الدروس الحية المستقاة من شهر الصيام والصبر… د.ناجي بن وقدان

إنَّ شهرَ رمضان شهرُ دروس عظيمة، وعِبَر جليلة، ينبغي على كلِّ مَن أدركه شهر الصوم أن يستفيد من دروسه، وأن يفيد مِن عِبَرِهِ، وأن لا يمضي هذا الشهر ضياعا عليه من الخير، وحرمانا من الفضيلة والعطاء. إن شهر رمضان مدرسة تربوية مباركة على العبادات الكاملات، والأخلاق الفاضلات، والطّاعات المتنوعات، التي جعل الله -جلّ وعلا- لهذا الشهر الكريم مزيدَ خصوصيةٍ فيها.

*إنّ مما يُربي عليه شهر الصيام تقوى الله -جل وعلا- كما قال الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].فالصيام يُرَبِّي على التقوى، ومن التقوى التي يربي عليها الصيام البعد عن الحرام، واجتناب الآثام. فالصائم يدع شرابه وطعامه وشهوته لأجل الله تبارك وتعالى، وخوفا من الله، ورغبة في موعوده الكريم، وثوابه العظيم، وفي هذا تربية مُثلى على اجتناب الحرام، والبعد عن الآثام.

*ومما يربي عليه الصيام الإخلاص للمعبود -جل وعلا-؛ فإن الصيام سرٌّ بين الله وبين الصائم لا يطلع عليه إلا الله -جل وعلا-؛ ولهذا قال الله سبحانه في الحديث القدسي: “الصيام لي وأنا أجزي به”، قال -جل وعلا- عن الصائم: “يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي”، فهذه -عباد الله- تربية للصَّائم على الإخلاص لله في عباداته كلها، وطاعاته جميعها.

*ومما يربي عليه شهر الصيام الصبر بأنواعه: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله.وقد ثبت في المسند عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “صيام شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر”.وفي هذا وصف من نبينا -عليه الصلاة والسلام- لشهر الصيام بأنه شهر الصبر، وذلك لما فيه من التربية على الصبر بأنواعه، الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي والآثام، والصبر على أقدار الله المؤلمات.

*ومما يربي عليه شهر الصيام المنافسة في الطاعات، والتسابق في العبادات بأنواعها، ففي المسند، عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: “إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَت الشياطين، وفُتِحَت أبوابُ الجنة فلم يغلق منها باب، وغلّقت أبواب النار فلم يفتح باب، وينادِي منادٍ، وذلك كل ليلة: يا باغيَ الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشّر أمسك، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة”، فهو شهر يتنافس فيه المؤمنون، ويتسابق فيه الـمُجِدُّون بأنواع الطاعات والعبادات، يرجون رحمة رب الأرض والسّماوات.

*ومما يربي عليه شهر الصيام التربي على مأدبة القرآن؛ فإن لرمضان خصوصيةً في القرآن، كيف لا؟ وقد قال الله -جل وعلا-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]، وكان بعض السلف إذا دخل شهر رمضان يقول: “إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام”.

*ومما يربي عليه شهر الصيام مواساة المحاويج، ومساعدة الفقراء، ودفع الصدقات، وبذل الإحسان، فهو شهر كرم وإنفاق، وبذل وعطاء، وجود وسخاء.والصائم يحس بحاجة الناس عندما يذوق شدة الجوع وألم العطش؛ فيدرك حاجة الفقراء، فتسخو نفسه، ويكثر جوده، ويعظم إحسانه، ويعظم تقربه إلى الله بالبذل والإنفاق.

ومما يربي عليه شهر الصيام الإقبال على الله بالتوبة والإنابة وطلب الغفران.ومَن لم يتحرك قلبه في شهر الصيام للتوبة إلى الله، والإنابة إليه، وطلب غفران الذنوب، فمتى عساه أن يتحرك؟ وفي الحديث الصحيح، عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “رَغِمَ أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ فلم يُغفَر له”، عياذا بالله من ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *