عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ) رواه الطبراني والبيهقي حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ .
و معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح، وأن الإنسان يجب أن يكون هواه تبعاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم.
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من المكثرين رواية للحديث،لأنه كان يكتب، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يغبطه على هذا،ويقول: لا أعلم أحداً أكثر حديثاً مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما،فإنه كان يكتب ولا أكتب.
يقول: “لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ” يعني الإيمان الكامل.
“حَتَّى يَكُونَ هَواهُ” أي اتجاهه وقصده.
“تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ” أي من الشريعة.
من فوائد هذا الحديث:
1-تحذير الإنسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدماً إياها على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك: نفي الإيمان عنه.
فإن قال قائل: لماذا حملتموه على نفي الكمال؟
فالجواب: أنَّا حملناه على ذلك لأنه لايصدق في كل مسألة، لأن الإنسان قد يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر مسائل الدين، وفي بعض المسائل لايكون هواه تبعاً، فيحمل على نفي الكمال، ويقال: إن كان هواه لايكون تبعاً لماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الدين فحينئذ يكون مرتدّاً.
.2 أنه يجب علىالإنسان أن يستدلّ أولاً ثم يحكم ثانياً،لا أن يحكم ثم يستدل، بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد أو في الجوارح فاستدل أولاً ثم احكم، أما أن تحكم ثم تستدلّ فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعاً وجعلت الأصل عقلك والفرع الكتاب والسنة.
ولهذا تجد بعض العلماء – رحمهم الله، وعفا عنهم-الذين ينتحلون لمذاهبهم يجعلون الأدلة تبعاً لمذاهبهم، ثم يحاولون أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يقتضيه مذهبهم علىوجه مستكره بعيد، وهذا من المصائب التي ابتلي بها بعض العلماء، والواجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم، والأصل عند الإطلاق المذموم كما جاء ذلك في الكتاب والسنة، فكلما ذكر الله تعالى اتباع الهوى فهوعلى وجه الذم، لكن هذا الحديث يدلّ على أن الهوى ينقسم إلى قسمين:
محمود: وهو ما كان تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومذموم: وهو ماخالف ذلك.
وعند الإطلاق يحمل على المذموم، ولهذايقال: الهدى، ويقابله الهوى.
4-وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء، لقوله: “لِمَا جِئتُ به” والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق في معادهم ومعاشهم، قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل: الآية89)
فليس شيء يحتاج الناس إليه في أمور الدين أو الدنيا إلا بيّنه – والحمد لله – إما بياناً واضحاً يعرفه كل أحد، وإما بياناً خفياً يعرفه الراسخون في العلم.
5 – أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. والله أعلم.