الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
من المفارقات العجيبة والدلالات المتميزة في القرآن الكريم ما جاء في قول الله تعالى( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) حيث جاءت كلمة (كَسَبَتْ) بعد كلمة (لها)، وجاءت كلمة(اكْتَسَبَتْ) بعد كلمة (عليها) ومن المعلوم أن الكسب إذا جاء منفرداً فهو يعني الخير والشر، وإذا جاء مجتمعاً مع الاكتساب فهو يعني الخير ، ولذلك قال( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) جاء في بدائع الفوائد (2/ 307) ما نصه (وقد خُصَّ الخير بالكسب والشَّر بالاكتساب، لأنَّ في اكتساب الشَّرِّ والمعصية تكلُّف وطَلب جهد واندِفاع لشَهوة النَّفس وهواها، فهي مُندفعة إليه وأمَّارة به، فكانت في تَحصيله أعمَل وأجدُّ، ولماَّ لم تكن النَّفس كذلك في باب الخَير، وُصفَت بما لا دلالة فيه على التَّكلُّف، فكَسب الخير يتحقَّق بأدنى مُلابَسة، ولو بمجرَّد الهَم)انتهى.
ولذلك كان في اجتماع الكسب والاكتساب في آية واحدة غاية مهمة، ليتحقق مراد كل منهما على حدة وبدلالة خاصة في الخير والشر ، فاجتماعهن وتفرقهن بمعنى مختلف، دليل على هذا الإعجاز العظيم في كتاب الله عز وجل، وكثير من هذا النوع من المفارقات والعجائب اللغوية والمعنوية والبلاغية في القرآن الكريم وهي أكثر من أن تحصى، وصدق الله حين قال(لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.