المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء…… د. ناجي بن وقدان

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

المعدة ذلك الوعاء الصغير القابل للتمدد كلما زادت كمية الطعام عليه وزادت عن الحد المُعد له، وقد بين العلماء والأطباء المتخصصين من قديم وحديث مكونات المعدة وأعضاءها ومما تتكون، وبينوا كذلك ما يصلحها ويفسدها ويمرضها من أنواع الأطعمة والأشربة ،وأن بصحتها وسلامتها تكون صحة صاحبها وسلامته وصفاء عقله وتفكيره.

ومما يلاحظ في أحوال الكثير من المسلمين اليوم كثرة أدواءهم وعللهم،وتنوع أمراضهم ، فإذا عُرضت أحوالهم على أهل الإختصاص وُجد الكثير منها إن لم تكن كلها منشؤها من المعدة ،إما من إفراط أو تفريط في التغذية وأنواعها ومنافعها وسلبياتها وإما تشويش في التفكير والمزاج وتقلب الأحوال والآراء واتخاذ القرار. ولقد حذَّر نبينا صلى الله عليه وسلم أشد تحذير من العبث والإفراط والتفريط والتعامل السيء مع المعدة وجعلها بيت للشر والداء والحرام ،بحسب سوء تصرف ابن آدم في مأكله ومشربه ومكسبه ،ومن المعلوم أن أي بأس يصيب المعدة ،فإن الجسم بأكمله يتأثر بتأثرها، فالإفراط فى تناول الطعام بصورة مبالغ فيها أو إدخال ما يعارض فطرتها مما لا يحل قد يؤدى إلى معاناة الشخص من عدة أمراض أو زيادة الوزن الذى يؤدى إلى السمنة والتى تقود بالتالى إلى مشكلات صحية، والكثير منها يأخذ وقتا طويلا في العلاج،وقد لا يبرأمنها في وقت يسير ،فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه بحسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي، فقوله صلى الله عليه وسلم(ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه)، الوعاء هو: الظرف الذي توضع فيه الأشياء، والبطن هو: الذي يوضع فيه الطعام، وإذا أُكثر من الطعام أدى إلى تخمة وصار ضرراً وشراً على صاحبه، وذلك لما ينتج عنه من الكسل والخمول والفتور، وما يحصل عنه أيضاً من الأمراض والأمور المنغصة لحياة الإنسان.

ولذلك أرشد نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المثلى في الأكل والشرب وهي أخذ الكفاية، ثم بين هذه الكفاية فقال عليه الصلاة والسلام(بحسب امرئ) أي: يكفيه (أكلات يقمن صلبه)، أكلات: جمع أكلة، أي: لقيمات يقمن صلبه، وصلبه هو ظهره، وذلك أنه إذا أكل الإنسان باعتدال وحصل له التغذي بالطعام فإنه يكون عنده نشاط وتكون عنده قوة وفيه حياة، وإذا ذهب عنه الطعام إلى الجوع المفرط، أدى به ذلك إلى السقام وإلى المرض، وربما أدى به ذلك إلى الموت بسبب الجوع.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (بحسب) الحسب هنا بمعنى الكافي، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنفال 64، أي: كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين، وقد مر في حديث أبي هريرة: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، أي: لو لم يكن عنده من الشر إلا هذا لكان كافياً لهلكته، فكيف إذا كانت عنده شرور أخرى، وضغائن شتى، فإن ذلك شر إلى شر وضرر إلى ضرر.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أن هذه الأكلات هي التي يحصل بها إقامة الصلب وكفى ، وليس ملئ البطن وإغلاق منافذ البدن وراحته.

فهنا ثلاثة أحوال للناس في قضية الموازنة في إطعام البدن: فالحالة الأولى: حال من يأكل بنهم دون وعي حتى يملأ بطنه، وهذا بلا شك يتعرض لألوان الأمراض والأسقام وما يتبعها من  الكسل والخمول وسموم البدن، وتعكر المزاج، وتعطل التفكير، والهزالة في آداء الطاعات.

والحالة الثانية: حال من يأتي بالطريقة التي فيها الكفاية، وهي الأكلات التي يقمن صلبه، وإذا كان ولا بد فهناك شيء بين الكفاية والامتلاء، وهو أن يملأ الثلثين، الطعام والشراب.

الحالة الثالثة: يبقي ثلثا فارغا يكون فيه مجال للتنفس وهضم الطعام، والحالة الثانية والثالثة هي المشروعة وفيها قوام البدن وسلامته، وفيها العون العظيم للقيام بما أوجب الله على الإنسان من مهام وتكاليف،والحالة الأولى هي الشر المستطير.

وما وقع الناس اليوم في أمراض متعددة، وأسقام وسموم متنوعة لم تُعرف في أسلافهم إلا بسبب الإفراط واتباع الهوى، والتفاخر بالإستكثار من الأكل وتحميل البدن مالا يُطيق، فضاعت لهم بذلك مصالح كثيرة، وعطلوا أبدانهم وحياتهم عن ما خُلِقوا له.

وقد أثبت  الطبيب العربي الشهير الحارث بن كلدة، وهو من أشهر أطباء العرب قبل الإسلام، ويقال أنه أسلم ومات في خلافة عمر رضي الله عنه، ذكره بعض أهل العلم ، قال ابن دريد رحمه الله(كان طبيبَ العرب في زمانه، وأسلمَ، ومات في خلافة عمر ) الاشتقاق ص 305 ، أثبت ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عبارته المشهورة ( المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) ، وذلك من خلال التجارب  التي توصل إليها ، فقد تجاوزت مقولته المرحلة النظرية إلى أن تكون أقرب للحقيقة العلمية، بل أصبحت أهم فكرة أثرت في الطب الحديث إثباتا لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

والخلاصة فيما سبق أن كثيرا من أمراض الإنسان لها علاقة طردية بما يتناول من غذاء، ولها علاقة بمقدار ما يأكله ومدى إفراطه أو تفريطه فيما يأكل ويشرب، وكذلك نوعية الغذاء فكلما كان غذاء المرء طبيعيا بعيدا عن المعلبات والمواد الحافظة ورديء المنتجات ،كلما كانت صحته افضل، وحياته أجمل وأسعد.

ألا وإن الناظر إلى أحوال السلف الصالح رضي الله عنهم ،ليرى الموازنة والإعتدال في مأكلهم ومشربهم رغم ما مر بهم من الجوع والفقر وشظف العيش، فعاشوا بوافر صحة وقوة في مواجهة ومكابدة أعداء الله ، فكانوا لا يأكلون حتى يُحسوا بالجوع وإذا أكلوا لا يملأون بطونهم ، ولذلك كان إدخال الطعام على الطعام مرض ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله (أن أكثر الأمراض التي تصيب الناس منشؤها من الإفراط في الأكل والازدياد دون حاجة) وقد أحسن الإمام الشافعي رحمه الله حين قال:

ثَلاَثٌ هُنَّ مُهْلِكَةُ الأَنَامِ***وَدَاعِيَةُ الصَّحِيحِ إِلَى السِّقَامِ

دَوَامُ مُدَامَةٍ وَدَوَامُ وَطْءٍ***وَإِدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ

فإدخال الطعام على طعام قبله للتشبع مرض وعلل ،ونتائج ذلك وبال على صاحبه.

والإنسان جسدٌ وروحٌ، لكل واحد منهما غذاؤه الذي يحافظ به على حياته، ونموّه، وبقائه، وقد أسهب العلماء قديمًا وحديثًا في الكلام عن أغذية الرُّوح، وعُنُوا عنايةً فائقةً في الكلام على ما يصيب الأرواح والقلوب من أسقام، وآفات تُكَدِّر صَفْوَ حياة الإنسان، فتصير حياته جحيمًا دنيويًّا، قبل أن يذوق جحيم الآخرة، وجعلوا العمدة في ذلك قوله تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) فذكر الله على عمومه بما فيه القرآن الكريم والأوراد غذاء ضروري للروح لا تسعد ولا تحيا إلا به، ومع الأسف الشديد فقد اهتم السواد الأعظم من الناس اليوم بغذاء البدن اهتماما تجاوز الحد، مغفلين غذاء الروح وهو الأهم،والذي تسموا به نفس الإنسان وترتقي به إلى معالي الأمور في الدنيا والآخرة.

وقد نهى الله تعالى عن الإسراف في المأكل والمشرب، وجعل المسرفين خارج دائرة محبته ورضاه، بل وجعلهم إخوانا للشياطين الذين يضلون الناس ويحملونهم على الإسراف والتبذير، فقال عز وجل( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ، وقال سبحانه( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء 26-27 ، قال ابن عباس رضي الله عنهما(أحل الله الأكلَ، والشربَ، ما لم يكن سرفًا، أو مخيلة) ، وقال أبو الليث السمرقندي في معنى الإسراف (هو أن يأكل مما يحل له أكله فوق القصد، ومقدارِ الحاجة) ، وقال الإمام الماوردي (لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع، فإنه مُضِرٌّ، وقد جاء في الحديث(أصل كل داء البردة) ،والبردة التخمة وهي: ثقل الطعام على المعدة.

ولا شك أن الإسراف عواقبه عظيمة، وأضراره جسيمة، على مسار الإنسان وصحته وعلاقته بربه جل وعلا، فمن تلك الأضرار:

1-  الضرر الشرعيٌّ: وهو الوقوع فيما نهى الله ورسوله عنه، على قول من يقول بالحرمة فيمن أكل زيادةً على حاجته، وجاوز حد الشبع ، ومخالفة أمر الله ورسوله مهلكة وأيما مهلكة، قال عليه الصلاة والسلام(كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير مخيلة) رواه البخاري .

2- الضررٌ الذي يلحَقُ بالبدن، أو يؤثر فيه سلبًا، أو عضو من أعضائه، وقد جاء الشرع بتحريم كل ما يضر ببدن الإنسان وحياته، لأن الإنسان كله ملك لله ،فلا يجوز له التصرف والإضرار بملك غيره، وقد جاءت الشريعة بحفظ الضروريات الخمس ومنها النفس والنسل، يقول عليه الصلاة والسلام( لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه والنهي يقتضي التحريم. فقتل النفس لا يجوز بحالٍ من الأحوال وقد جاء النهي الأكيد والوعيد الشديد لمن قتل نفسه قال الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (195) سورة البقرة.

 

وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} (29- 30) سورة النساء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري والمسلم.

 

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بشيءٍ في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم.  

3- الضرر الذي يلحَق بالقلب والعقل، أو يؤثر فيه سلبًا، فيعوقه عن بعض مهامِّه، أو عن القيام بها على الوجه الأكمل، جاء في وصايا لقمان لابنه(يا بني، إذا امتلأتِ المعدة، نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة) وذكر الغزالي فوائد الجوعِ، وآفات الشبع، وهي خمس فوائد قيمة:

الفائدة الأولى: أن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخار في الدماغ، فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار، وعن سرعة الإدراك.

الفائدة الثانية: أن الشبع يفسد رقَّة القلب وصفاءَه، الذي به يتهيَّأ لإدراك لذَّة المثابرة، والتأثُّر بالذكر، ونقل عن أبي سليمان الداراني قوله(إذا جاع القلب وعطش، صفا ورَقَّ، وإذا شبع عمي وغلظ).

الفائدة الثالثة‏:‏ الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا برى عزة مولاه ولا قهره وإنما سعادته في أن يكون دائماً مشاهداً نفسه بعين الذل والعجز ومولاه بعين العز والقدرة والقهر فليكن دائماً جائعاً مضطراً إلى مولاه مشاهداً للاضطرار بالذوق ولأجل ذلك لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏”‏ لا بل أجوع يوماً وأشبع يوماً فإذا جعت صبر وتضرعت وإذا شبعت شكرت أو كما قال ‏”‏ فالبطن والفرج باب من أبواب النار وأصله الشبع‏،والذي والانكسار باب من أبواب الجنة وأصله الجوع‏،ومن أغلق باباً من أبواب النار فقد فتح باباً من أبواب الجنة بالضرورة لأنهما متقابلاً كالمشرق والمغرب فاقرب من أحدهما بعد من الآخر‏.‏

الفائدة الرابعة‏:‏ أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا ويتذكر بلاء الآخرة فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة ومن جوعه جوع أهل النار حتى إنهم ليجوعون فيطعمون الضريع والزقوم ويسقون الغساق والمهل فلا ينبغي أن يغيب عن العبد عذاب الآخرة وآلامها فإنه هو الذي يهيج الخوف فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء وأولى ما يقاسيه من البلاء والجوع فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب الآخرة‏،وهذا أحد الأسباب الذي اقتضى اختصاص البلاء بالأنبياء والأولياء والأمثل فالأمثل،ولذلك قيل ليوسف عليه السلام‏:‏ لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض فقال‏:‏ أخاف أن أشبع فأنسى الجائع،فذكر الجائعين والمحتاجين إحدى فوائد الجوع فإن ذلك يدعو إلى الرحمة والإطعام والشفقة على خلق الله عز وجل‏،والشبعان في غفلة عن ألم الجائع‏.‏

الفائدة الخامسة: إن الإفراط في الشبع يزيدُ في قوة الشهوات، وهي منشأ المعاصي، ونقل عن ذي النون المصريِّ قوله( ما شبعتُ قطُّ إلا عصَيتُ، أو هممتُ بمعصية.

واعلم يا رعاك الله أنه لم يردْ في الشرع الحكيمِ فيما نعلم لا في الكتاب ولا في السُّنَّة تحديدُ عدد وجباتِ اليوم الواحد، لأن الناس اليوم إلا القليل ،إعتاد الإكثار من الوجبات وليسوا في الحقيقة على حاجة بها وإنما بهدف التشبع،وهذا مردوده سيء على الصحة والنشاط،ويورث الأسقام والعلل،ويعطل على الناس أوقاتهم وأعمالهم بالتنقل بين المستشفيات والعيادات وإنفاق الأموال الطائلة لطلب الشفاء والعافية، وهم في الأصل هم السبب في أدواءهم وأسقامهم، وهدي الله ورسوله والسلف الصالح خير هدي، وجدار مانع من كل ذلك، فلو أخذ الناس بمقتضى الآيات والأحاديث، لعاشوا في صحة وسعادة وتوفير للأموال والأوقات، ولا يعني ذلك نسيان مواطن الابتلاء والامتحان بالأمراض وغيرها مما يتعرض له  المؤمنين ويؤجرون عليها فلا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، ولا تعارض ولا تضاد بين ذلك وبين ما سبق ذكره.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن المأكل والمشرب المكتسب من الطرق المحرمة ،له دور كبير في محق البركة، ورد الدعاء، وتعاقب الأسقام والبلايا والمصائب، وسبب من أساب دخول النار، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الترمذي ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ) ورواه أحمد ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، : تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا ) البقرة  168  ، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: يا سعد ، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف بلقمة الحرام في جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا، فالنار أولى به ) رواه الطبراني في  الأوسط ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) رواه مسلم .

والحاصل: أن على المسلم أن يكون متوسطا ومعتدلا في ماكله ومشربه وملبسه ونفقته، مهتديا بهدي الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، ليعيش حياة طيبة بعيدا عن المنغصات ومكدرات العيش، ويحضى برضاء خالقه وفضله وأجره،( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) الإسراء 9 ، (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) رواه أبو داود والترمذي . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *