وسائل الاستشراق……. د.ناجي بن وقدان

سعى المستشرقون ولا زالوا إلى تحقيق أهدافهم من خلال العديد من الوسائل والأساليب، الشائعة في مجتمعاتهم وإن كان مجال عملهم في الاستشراق سيتطلب في بعض الأحيان استخدام وسائل وأساليب تناسب مجال عملهم وتناسب أهدافهم ودوافعهم، تقول د. فاطمة أبو النجا عن وسائل المستشرقين وأساليبهم “لم يترك المستشرقون مجالا من مجالات الأنشطة المعرفية والتوجيهية العليا إلاً تخصصوا فيها، ومنها التعليم الجامعي، وإنشاء المؤسسات العالمية لتوجيه التعليم والتثقيف، وعقد المؤتمرات والندوات ولقاءات التحاور، وإصدار المجلات ونشر المقالات وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق والنشر وتأليف الكتب ودس السموم الفكرية فيها بصورة خفية ومتدرجة، وإنشاء الموسوعات العلمية الإسلامية، والعناية العظمى لإفساد المرأة المسلمة وتزيين الكتابة باللغة العامية “د كثير من المسلمين ، والتشكيك في كل ما يمت للإسلام بصلة ، وتشويه صورة الإسلام على المستويين العالمي والإقليمي ، وذلك لصد الناس عنه، إضافة إلى نهب وسلب خيرات البلاد العربية والإسلامية، ومن هذه الوسائل:

أولا: التعليم الجامعي والبحث العلمي.

    بدأت أقسام التعليم الجامعي ومراكز البحوث العلمية، تستقبل الطلاب من جميع أنحاء العالم بعد استقرار الاستشراق كفرع معرفي له أقسامه العلمية ومراكزه البحثية ، فالأوروبيون الذين يدرسون هذه المجالات يتخصصون فيها لأهداف تخصهم فقد جاء في تقرير سكاربورغScarbrough وتقرير هايتر Hayter البريطانيين الجهات التي تحتاج هذه التخصصات ابتداء من وزارة المستعمرات(حين كانت موجودة) ووزارة الخارجية والاستخبارات والتجارة والاقتصاد والإذاعة البريطانية وغيرها من الجهات، أما الطلاب العرب والمسلمون فقد جاءوا في بعثات دراسية إما على حساب دولهم أو على حسابهم الخاص أو بمنح من الجامعات الغربية التي استهوتهم لأسباب منها السمعة العلمية العالية التي تتمتع بها هذه الجامعات في دول العالم الثالث( حتى وإن كان بعضها متواضع المستوى) وثانياً لرغبة الجامعات الغربية الإفادة من هؤلاء الطلاب في مجال البحث العلمي، بالإضافة إلى الهدف الاستشراقي القديم من التأثير في طبقة من أبناء الأمة المسلمة من المتوقع أن تتسم منابر التوجيه وقيادة الرأي في بلادها، وقد يكون أحد هذه الأسباب المرونة التي تتمتع بها هذه الجامعات في مجال الدراسات العليا وبعدها عن التعقيدات والمشكلات والقيود التي يواجهها الطلاب في الجامعات العربية والإسلامية.

     ولذلك أصبحت هذه الأقسام العلمية تعد بالآلاف في أنحاء أوروبا وأمريكا، ولما تخلص الأوروبيون والأمريكيون من مصطلح الاستشراق أصبحت أقسام الدراسات الشرق أوسطية أقسام دراسات المناطق هي التي يدرس فيها هؤلاء الطلاب، ولكن هذه الأقسام لم تعد كافية لدراسة كل ما يخص العالم الإسلامي والعربي فأضيف إليها الدراسة في أقسام الجامعة الأخرى مثل : علم الاجتماع، وعلم الإنسان، وعلم النفس، وقسم الاقتصاد والعلوم السياسية ومختلف العلوم التي يتم التنسيق بينها جميعاً من خلال معهد الشرق الأوسط كما في جامعة كولمبيا في نيويورك أو مركز دراسات الشرق الأوسط كما في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي.

وتعمل هذه الأقسام من خلال المواد الدراسية في تكوين عقلية الطالب وفهمه وإدراكه للقضايا التي تخص الإسلام والمسلمين، حيث إن طريقة التدريس والمراجع المقررة وتوجهات الأساتذة لها دور كبير في الدراسة الجامعية أو الدراسات العليا( وبخاصة في أمريكا حيث إن طالب الماجستير أو الدكتوراه يكلف بدراسة عدد محدد من الساعات).

      ومما لا شك فيه تأثر الطالب بأستاذه، سواء في الفكر او الأخلاق أو السلوك، وهذا ما حصل لكثير  من أبناء العرب والمسلمين ، ولذلك نجد التركيز في التراجم الإسلامية السؤال عن الشيوخ، ومهما كانت قوة العقيدة والإيمان لدى معظم الطلاب العرب والمسلمين، فإن بعضهم يتأثر بشيوخه من المستشرقين وبخاصة أن بعض هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من العلم والخبرة ومعرفة نفسية الطلاب العرب والمسلمين، وحتى يكون التأثير قويا، فقد سعى الفكر الاستشراقي إلى أن يتولى بعض الأساتذة في الجامعات الغربية وهم من القساوسة والرهبان وبعضهم من اليهود ، تدريس الطلاب والتأثير فيهم بأسلوب غير مباشر، ولو أن يُدخلوا أدنى درجة من الشك في قلوب هؤلاء الطلاب.

      وبالإضافة إلى أقسام دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية ( أوروبا وأمريكا) فإن الغرب حرص على فتح جامعات أوروبية وأمريكية في البلاد العربية و الإسلامية ومن أبرز هذه الجامعات الجامعة الأمريكية التي أصبح لها العديد من الفروع في القاهرة وفي بيروت وفي دبي وفي الشارقة وفي إسطنبول وغيرها، وقد قامت الجامعات الفرنسية بافتتاح معاهد لها في عدد من الدول العربية كما أن لهولندا معهدا في مصر وكذلك تقوم الحكومة الألمانية بافتتاح جامعة في مصر بعد أن كانت نواة هذه الجامعة قد أسست منذ سنوات، وقد ذكر خبر نشر في إحدى الصحف أن حجر الأساس لأول جامعة ألمانية سيوضع بتمويل من عدة جهات منها السفارة الألمانية في القاهرة ( يعني الخارجية الألمانية) وجامعتين ألمانيتين بالتعاون مع الغرفة التجارية العربية الألمانية للتجارة والصناعة.

      والحقيقة أن الجامعات والتعليم العالي وسيلة هامة جدا من وسائل الاستشراق، ونحن لا نتحدث عن الاستشراق في تخصصات معينة كالطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات، وإن كان يحدث فيها تأثير من براثن الاستشراق، ولكن الحديث ينصب على أقسام الدراسات الإسلامية والعربية والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية وغيرها من الدراسات الأدبية والنظرية على وجه الخصوص، فالبعثات التي كانت قبل قرنين من الزمان، كان لها الأثر الفعال في تأثر المبتعثين بالمجتمع الغربي في عاداته وطباعه، وخصوصا في الاحتكاك بالأساتذة والمربين في أخلاقهم وسلوكهم وطباعهم، منتقلا ذلك بشكل فوري إلى البحوث التي يكلفون بها في الدراسات العليا، ومن المسلم به جدلا ، أن الأمة والمجتمعات العربية والإسلامية، لا تبعث من أبنائها في الغالب إلا النبهاء والأذكياء، وعلى وجه الخصوص من حصلوا على تلك البعثات بجد واجتهاد وجدارة.

     فمن التأثر حين يختار الطالب موضوع بحثه سواء كان سيئا أم موجها لوجهة معينة، فسيجد نفسه عندها أسيرا لذلك الموضوع حتى نهاية حياته العلمية وقل أن يتخلص من هذا الأسر، فيسهم الأستاذ المشرف في اختيار الموضوع وتوجيه الطالب للاهتمام بقضايا بعينها، ومن الأمثلة توجيه الطالب لاختيار كتاب الأغاني مثلاً ليكون مصدراً لدراسة التاريخ الإسلامي أو المجتمع الإسلامي، وهو أمر خطير فكيف يكون كتاب مجون وخلاعة مصدر لدراسة تاريخ أمة هي أعظم الأمم على وجه الأرض.

       ومن الطرائق التي يستخدمها الأساتذة في توجيه طلابهم للبحث فيها، تلك الموضوعات التي يريد الغربيون معرفة تفاصيلها الدقيقة وهم لا يستطيعون بحال الوصول إليها ، فيكلفون طلابهم الذين يريدون الحصول على الدرجات العليا، كما أن مثل هذه الدراسة تتيح لهم الفرصة للعودة إلى بلادهم في رحلات علمية لجمع المادة العلمية وتقديم الاستمارات والاستبيانات وغيرها من وسائل جمع المادة العلمية التي يصعب على الأستاذ أو الجهات الخارجية الوصول إليها، وهذا بحد ذاته يعطي المستشرقون ما لا يستطيعون الحصول عليه مسبقا.

      ومن الأمور المسلم بها والتي لا يختلف عليها اثنان، أن المستهدف الأول من الحركة الفكرية الاستشراقية هم أبناء الأمة الإسلامية وشبابها الذين هم عمادها وقوامها، وأساس بنيانها، ممن دفعت بهم بلادهم للدراسة في المؤسسات الغربية، وهم الذين كانوا ولا يزالون أكثر الناس عرضة لحملات الفكر الاستشراقي المعادي للإسلام، يقول د. محمد فتح الله الزيادي” وطلابنا الذين هم بحاجة إلى المؤسسات العلمية الغربية، لا يستطيعون مواجهة أساتذتهم من المستشرقين فيما يوردونه من تحريفات وأغلاط تاريخية ومنهجية، لأن ذلك يجر عليهم سخطا تكون نتيجته الحرمان من مواصلة التعليم أحيانا”. 

ثانيا: الكتب والمجلات والنشرات.

     نشر الكتب والمجلات وكذا النشرات التي تتعرض للإسلام والمسلمين من جميع الجوانب العقدية والتشريعية والتاريخية ومن خلال السِيَر، وكذلك الأحوال الاجتماعية للأمة الإسلامية، من أهم المهمات لدى معاشر المستشرقين، على مختلف الأزمان وتعاقب العصور.

ففي المجال العقيدي كتبئ المستشرق اليهودي المجري أجناتس جولد سيهر بعنوان دراسات إسلامية كما ألف في مذاهب التفسير الإسلامية، ونشر المستشرق دنكان بلاك ماكدونالد كتاباً بعنوان تطور العقيدة الإسلامية وقد انطلى على بعض المسلمين أنه كتاب علمي فقُرر تدريسه في أقسام الدراسات الإسلامية، وألف كولسون في التشريع الإسلامي ، وصدر لهم مؤلفات كثيرة في مجال التاريخ الإسلامي حتى عد بعضهم كتاب كارل بروكلمان تاريخ الشعوب الإسلامية من المراجع الأساسية في دراسة التاريخ الإسلامي، وهناك على سبيل المثال لا الحصر كتاب برنارد لويس تاريخ العرب عدّه بعض الأساتذة المتأثرين بالاستشراق من أهم الكتب في بابه، وقد تميزت كتابات المستشرقين في العصور الوسطى أو بدايات الاستشراق بالتعصب والحقد الشديد والكراهية للإسلام وإظهار هذه العواطف والاتجاهات بصراحة متناهية حتى ظهر منهم من كتب منتقداً هذا الأسلوب ومن هؤلاء ما كتبه نورمان دانيال في كتابه ( الإسلام والغرب) وما كتبه ريشتارد سوذرن في كتابه (صورة الإسلام والمسلمين في كتابات العصور الوسطى).

      وظهرت في القرن العشرين كتابات عن الإسلام تظاهرت بأنها تجاوزت التعصب والحقد القديم ومنها ما كتبه توماس آرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) وقد يكون هذا الكتاب قدم بعض العبارات والجمل المادحة للإسلام والمسلمين ولكنه في حقيقته بعيد عن الموضوعية والمنهج العلمي كما ظهرت كتابات مونتجمري وات حول الرسول r ( محمد في مكة) و( محمد في المدينة) و( محمد رجل الدولة والسياسة) وغيرها من الكتب.

أما أبرز الجهات الاستشراقية التي تنشر الكتب فأود في البداية أن أشير إلى أن الجامعات الغربية لها دور نشر خاصة بها ، ولعل من أشهر دور النشر هذه على سبيل المثال جامعة أكسفورد التي تطبع مئات الكتب كل عام حول العالم الإسلامي وقضاياه المختلفة، كما أن الجامعات الأوروبية والأمريكية لها دور نشر نشطة، تقوم بجهد يوازي إن لم يتفوق على نشاط دور النشر التجارية البحتة( قارن بينها وبين دور النشر في الجامعات العربية والإسلامية- دور نشر للمجاملة وللتوزيع المحدود ولا تطبع دار النشر الجامعية أكثر من عشرة عناوين سنوياً)،

ففي موقع دار جامعة أكسفورد للنشر مئات الكتب التي تهتم بالإسلام والعالم الإسلامي ومنها هذه الكتب، على سبيل المثال لا الحصر:

1- موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي الحديث ، وتتكون من أربعة مجلدات تتألف من 1840 صفحة وتهتم بموضوعات لم تكن لتهتم بها الكتب حول الإسلام ومن هذه الموضوعات: الإرهاب والتطرف وحقوق الإنسان ومكانة المرأة في العالم الإسلامي وفي الإسلام. وتزعم الموسوعة لنفسها أنها متخصصة وتقدم معلومات دقيقة وموثقة حول القضايا التي تتناولها .

2- الكتب حول الإسلام والعالم العربي والشرق الأوسط من خلال شركة أمازون لتوزيع الكتب فيكفي أن تضع كلمة الإسلام أو العرب أو الشرق الأوسط لتمدك الشركة بسيل من الكتب وقد فتحت عنوان” إسلام” فوجدت ما يقارب من ثمانية آلاف وثمانمائة وإحدى عشر كتابا.

3- المجلات والدوريات فتعد بالمئات من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا فلا يكاد قسم من أقسام دراسات الشرق الأوسط الكبيرة في الجامعات الغربية إلاّ وله مجلة أو دورية كما أن الجمعيات الاستشراقية لها أيضاً إصداراتها من الدوريات والمجلات ونذكر على سبيل المثال الجامعات الآتية التي لها دوريات مشهورة، ومنها:

1) دورية مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن

2) دورية جسور تصدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس.

3) مجلة العالم الإسلامي ( بالألمانية ) من ألمانيا

4) مجلة العالم الإسلامي من معهد هارتفورد اللاهوتي بالولايات المتحدة الأمريكية.

5) مجلة العلاقات النصرانية الإسلامية عن معهد العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام ببريطانيا.

وهناك الكثير غيرها التي يبلغ تعدادها بالمئات في شتى مجالات المعرفة.

ثالثا: الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والدورات العلمية.

       وليس غريب ما يفعله المستشرقون تجاه الإسلام والمسلمين، فمنذ بدأوا بالبحث والدراسة في التراث والتاريخ العربي والإسلامي، كانوا على اتصال بعضهم ببعض عن طريق المراسلات والرحلات، ففي وقت من الأوقات قيل إن باريس كانت كعبة الاستشراق، إذ كان المستشرق سيلفيستر دو ساسي يترأس معهد اللغات الشرقية الحية في باريس -1795م وما بعدها-، وكان الحال كذلك مع العواصم الأخرى حين يذيع صيت أحد المستشرقين فيسعون إليه للتلقي عنه أو يسعون إلى استضافته أستاذا زائرا، ولكن كان لا بد من طريقة أخرى يتوصلون إلى التبادل العلمي والثقافي فكانت الندوات المحلية والإقليمية ثم الدولية وسيلة من وسائل الصلة بين المستشرقين، وكانت مؤتمرات المستشرقين في غالبيتها عبارة عن لقاء مجموعة من الباحثين والعلماء لتقديم بحوث وأوراق عمل ونقاشات ومناسبات اجتماعية على هامش المؤتمرات ؟ولم تكن في يوم من الأيام للتسلية والوجاهة والحصول على الامتيازات المادية من انتدابات وبدلات وغيرها كما يحدث في دول العالم النامي، فهي بالتالي وسيلة عمل وتخطيط ودراسة؟

      ولذلك وبمبادرة فرنسية، منذ أكثر من قرن وربع بدأ الأوروبيون في عقد مؤتمر دولي كل عدة سنوات ، للبحث في مجال الدراسات الاستشراقية التي تضم الهند والصين وجنوب شرق آسيا وكذلك تركيا ودول وسط آسيا (الجمهوريات التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي سابقاً ) وشمال أفريقيا، ولكن الدراسات الإسلامية كانت وما تزال المحور الأساس لهذه المؤتمرات، وقد عقد المؤتمر الأول عام 1873م في باريس وبلغت حتى الآن ستاً وثلاثين مؤتمراً ، وكان المؤتمر قبل الأخير قد عقد في بودابست بالمجر في يوليو 1997م، وقد قُدم فيه ما يزيد على ألف بحث، وقد أصبحت المؤتمرات والندوات من الكثرة بحيث يصعب على الباحث أن يحصرها أو يتناولها جميعاً بالبحث والدراسة ولذلك سوف تقتصر هذه الدراسة على نماذج من هذه المؤتمرات والندوات التي أتيح لي الاطلاع على بعض المعلومات عنها، بحيث نقدم معلومات عن الموضوعات التي يتناولها المؤتمر أو الندوة ، وكذلك معلومات عن المشاركين وأهمية توجهات المشاركين في هذه المؤتمرات ونتائج وتوصيات المؤتمرات.

 

      إن من يطلع على المواقع الالكترونية(الانترنت) ، يجد مدى ما وصلت إليه المحاضرات العامة والدورات المكثفة التي لا يُحصى لها عدد ولا سعة، فهي أكثر من أن تحصى، فمراكز البحوث وأقسام دراسات الشرق الأوسط قبل ظهور الانترنت، كانت تملك نشاطا قويا في نشر النشرات التي تتزاحم عليها الأقلام والأيدي الاستشراقية، وعلى سبيل المثال( قبل الإنترنت كانت جامعة هارفرد تنشر نشرة نصف شهرية تزدحم فيها النشاطات الاستشراقية) .ولذلك كان لهذه المؤتمرات وتلك النشاطات دور كبير في جمع شتات الاستشراق والمستشرقين، وتوحيد جهودهم وتنظيمها، وبذلك كانت المؤتمرات أداة قوية في دفع عجلة العمل الاستشراقي، وخصوصا بعد رحيل الرعيل الأول من المستشرقين.

رابعا: التقارير السياسية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية والمقالات الصحفية.

طلبت الحكومات الغربية من الباحثين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط، تقديم نتائج بحوثهم ودراساتهم واستشارتهم في اتخاذ القرارات السياسية، وهو ما يعرف في الفكر السياسي بالتقارب بين العلماء والساسة، ولذلك كان المستشرقون لا يبرحون مجالس وزارات الخارجية الغربية ومجالس النواب فيها واللجان المتخصصة ، حيث يقدمون عصارة فكرهم لمصلحة بلادهم وأمتهم.

      ولا يفوتنا هنا دور الإعلام وإدراكه لأهمية استضافة أساتذة الجامعات المتخصصين في العالم العربي والإسلامي فأتاح لهم المجال لتقديم آرائهم في القضايا السياسية المعاصرة ولا تكاد تخلو نشرة أخبار من استضافة أحد هؤلاء للحديث في مجال تخصصه. ولم تكتف وسائل الإعلام بهذا الأمر فقد طلبت إليهم أن يجيبوا عن أسئلة الجمهور أو استضافتهم في برامج حوارية طويلة ، ومن وسائل الإعلام التي تهتم بهذا الجانب، الإذاعات الموجهة مثل إذاعة لندن وصوت أمريكا وإذاعة مونت كارلو وغيرها.

خامسا: المجامع العلمية.

     ليس خفيا أن من ضمن ما يقوم به المستشرقون من أعمال ومحاولات حثيثة، دخولهم المجامع العلمية العربية، وخصوصا المجامع اللغوية، حيث تمكنوا عبرها من الاتصال المباشر بالعلماء والمفكرين من العرب والمسلمين، وتمكنوا أيضا من تمرير ونشر وتسريب الفكر الاستشراقي إلى هذه المؤسسات العلمية، ولعل ضلوعهم في اللغة العربية التي أحيانا تفوقوا بها على العرب أنفسهم، هي العون القوي الذي مكنهم من التغلغل إلى هذا الجسد العلمي الكبير، ونفث السموم الفكرية إلى الفكر العربي والإسلامي.

     إن مشاركة المستشرقين في المجامع العلمية العربية لم يكن مقبولا أو مرضيا ، فلقد كانت هناك نقاشات وحوارات حادة تصل أحيانا إلى عدم القبول بالمستشرق، بل وإخراجه من المجامع ورفض مشاركته، ولربما يدلنا ذلك على يقظة القائمين على تلك المجامع بمطامع المستشرقين ونواياهم الخبيثة تجاه العرب والمسلمين، ونذكر من أولئك المستشرقين على سبيل المثال لا الحصر، المستشرق هاملتون جب ن العضو المؤسس في مجمع القاهرة و د.طمسون رئيس المجمع اللبناني العلمي، وهؤلاء نماذج وغيرهم كثير من المستشرقين الذين انتشروا في المجامع العلمية العربية والاسلامية والشرقية عامة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *