الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
في مثل ظروف المطر الغزير والبرد الشديد والوحل المانع من الوصول إلى المسجد وإجابة النداء، يجوز أن تؤدى الصلاة في البيوت وتكون جماعة وأقلها اثنان، وهي فرصة يجمع فيها الرجل أهل بيته فيصلي بهم فيكتب الله له أجر الصلاة جماعة في المسجد لمانع العذر، وهي فرصة له لتذكير أبنائه وأهل بيته بهذه النوازل ويعلمهم ما ينبغي تعليمه من الكتاب والسنة، فقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله(إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) رواه البخاري وغيره ، ويقاس على هذا كل عذر مانع للعبد من الذهاب للمسجد والصلاة، ولعل ما تمر به الأمة الآن من انتشار هذا الوباء الفتاك، عذر في الصلاة في البيوت حتى يرفعه الله ويقيها ضرره،مع الدعاء والتضرع إليه سبحانه في إجلائه عن الأمة.
ولذلك جاءت السنة الشريفة بكلمة(صلوا في بيوتكم) وكذلك الكلمة المرادفة لها وهي (صلوا في رحالكم) فعن نافع قال: أذَّن ابن عمر في ليلة باردة بضَجْنَان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم يقول على إثره: (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر؛ (رواه البخاري ومسلم) ، وعن عبدالله بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عَزْمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض) (رواه البخاري ومسلم) ، وعن عمرو بن أوس يقول: أنبأنا رجلٌ من ثقيف أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم – يعني في ليلة مَطِيرة في السفر – يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، صلوا في رحالكم (رواه النسائي وأحمد).قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن يقول: ألا صلُّوا في رحالكم في نفس الأذان، وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه، والأمران جائزان، نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان، وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان، وفي أثنائه، لثبوت السنَّة فيهما، لكن قوله بعده أحسن، ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالفٌ لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما، لأن هذا جرى في وقت، وذلك في وقت، وكلاهما صحيح)،ويتضح من كل ذلك أنه يجوز للمؤذن حين العذر في الشتاء ،أو أي ظرف عصيب مشابه أن يقول: (ألا صلوا في رحالكم)، أو (الصلاة في الرحال)، أو (صلوا في بيوتكم) أثناء الأذان بدلًا من (حي على الصلاة) ، أو أن يقولها بعد انتهاء الأذان، والأمر في هذا واسع، سواء قالها في أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه، فكله جائز والحمد لله.
فالكلمة لها جذورها في السنة كما سبق، كما أن الظرف الحاصل له أصل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليبشر كل من تعلق قلبه بالمساجد أنه مع السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، كما في حديث البخاري ومسلم( سبعة يظلهم الله في ظله ….وذكر منهم رجل تعلق قلبه بالمساجد) ولذلك ما منعه عنها إلا العذر القائم.
ولا يفوتنا هنا التذكير بأن هذا الوباء ماهو إلا لسلسلة ومنظومة من العقوبات التي يؤدب الله بها عباده ليردهم إلى دينه ويذكرهم بأن المعاصي والذنوب وتفشي المنكرات واتباع الشهوات والتلاعب بنعمه في الأعراس والمناسبات وتضييع المساجد والصلوات ، وتجاهل نصح الناصحين ووعظ الواعظين، مجلبة لغضبه واستمطار لعذابه ونقمته، ألا وإن العذاب إذا حل بقوم فإنه يشمل الصالح والطالح، والطائع والعاصي، فعن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها غضبان يقول( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها فقالت له زينب رضي الله عنها: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث) رواه البخاري و مسلم ،يعني إذا كثرت المعاصي عم الهلاك ،وعمت العقوبات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الصحيح ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) رواه أحمد .
ألا وإن التوبة والاستغفار والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،سبيل للنجاة، ورفع للبلاء، وإحلال للخير، وإرضاء للمولى عز وجل، نسأل الله برحمته أن يرد الأمة إلى دينه وشريعته ردا جميلا، وأن يرفع عنا وعن المسلمين كل بلاء ووباء وغلاء وفتن إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.