هل السلوكيات المنحرفة والتصرفات الخاطئة لها علاقة بالصلاة؟؟؟ !!!!! د. ناجي بن وقدان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

من المُسَلَّم به في دين الله عز وجل والذي لا خلاف فيه أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وعن كل سلوك لا يتوافق مع أخلاق الإسلام، وإذا كان الأمر كذلك فأين الخلل إذا؟ .

لقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن الصلاة تحارب كل قول أو فعل أو سلوك يخالف القِيم والأخلاق، فقال سبحانه(إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )[1] ،وعن عبد الله بن مسعود قال(لاَ تَنْفَعُ الصَّلاَةُ إِلاَّ مَنْ أَطَاعَهَا)[2]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( نَفْسُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمَعَاصِي ، وَنَفْسُ تَرْكِ الْمَعَاصِي يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، فَالصَّلَاةُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَهْيُهَا عَنْ الذُّنُوبِ . والثَّانِي تَضَمُّنُهَا ذِكْرِ اللَّهِ)[3]، وقال ابن عاشور رحمه الله

( الصلاة تشتمل على مذكرات بالله من أقوال وأفعال من شأنها أن تكون للمصلي كالواعظ المذكر بالله تعالى ، إذ ينهى سامعه عن ارتكاب ما لا يرضي الله ، وهذا كما يقال : صديقك مرآة ترى فيها عيوبك)[4].

والناس في الانتهاء من آداء الصلاة متفاوتون ، وكل على قدر انتفاعه بصلاته في الانتهاء عن الفحشاء والمنكر ،ولذلك كان من حكمة الله أن جعل الصلوات موزعة على أوقات من النهار والليل ، وذلك ليتجدد التذكير والتأثر ويتعاقب الخوف والاتعاظ ،وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس ، وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى لباس لها .

وفي ذلك خاصية إلهية جعلها الله في الصلاة ، يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق ، فقال( سينهاه ما تقول ) أي صلاته بالليل.[5]

وقال السعدي رحمه الله ( وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أن العبد المقيم لها ، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها ، يستنير قلبه ، ويتطهر فؤاده ، ويزداد إيمانه ، وتقوى رغبته في الخير ، وتقل أو تعدم رغبته في الشر ، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها )[6].

هل نحن مقيمون للصلاة حقا؟

لماذا تسوء أحوالنا وتختل موازيننا وتضطرب تصرفاتنا وتفلت

ألسنتنا بما يسوء من القول وتجتال الشياطين الكثير من الناس بالحسد والبغضاء والإحن رغم أننا نؤدي الصلاة؟

الجواب على ذلك أن هناك فرق كبير بين الأداء والإقامة للصلاة، ولعل حب الصلاة ومكانتها في النفس بين الضعف والقوة لها تأثير مباشر، فمن وصل إلى رتبة أن تكون الصلاة قرة عينه فقد بلغ المبلغ في تحقيق الفائدة العظمى من الصلاة، قال ابن القيم رحمه الله( فمن قَرَّت عينه بصلاته في الدنيا قَرَّت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة)[7]، وكما قيل من ضبط صلاته َضُبِطَت له أمور حياته، ومن أحكم صلاته تَحَكَّم في جميع انفعالاته وأخلاقه.

فالكل يؤدي الصلاة، ولكن القلة القليلة من يقيمون الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها وخشوعها والإخبات فيها. وإن الناظر إلى أحوال الناس اليوم مع صلاتهم ليرى العجب العجاب من التهاون المُقيت بداية من التهيؤ لها وإجابة المؤذن ونهاية بالخروج منها بالتسليم، تهاون في المجيء إليها، وتهاون في تأديتها جماعة مع المسلمين حيث تُقام، والأعظم من ذلك تهاون في إقامتها كما شرعها الله وأرشد إليها نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الحديث(إنَّ الرَّجلَ لينصَرِفُ وما كُتِبَ لَهُ إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها نِصفُها)[8]، ومن صفات المؤمنين الخشوع والطمأنينة في الصلاة، قال ابن عثيمين رحمه الله( والخشوع هو سكون النفس وحضور القلب، وامتثال الجسد، بحيث يكون حين صلاته خاشعاً لله عز وجل، معرضاً عن كل ما سواه، لا تحدثه نفسه بشيء، وإنما هو مقبل على صلاته كل الإقبال، يتدبر ما قرأ، ويتأمل ما فعل، ويتقرب إلى لله عز وجل بهذه الصلاة، ويأتي بها على السنة التي جاءت بها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من شرع في صلاته وهو يحدث نفسه، ويجول في قلبه يميناً وشمالاً، فإن هذا ليس بخاشع)[9].

 إن الصلاة لا تكون مقبولة ولا تحصل الغاية العظمى منها ولا يرتقي العبد بها في أخلاقه وتصرفاته واتزان كلامه إلا إذا تحقق فيها أمران:

الأول: الإخلاص لله جل وعلا بها وأنها عبادة عظيمة لا تكون إلا لله خالية من سويداء الرياء والسمعة واستمالة قلوب الناس بها لطلب المديح والثناء، كما قال سبحانه(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[10]، إن استقامة دين العبد لا تتم إلا باستقامة صلاته وخلوها من كل ما يلوثها ويضيع مكانتها.

الثاني: المتابعة لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والعمل بهديه ، والسير على سنته قولا وعملا ، ظاهرا وباطنا، وتغليب هديه على كل هدي، وهواه على كل هوى، كما قال صلى الله عليه وسلم(لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ)[11]، وهذا يقتضي نفي كمال الإيمان عمن لا يكون هواه تبعا لما جاء به عليه الصلاة والسلام.

والصلاة لا تكون صحيحة مقبولة إلا إذا اشتملت على هديه عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأفعال والحركات، والطمأنينة والخشوع، فهو قدوة الخلق أجمعين، كما قال جل وعلا(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[12] ، وكما قال صلى الله عليه وسلم( صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي)[13].

فعلى العبد أن يحرص على صلاته ويؤديها كما أمر الله ورسوله، ولا يشغله عن آدائها شاغل، ولا يلتفت أثناء تأديتها إلى ما يرد عليه من الوساوس والأفكار التي بها يضيع جهده ويضيع عمله وتضمحل حسناته، وينعكس ذلك على أخلاقه وتصرفاته وعدم مراعاته للواقع، وتسرعه في إصدار الأحكام الجائرة المخالفة للحقائق، أو الظن السيء بالعباد، أو التهور والاستجابة السريعة للغضب المفضي إلى الفتن والمصائب، وخصوصا في خُلُق الصبر الذي للصلاة دور عظيم في تحقيقه، كما قال تعالى(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[14] ، وقال عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[15]، والرجال والنساء سواء في ذلك، فالشيطان ينفر من الخاشعين في صلاتهم ولا ينال منهم كما ينال من غيرهم. إذاً أقم صلاتك تستقيم جميع أمورك. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

[1] سورة العنكبوت 45.

[2] رواه ابن أبي شيبة 13 / 298 .

[3] مجموع الفتاوى 10/753.

[4] التحرير والتنوير لابن عاشور تفسير آية العنكبوت 45.

[5] رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح.

[6] تفسير السعدي ص 632.

[7] الوابل الصيب ص 23.

[8] رواه أبو داود من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه.

[9] الموقع الرسمي لفضيلته.

[10] سورة البينة 5.

[11] رواه البيهقي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

[12] سورة الأحزاب 21.

[13] صححه الألباني من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

[14] سورة البقرة 45.

[15] سورة البقرة 153.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *