{فَإِنِّي قَرِيبٌ} مقام عظيم!!! … د. ناجي بن وقدان

بوستات ادعيه رمزيات مكتوب عليها دعاء | سوبر كايرو    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .وبعد:

مقام الدعاء مقام عظيم، وهو من أنفع الأدوية وأقواها للقلوب والنفوس ،لما فيه من خضوع القلب والنفس لخالقها والتضرع وإبداء الفقر والحاجة، والتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله عز وجل(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[1]،قال ابن كثير رحمه الله(يخبر تعالى بغنائه عما سواه ، وبافتقار المخلوقات كلها إليه ، وتذللها بين يديه ، فقال : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) أي : هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات ، وهو الغني عنهم بالذات، ولهذا قال : ( والله هو الغني الحميد ) أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له ، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ، ويقدره ويشرعه)[2].

والدعاء أصل في العبادة والطاعة، بل هو روحها ولبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(الدعاء هو العبادة)[3]،فالصلاة والصيام والحج والعمرة وغيرها من العبادات يدخل فيها الدعاء كما قال عز وجل آمرا عباده بالدعاء والتضرع(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[4]قال الشيخ السعدي رحمه الله(هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم)[5].

أهمية الدعاء :للدعاء أهمية عظيمة، وفضل كبير، واستشعار القرب من الله تبارك وتعالى، و تحقيق الأمن والطمأنينة، والأنس بقربه، وبث المطالب والحاجات بين يديه، فهو من يعطي ويمنع، وبيده خزائن السموات والأرض، وبالدعاء يحمي الله العبد من آفات البلايا والمحن والفتن، كما قال صلى الله عليه وسلم(لا يغنِي حذرٌ من قدرٍ والدعاءُ ينفعُ مما نزلَ ومما لم ينزلْ وإن البلاءَ ينزِل فيلقاهُ الدعاءُ فيعتلجانِ إلى يومِ القيامةِ)[6]،فإذا دعا العبد ربه بصرف مكروه متوقع أو بلاء نازل ،فإن الدعاء بإذن الله يحول بينه وبين ما ينزل، ولذلك جعله الله(أي الدعاء) بين آيات الصيام ،كما قال عز وجل(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[7]،وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله(في أحد الأسفار مع النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله أصحابُه(يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي)[8]،فالله عز وجل قريب مجيب الدعاء لمن دعاه وسأله.

الاستجابة محققة بشروط :

الأول :تحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، فالعقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص سبب قوي في استجابة الدعاء ،كما قال عز وجل(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[9]،قال ابن كثير رحمه الله(فأخلِصوا لله وحده العبادة والدعاء، وخالِفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم)[10]، فالدُّعاء والتّوحيد كما يقولُ ابن القيّم رحمه الله مفزعٌ لأولياء الله، ومفزعٌ لأعداء الله، ولو لم يكُن في الدُّعاء إلاّ صِدق اللُّجوء إلى الله عزّ وجلّ، وتحقيق التّوحيد لكفى! ولو لم يكُن في الابتِلاءات والشّدائد والمحن والفِتن إلاّ تحقيقَ التّوحيد لكفى[11].

الثاني :تحقيق الإيمان، فالإيمان هو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، والبعد عن الوقوع في المحاذير التي تنافي تحقيق الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته وهي التحريف، والتعطيل، والتمثيل، والتكييف. فإذا اختل الإيمان تعثر استجابة الدعاء ، وكل ما قوي الإيمان كانت الإجابة أسرع وأقوى ، وتقوية الإيمان إنما تكون بالاجتهاد في الطاعات واجتناب المعاصي والمحرمات.

حضور القلب :

فحضور القلب والخشوع والبعد عن الغفلة ، والعلم بأن الله قادر على كل شيء من أهم أسباب إجابة الدعاء.

البعد عن أكل الحرام :

الحذر من أكل الحرام، فالحرام من أشد موانع الإجابة ، فالإنسان يعتني بمأكله ومشربه وملبسه بأن يكون من الحلال، ويبتعد عما حرم الله عليه من الربا، وسائر المكاسب  المحرمة، كما قال  النبي صلى الله عليه وسلم( إن الله تعالى طيب، ولا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا)[12] وقال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ)[13] ثم ذكر الرجل، يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك[14] ، وهذا وعيد شديد يدل على أن تعاطي الحرام في المأكل والمشرب والملبس من أعظم أسباب حرمان الإجابة، وقال ابن القيم رحمه الله: (وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ( يعني الدعاء ) ويضعفها)[15].

تحري أوقات الإجابة :

تحري أوقات الإجابة، من أسباب الإجابة أن يتحرى أوقات الإجابة في جوف الليل، وآخر الليل، الثلث الأخير، أو بين الأذان والإقامة، وآخر الصلاة قبل أن يسلم بعدما يقرأ التشهد، ، والتعوذ بالله من أربع، يدعو قبل أن يسلم ، وكذلك ما بين أن يجلس الإمام لخطبة الجمعة، إلى أن تقضى الصلاة، إذا دعا في هذه الحال في سجوده، أو في آخر الصلاة قبل أن يسلم يوم الجمعة، وآخر ساعة من يوم الجمعة من بعد العصر، كل هذه من أوقات الإجابة.

عدم الاستعجال في الإجابة :

الاستعجال في الاستجابة منهي عنه ، وهو من الآفات التي تمنع قبول الدعاء كما جاء في الحديث ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي)[16]،فالعجلة في مثل هذا الموطن غير محمودة.

أن يكون الدعاء فيما أذن فيه الشرع :  

لا يُستجاب دعاء فيه إثم أو قطيعة رحم ، أو يكون فيه اعتداء في الدعاء ، كما قال صلى الله عليه وسلم (يستجاب

للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)[17]، ونهى الله عن الاعتداء في الدعاء فقال سبحانه (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[18].

حسن الظن بالله :

حسن الظن بالله والتيقن من الإجابة من أسباب الإجابة قال صلى الله عليه وسلم( يقول الله تعالى (أنا عند ظن عبدي بي)[19] ، وقال عليه الصلاة والسلام( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)[20].

هل الدعاء هَم أم الإجابة :

لا شك أن حَمْل هَم الدعاء أشد من انتظار الإجابة ، لأن ما عند الله قريب ومحقق إذا انْتُفيت موانعه ، لكن الهم كل الهم هو رفع اليدين واستمطار الفضل والخير من خزائن الله

تعالى ، ولذلك كان السلف رحمهم الله ورضي عنهم يحملون هم الدعاء ويجتهدون في اللجوء إلى الله جل وعلا مع يقينهم التام بأن الإجابة آتية والطلب محقق، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه( إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء)[21] فإذا أُلْهمتَ الدعاء عَلِمْت أن الإجابة معه، وفي هذا يقول القائل:

لو لم تُرِد بذل ما أرجو وأطلبه*من جود كفك ما عودتني الطلبا

والله سبحانه وتعالى يحب تذلل عبيده بين يديه وسؤالهم إياه وطلبهم حوائجهم منه وشكواهم إليه وعياذهم به منه وفرارهم منه إليه، ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله(وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك فإذا جماع الخير الدعاء)[22].

قالوا أتشكوا إليه *** ما ليس يخفى عليه

فقلت ربي يرضى *** ذل العبيد لديه

فاجتهد يا رعاك الله في الدعاء وتلمس مواطن الدعاء وأوقاته.

الإلحاح في الدعاء :  

الإلحاح في الدعاء من أنفع الأدوية ومن أحب الأعمال إلى الله، فالله يحب من عبده الإلحاح والتذلل في الدعاء، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يلح على ربه ويكرر في الدعاء،  ولذا كان دعاءُ الإلحاحِ أفضلَ الدعاءِ، قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه(لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ(اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَة[23].وقال ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه(كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا دعا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا)[24]، وقال ابنُ رجبٍ(فما دام العبدُ يُلحُّ في الدعاءِ، ويَطمعُ في الإجابةِ من غيرِ قطع الرَّجاءِ، فهو قريبٌ من الإجابةِ، ومنْ أدْمَنَ قرعَ البابِ، يُوشك أن يُفتح له)[25]،وقال الْأَوْزَاعِيّ ُرحمه الله(يُقَالُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ)، وقال ابنُ القيمِ(ومن أنفعِ الأدويةِ الإلحاحُ في الدعاءِ).

والمقصود أن باب الدعاء باب عظيم، فحري بالعبد ألا يمل الدعاء كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا)[26]،وعلى العبد الدعاء بجوامع الدعاء وما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وما جاء في القرآن الكريم فكلها خير وبركة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.  

[1] سورة فاطر 15.

[2] تفسير ابن كثير ص 436.

[3] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

[4] سورة غافر 60.

[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 474.

[6] صحيح الترغيب والترهيب من حديث عائشة رضي الله عنها.

[7] سورة البقرة 186.

[8] الإستقامة لابن تيمية 1/139،وفي سنده ضعف ولكن معناه صحيح.

[9] سورة غافر 14.

[10] تفسير ابن كثير 4/112.

[11] كتاب الفوائد ص 57.

[12] سورة المؤمنون 51.

[13] سورة البقرة 172.

[14] رواه مسلم.

[15] الجواب الكافي لابن القيم رحمه الله.

[16] رواه البخاري ومسلم.

[17] رواه مسلم.

[18] رواه مسلم.

[19] رواه البخاري ومسلم.

[20] رواه الترمذي وحسنه الألباني.

[21] مدارج السالكين 3/103.

[22] مدارج السالكين 3/104.

[23] رواه مسلم.

[24] رواه مسلم.

[25] كتاب أسباب المغفرة لابن رجب الحنبلي.

[26] رواه البخاري ومسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *