وهذا في السفر، لأن الإنسان إذا علا في مكانه، قد يشعر في قلبه أنه مستعل على غيره، فيقول: الله أكبر. من أجل أن يخفف تلك العلياء التي شعر بها حين علا وارتفع.
وكانوا إذا هبطوا، قالوا: سبحان الله. لأن النزول سفول، فيقول: سبحان الله، أي: أنزهه عن السفول الذي أنا الآن فيه.
* وقوله: ]تكبيرا[: هذا مصدر مؤكد، يراد به التعظيم، أي: كبره تكبيراً عظيماً.
والذي نستفيده من الناحية المسلكية في هذه الآية:
أن الإنسان يشعر بكمال غنى الله عز جل عن كل أحد، وانفراده بالملك، وتمام عزته وسلطانه، وحينئذ يعظم الله سبحانه وتعالى بما يستحق أن يعظم به بقدر استطاعته.
ونستفيد حمد الله تعالى على تنزهه عن العيوب، كما يحمد على صفات الكمال.
)يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( 1 )……………….
( 1 ) الآية السادسة: قوله تعالى: )يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [التغابن: 1].
* ]يسبح[، بمعنى: ينزه عن كل صفة نقص وعيب، و( سبح ) تتعدى بنفسها وتتعدى باللام.
– أما تعهديها بنفسها، فمثل قوله تعالى: )لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفتح:9 )
– وأما تعديها باللام، فهي كثيرة، فكل السور المبدوءة بهذا متعدية باللام.
قال العلماء: وإذا أريد مجرد الفعل، تعدت بنفسها: ]وتسبحوه[، أي: تقولوا: سبحان الله!
وإذا أريد بيان القصد والإخلاص، تعدت باللام، ]يسبح لله[، أي: سبحوا إخلاصاً لله واستحقاقاً.
فاللام هنا تبين كمال الإرادة من الفاعل، وكمال الاستحقاق من المسبح، وهو الله.
* وقوله: ( مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ): عام يشمل كل شيء.
لكن التسبيح نوعان: تسبيح بلسان المقال، وتسبيح بلسان الحال.
– أما التسبيح بلسان الحال، فهو عام: ) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )[الإسراء: 44].
– وأما التسبيح بلسان المقال، فهو عام كذلك، لكن يخرج منه الكافر، فإن الكافر لم يسبح الله بلسانه، ولهذا يقول تعالى: ) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[الحشر: 23]، )سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الصافات:159 ) هم لم يسبحوا الله تعالى، لأنهم أشركوا به ووصفوه بما لا يليق به.
فالتسبيح بلسان الحال يعني: أن حال كل شيء في السماوات والأرض تدل على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن العبث وعن النقص، حتى الكافر إذا تأملت حاله، وجدتها تدل على تنزه الله تعالى عن النقص والعيب.
وأما التسبيح بلسان المقال، فيعني: أن يقول: سبحان الله.
* وقوله: ) لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التغابن: من الآية1 ).
هذه الصفات الأخيرة صفات ثبوتية، وسبق ذكر معناها، لكن ]يسبح لله[ صفة سلبية، لأن معناها، تنزيهه عما لا يليق به.
)تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( )الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) ( الفرقان:1-2 ) ( 1 )…………………………….
( 1 ) الآية السابعة والثامنة: وقوله: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( )الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) [الفرقان: 1-2].
* ]تبارك[، بمعنى: تعالى وتعاظم.
* و ]الذي نزل الفرقان على عبده[: هو الله عز وجل.
* وقوله: ( الفرقان )، يعني به: القرآن، لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم والكافر، وبين البر والفاجر، وبين الضار والنافع، وغير ذلك مما فيه الفرقان، فكله فرقان.
( على عبده ): محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه بالعبودية في مقام التحدث عن تنزل القرآن عليه، وهذا المقام من أشرف مقامات النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا وصفه الله تعالى بالعبودية في مقام تنزل القرآن عليه، كما هنا، وكما في قوله: )الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا )[الكهف: 1]، ووصفه بالعبودية في مقام الدفاع عنه والتحدي: )وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا )[ البقرة: 23]، ووصفه بالعبودية في مقام تكريمة بالمعراج، فقال: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )[الأسراء:1] ، وقال في سورة النجم: )فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) ( لنجم:10 )، يدل على أن وصف الإنسان بالعبودية لله يعد كمالاً، لأن العبودية لله هي حقيقة الحرية، فمن لم يتعبد له، كان عابداً لغيره.
قال ابن القيم رحم الله.
هوبوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان
و” الرق الذي خلقوا له “: عبادة الله عز وجل .
و ” بلوا برق النفس والشيطان “: حيث صاروا أرقاء لنفوسهم، وأرقاء للشيطان، فما من إنسان يفر من عبودية الله، إلا وقع في عبودية هواه وشيطانه ، قال الله تعالى: )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) ( الجاثية: 23] .
* قوله: )لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ): اللام هنا للتعليل، والضمير في )لِيَكُونَ ) عائد على النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه أقرب مذكور، ولأن الله تعالى قال: ) لتنذر به( [ الأعراف: 2]، وقال تعالى: )لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) ( الأنعام: 19 )، فالمنذر: الرسول عليه الصلاة والسلام.
* وقوله: ) للعالمين (: يشمل الجن والإنس.
* وقوله: ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ) تقدم معناها .
* وقوله: ( وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ): سبق معناهما، وهما صفة سلبية.
* ) وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ): الخلق: الإيجاد على وجه معين.
والتقدير: بمعنى التسوية أو بمعنى القضاء في الأزل، والأول أصح، ويدل لذلك قوله تعالى: ( )الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) وبه تكون الآية على الترتيب الذكري والمعنوي، وعلى الثاني تكون الآية على الترتيب الذكري.
ونستفيد من هذه الآيات من الناحية المسلكية:
أنه يجب علينا أن نعرف عظمة الله عز وجل، وننزهه عن كل نقص، وإذا علمنا ذلك، ازددنا محبة له وتعظيماً.
ومن آيتي الفرقان نستفيد بيان هذا القرآن العظيم، وأنه مرجع العباد، وأن الإنسان إذا أراد أن تتبين له الأمور، فليرجع إلى القرآن، لأن الله سماه فرقاناً: ( ) نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) ( الفرقان: من الآية1 ) .
ونستفيد أيضاً من الناحية المسلكية التربوية: أن تتأكد وتزداد محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان عبداً لله ، قائماً بإبلاغ الرسالة وإنذار الخلق.
ونستفيد أيضاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام آخر الرسل، فلا نصدق بأي دعوى للنبوة من بعده، لقوله: ) للعالمين ( ، ولو كان بعده رسول، لكان تنتهي رسالته بهذا الرسول، ولا كانت للعالمين كلهم.
)مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) )عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( 1 )………………………………………….
( 1 ) الآية التاسعة والعاشرة: قوله: ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) )عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ المؤمنون:91-92].
* ينفي الله تعالى في هذه الآية أن يكون اتخذ ولداً، أو أن يكون معه إله.
ويتأكد هذا النفي بدخول ) من ( في قوله ) من ولد ( ، وقوله: ) من إله ( ، لأن زيادة حرف الجر في سياق النفي ونحو تفيد التوكيد.
* فقوله: ) ما اتخذ الله من ولد ( ، يعني: ما اصطفى أحداً يكون ولداً له، لا عزيز، ولا المسيح، ولا الملائكة ولا غيرهم، لأنه الغني عما سواه.
وإذا انتفى اتخاذه الولد فانتفاء أن يكون والداً من باب أولي.
- وقوله: ) من إله (: ) إله ( ، بمعنى: مألوه، مثل: بناء، بمعنى: مبني، وفراش، بمعنى: مفروش، فالإله بمعنى المألوه، أي: المعبود المتذلل له.
يعني: ما كان معه من إله حق، أما الآلهات الباطلة، فهي موجودة، لكن لكونها باطلة، كانت كالعدم، فصح أن يقال: ما كان مع الله من إله.
* ) إذا ( ، يعني: لو كان معه إله.
* ) لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض (: لو كان هناك إله آخر يساوي الله عز وجل ، لكان له ملك خاص ولله ملك خاص، يعني: لا نفرد كل واحد منهم بما خلق، قال: هذا خلقي لي، وكذلك الآخر.
وحينئذ، يريد كل منهما أن يسيطر على الآخر كما جرت به العادة، فملوك الدنيا كل واحد منهم يريد أن يسيطر على الآخر، وتكون المملكة كلها له، وحينئذ:
إما أن يتمانعا، فيعجز كل واحد منهما عن الآخر، وإذا عجز كل واحد منهما عن الآخر، ما صح أن يكون واحد منهما إلهاً، لأن الإله لا يكون عاجزاً.
وإما أن يعلو أحدهما على الآخر، فالعالي هو الإله.
فترجع المسألة إلى أنه لابد أن يكون للعالم إله واحد ، ولا يمكن أن يكون للعالم إلهان أبداً لأن القضية لا تخرج من هذين الاحتمالين.
كما أننا أيضاً إذا شاهدنا الكون علويه وسفليه، وجدنا أنه كون يصدر عن مدبر واحد، وإلا، لكان فيه تناقض، فأحد الإلهين يقول مثلاً: أنا أريد الشمس تخرج من المغرب ! والثاني يقول: أريدها تطلع من المشرق! واتفاق الإرادتين بعيد جداً، ولا سيما أن المقام مقام سلطة، فكل واحد يريد أن يفرض رأيه.
ومعلوم أننا لا نشاهد الآن الشمس تطلع يوماً مع هذا ويوماً مع هذا، أو يوماً تتأخر لأن الثاني منعها ويوماً تتقدم لأن الأول أمر الثاني بإخراجها، فلا نجد هذا، نجد الكون كله واحداً متناسباً متناسقاً، مما يدل دلالة ظاهرة على أن المدبر له واحد، وهو الله عز وجل.
فبين الله سبحانه وتعالى بدليل عقلي أنه لا يمكن التعدد، إذ لو أمكن التعدد، لحصل هذا، لا نفصل كل واحد عن الثاني، وذهب كل إله بما خلق، وحينئذ إما أن يعجز أحدهما عن الآخر، وإما أن يعلو أحدهما الآخر، فإن كان الأول، لم يصلح أي واحد منهما للألوهية، وإن كان الثاني، فالعالي هو الإله، وحينئذ يكون الإله واحداً.
فإن قيل: ألا يمكن أن يصطلحا وينفرد كل واحد بما خلق؟
فالجواب: أنه لو أمكن ووقع، لزم أن يختل نظام العالم.
ثم إن اصطلاحهما لا يكون إلا لخوف كل واحد منهما من الآخر، وحينئذ لا تصلح الربوبية ولواحد منهما، لعجزه عن مقاومة الآخر.
* ثم قال تعالى: ) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ )، أي: تنزيهاً لله عز وجل عما يصفه به الملحدون المشركون الذي يقولون في الله سبحانه مالا يليق به.
* )عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ): الغيب: ما غاب عن الناس، والشهادة: ما شهده الناس.
* ) فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )، يعني: ترفع وتقدس وتنزه.
* ) عَمَّا يُشْرِكُونَ ): عن الأصنام التي جعلوها آلهة مع الله تعالى.
وفي هاتين الآيتين من صفات النفي: تنزه الله تعالى عن اتخاذ الولد الذي وصفه به الكافرون، وعن الشريك له في الألوهية الذي أشرك به المشركون.
وهذا النفي لكمال غناه وكمال ربوبيته وإلهيته.
ونستفيد منهما من الناحية المسلكية: أن الإيمان بذلك يحمل الإنسان على الإخلاص لله عز وجل.
( 1 ) الآية الحادية عشرة: قوله: ] )فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النحل:74 )
* يعني: لا تجعلوا لله مثلاً، فتقولون: مثل الله كمثل كذا وكذا أو تجعلوا له شريكاً في العبادة.
*( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )، بمعنى: أنه سبحانه وتعالى يعلم بأنه ليس له مثل، ، وقد أخبركم بأنه لا مثل له، في قوله: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]، وقوله: ( )وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) [الإخلاص: 4]، وقوله: ) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) [مريم: 65]… وما أشبه ذلك، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وقد يقال: إن هذه الجملة تتضمن الدليل الواضح على أن الله ليس له مثل، وأنها كضرب المثل في امتناع المثل، لأننا نحن لا نعلم والله يعلم، فإذا انتفى العلم عنا، وثبت لله، فأين المماثلة؟ هل يماثل الجاهل من كان عالماً؟
ويدلك على نقص علمنا: أن الإنسان لا يعلم ما يفعله في اليوم التالي: ( وما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ ) [لقمان: 34]، وأن الإنسان لا يعلم روحه التي بين جنبيه: )وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي )[الإسراء: 85].
وما زال الفلاسفة والمتفلسفة وغيره يبحثون عن حقيقة هذه الروح، ولم يصلوا إلى حقيقتها، مع أنها هي مادة الحياة، وهذا يدل على نقصان العلم في المخلوق، ولهذا قال تعالى: ]وما أوتيتم من العلم إلا قليلا[ [الإسراء: 85].
فإن قلت: كيف تجمع بين هذه الآية: ]فلا تضربوا لله الأمثال أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74] ، وبين قوله تعالى ] فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون [ [ البقرة 22 ] ؟!
الجواب: أنه هناك يخاطب الذين يشركون به في الألوهية فيقول: ) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادا ) في العبادة والألوهية ]وأنتم تعلمون[ أنه لا ند له في الربوبية، بدليل قوله: )اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( 21 ) الذي جعل لكم )الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة:22 ) ، هنا: ففي باب الصفات: ]فلا تضربوا لله الأمثال[، فتقولوا: مثلاً: إن يد الله مثل يد كذا! وجه الله مثل وجه كذا! وذات الله مثل الذات الفلانية… وما أشبه هذا، لأن الله تعالى يعلم وأنتم لا تعلمون وقد أخبركم بأنه لا مثيل له.
أو يقال: إن إثبات العلم لهم خاص في باب الربوبية، ونفيه عنهم خاص في باب الألوهية، حيث أشركوا بالله فيها، فنزلوا منزلة الجاهل.
وهذه الآية تتضمن من الكمال كمال صفات الله عز وجل، حيث إنه لا مثيل له.
أما الفائدة المسلكية التي تؤخذ من هذه الآية، فهي: كمال تعظيمنا للرب عز وجل، لأننا إذا علمنا أنه لا مثيل له، تعلقنا به رجاءً وخوفاً، وعظمناه، وعلمنا أنه لا يمكن أن يماثله سلطان ولا ملك ولا وزير ولا رئيس، مهما كانت عظمة ملكيتهم ورئاستهم ووزارتهم، لأن الله سبحانه ليس له مثل.
)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ( لأعراف:33 ) ( 1 )…………………
( 1 ) الآية الثانية عشرة: قوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) [الأعراف: 33].
* ]قل[: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: قل معلناً للناس.
* ]إنما[: أداة حصر، وذلك لمقابلة تحريم من حرم ما أحل الله.
* ]حرم[، بمعنى: منع، وأصل هذه المادة ( ح ر م ) تدل على المنع، ومنه حريم البئر: للأرض التي تحميه حوله: لأنه يمنع من التعدي عليه.
* ]الفواحش[: جمع فاحشة، وهي الذنب الذي يستفحش، مثل: الزنى واللواط.
والزنى، قال الله فيه: ]ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة[ [الإسراء: 32].
وفي اللواط، قال لوط لقومه: ]أتأتون الفاحشة[ [الأعراف: 80].
ومن الزنى أن يتزوج الإنسان امرأة لا تحل له لقرابة أو رضاع أو مصاهرة، قال الله تعالى: )وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ) ( النساء:22 ) ، بل إن هذا أشد من الزنى، لأنه وصفه بثلاثة أوصاف: فاحشة، ومقت، وساء سبيلاً، وفي الزنى وصفه الله بوصفين: ]إنه كان فاحشة وساء سبيلاً[ [الإسراء: 32].
* وقوله: ]ما ظهر منها وما بطن[: قيل: إن المعنى ما ظهر فحشه وما خفي، وقيل: المعنى ما ظهر للناس وما بطن عنهم، باعتبار فعل الفاعل، لا باعتبار العمل، أي: ما أظهره الإنسان للإنسان وما أبطنه.
* قوله: ]والإثم والبغي بغير الحق[، يعني: حرم الإثم والبغي بغير الحق.
والإثم: المراد به ما يكون سبباً له من المعاصي.
والبغي: العدوان على الناس، قال الله تعالى: ( )إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[الشورى: 42].
* وفي قوله: ]والبغي بغير الحق[: إشارة إلى أن كل بغي فهو بغير حق، وليس المراد أن البغي ينقسم إلى قسمين: بغي بحق، وبغي بغير حق، لأن البغي كله بغير حق.
وعلى هذا، فيكون الوصف هنا من باب الوصف الكاشف، ويسميها العلماء صفة كاشفة، أي: مبينة، وهي التي تكون كالتعليل لموصوفها.
* قوله: ]وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً[: هذه معطوفة على ما سبق، يعني: وحرم ربي أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، يعني: أن تجعلوا له شريكاً لم ينزل به سلطاناً، أي حجة، وسميت الحجة سلطاناً، لأنها سلطة للمحتج بها.
وهذا القيد: ( ما ينزل به سلطاناً ) نقول فيه كما قلنا في ( البغي بغير الحق ) أي: أنه قيد كاشف، لأن كل من أشرك بالله، فليس له سلطان بشركه.
* قوله: ]وأن تقولوا على الله ما لا تعملون[، يعني: وحرم أن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فحرام علينا أن نقول على الله مالا نعلم، سواء كان في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو أحكامه.
فهذه خمسة أشياء حرمها الله علينا.
وفيها رد على المشركين الذين حرموا ما لم يحرمه الله.
إذا قال قائل: أين الصفة السلبية في هذه الآية؟
قلنا: هي ) وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ، فالاثنتان جميعاً من باب الصفات السلبية: ]وأن تشركوا[، يعني: لا تجعلوا لله شريكاً لكماله. ]وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ كذلك، لكماله، فإنه من تمام سلطانه أن لا يقول عليه أحد ما لا يعلم.
الفائدة المسلكية من هذه الآية هي: أن تتجنب هذه الأشياء الخمسة التي صرح الله تعالى بتحريمها.
وقد قال أهل العلم: إن هذه المحرمات الخمسة مما أجمعت الشرائع على تحريمها.
ويدخل في القول على الله بغير علم تحريف نصوص الكتاب والسنة في الصفات وغيرها، فإن الإنسان إذا حرف نصوص الصفات، مثل أن يقول: المراد باليدين النعمة فقد قال على الله مالا يعلم من وجهين:
الوجه الأول: أنه نفى الظاهر بلا علم.
والثاني: أثبت لله خلافه بغير دليل.
فهو يقول: لم يرد الله كذا، وأراد كذا، فنقول: هات الدليل على أنه لم يرد، وعلى أنه أراد كذا! فإن لم تأت بالدليل فإنك قد قلت على الله ما لا تعلم.
استواء الله على عرشه
وقوله: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) في سبع مواضع في سورة الأعراف، قوله: )إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ( 1 )………………………..
( 1 ) ذكر المؤلف رحمه الله ثبوت استواء الله على عرشه وأنه في سبعة مواضع في القرآن:
الموضع الأول: قوله في سورة الأعراف: )إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )[الأعراف: 54].
]الله[ خبر ]إن[.
( خلق السموات والأرض[: أوجدهما من العدم على وجه الإحكام والإتقان.
* ]في ستة أيام[: ومدة هذه الأيام كأيامنا التي تعرف، لأن الله سبحانه وتعالى ذكرها منكرة، فتحمل على ما كان معروفاً.
وأول هذه الأيام يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة.
منها أربعة أيام للأرض، ويومان للسماء، كما فصل الله ذلك في سورة فصلت:
)قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) )وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ )[فصلت: 9-10]، فصارت أربعة: )ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) ( 11 ) )فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ )[فصلت: 11-12].
* وقوله: ]ثم استوى على العرش[: ]ثم[: للترتيب.
* و ]العرش[: هو ذلك السقف المحيط بالمخلوقات، ولا نعلم مادة هذا العرش، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يبين من أين خلق هذا العرش، لكننا نعلم أنه أكبر المخلوقات التي نعرفها.
وأصل العرش في اللغة: السرير الذي يختص به الملك، ومعلوم أن السرير الذي يختص به الملك سيكون سريراً عظيماً فخماً لا نظير له.
وفي هذه الآية من صفات الله تعالى عدة صفات، لكن المؤلف ساقها لإثبات صفة واحدة، وهي الاستواء على العرش.
* وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين.
فإن سألت: ما معنى الاستواء عندهم؟ فمعناه العلو والاستقرار.
وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني: الأول: علا، والثاني: ارتفع، والثالث: صعد. والرابع: استقر.
لكن ( علا ) و ( ارتفع ) و ( صعد ) معناها واحد، وأما ( استقر )، فهو يختلف عنها.
ودليلهم في ذلك: أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم تأت إلا لهذا المعنى إذا كانت متعدية بـ( على ):
قال الله تعالى: ]فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك[ [المؤمنون: 28].
وقال تعالى: )وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ( 12 ) )لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) [الزخرف: 12-13].
* وفسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء، وقالوا: معنى: ]ثم استوى على العرش[ [الأعراف: 54]، يعني: ثم استولى عليه.
واستدلوا لتحريفهم هذا بدليل موجب وبدليل سالب:
– أما الدليل الموجب، فقالوا: إننا نستدل بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
( بشر ): ابن مروان، ( استوى )، يعني: استولى على العراق.
قالوا: وهذا بيت من رجل عربي، ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق، يعني علا على العراق! لا سيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق بها.
أما الدليل السلبي، فقالوا لو أثبتنا أن الله عز وجل مستو على عرشه بالمعنى الذي تقولون، وهو العلو والاستقرار، لزم من ذلك أن يكون محتاجاً إلى العرش، وهذا مستحيل، واستحالة اللازم تدل على استحالة الملزوم. ولزم من ذلك أن يكون جسماً، لأن استواء شيء على شيء بمعنى علوه عليه يعني أنه جسم. ولزم أن يكون محدوداً، لأن المستوي على الشيء يكون محدودا، إذا استويت على البعير، فأنت محدود في منطقة معينة محصور بها وعلى محدود أيضاً.
هذه الأشياء الثلاثة التي زعموا أنها تلزم من إثبات أن الاستواء بمعنى العلو والارتفاع.
* والرد عليهم من وجوه:
أولاً: تفسيركم هذا مخالف لتفسير السلف الذي أجمعوا عليه، والدليل على إجماعهم أنه لم ينقل عنهم أنهم قالوا به وخالفوا الظاهر، ولو كانوا يرون خلاف ظاهره، لنقل إلينا، فما منهم أحد قال: إن ( استوى ) بمعنى ( استولى ) أبداً.
ثانياً: أنه مخالف لظاهر اللفظ، لأن مادة الاستواء إذا تعدت بـ( على )، فهي بمعنى العلو والاستقرار، هذا ظاهر اللفظ، وهذه مواردها في القرآن وفي كلام العرب.
ثالثاً: أنه يلزم عليه لوازم باطلة:
1- يلزم أن يكون الله عز وجل حين خلق السماوات والأرض ليس مستولياً على عرشه، لأن الله يقول ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )[الأعراف: 54]، و ( ثم ) تفيد الترتيب، فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السماوات والأرض لغير الله.
2- أن الغالب من كلمة ( استولى ) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة! ولا أحد يغالب الله.
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
3- من اللوازم الباطلة أنه يصح أن نقول: إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال، لأنه مستول عليها.
وهذه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
وأما استدلالهم بالبيت، فنقول:
1- أثبتوا لنا سند هذا البيت وثقة رجاله، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً.
2- من هذا القائل؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان؟ لأنه كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل، لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان، وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان.
3- أن تفسيركم “استوى بشر على العراق” بـ( استولى ) تفسير تعضده القرينة، لأنه من المتعذر أن بشراً يصعد فوق العراق فيستوي عليه كما يستوي على السرير أو على ظهر الدابة فلهذا نلجأ إلى تفسيره بـ( استولى ).
هذا نقوله من باب التنزل، وإلا، فعندنا في هذا جواب آخر:
أن نقول: الاستواء في البيت بمعنى العلو، لأن العلو نوعان:
1- علو حسي، كاستوائنا على السرير.
2- وعلو معنوي، بمعنى السيطرة والغلبة.
فيكون معنى “استوى بشر على العراق” يعني: علا علو غلبة وقهر.
وأما قولكم: إنه يلزم من تفسير الاستواء بالعلو أن يكون الله جسماً.
فجوابه: كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حق، ويجب علينا أن نلتزم به، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله، لأنه قد يمنع أن يكون لازماً، فإذا ثبت أنه لازم، فليكن، ولا حرج علينا إذا قلنا به.
ثم نقول: ماذا تعنون بالجسم الممتنع؟
إن أردتم به أنه ليس لله ذات تتصف بالصفات اللازمة لها اللائقة بها، فقولكم باطل، لأن لله ذاتاً حقيقية متصفة بالصفات، وأن له وجهاً ويداً وعيناً وقدماً، وقولوا ما شئتم من اللوازم التي هي لازم حق.
وأن أردتم بالجسم الذي قلتم يمتنع أن يكون الله جسماً:
الجسم المركب من العظام واللحم والدم وما أشبه ذلك، فهذا ممتنع على الله، وليس بلازم من القول بأن استواء الله على العرش علوه عليه.
وأما قولهم: إنه يلزم أن يكون محدوداً.
فجوابه أن نقول بالتفصيل: ماذا تعنون بالحد؟
إن أردتم أن يكون محدوداً، أي: يكون مبايناً للخلق منفصلاً عنهم، كما تكون أرض لزيد وأرض لعمر، فهذه محدودة منفصلة عن هذه، فهذا حق ليس فيه شيء من النقص.
وإن أردتم بكونه محدوداً: أن العرش محيط به، فهذا باطل، وليس بلازم، فإن الله تعالى مستوى على العرش، وإن كان عز وجل أكبر من العرش ومن غير العرش، ولا يلزم أن يكون العرش محيطاً به بل لا يمكن أن يكون محيطاً به، لأن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه.
وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش.
فنقول: لا يلزم، لأن معنى كونه مستوياً على العرش: أنه فوق العرش، لكنه علو خالص، وليس معناه أن العرش يقله أبداً، فالعرش لا يقله، والسماء لا تقله، وهذا اللازم الذي ادعيتموه ممتنع، لأنه نقص بالنسبة إلى الله عز وجل، وليس بلازم من الاستواء الحقيقي، لأننا لسنا نقول: إن معنى ]استوى على العرش[، يعني: أن العرش يقله ويحمله، فالعرش محمول: ) وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )[الحاقة: 17]، وتحمله الملائكة الآن، لكنه ليس حاملاً لله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً إليه، ولا مفتقراً إليه، وبهذا تبطل حججهم السلبية.
* وخلاصة ردنا لكلامهم من عدة أوجه:
الأول: أن قولهم هذا مخالف لظاهر النص.
ثانياً: مخالف لإجماع الصحابة وإجماع السلف قاطبة.
ثالثاً: أنه لم يرد في اللغة العربية أن ( استوى ) بمعنى ( استولى )، والبيت الذي احتجوا به على ذلك لا يتم به الاستدلال.
رابعاً: أنه يلزم عليه لوازم باطلة منها:
1- أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض، ملكاً لغير الله.
2- أن كلمة ( استولى ) تعطي في الغالب أن هناك مغالبة بين الله وبين غيره، فاستولى عليه وغلبه.