من المسَلَّم به عقيدة وشرعا أنه لا يتم ولا يدور ولا يحدث في هذا الكون شيء إلا بأمر الله وقدره ومشيئته، فكل ما يجري في هذا الكون، أو يحدث فيه من حركة، أو سكون، صغيرا كان أو كبيرا، هو بقضاء الله تعالى وقدره، كما دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن، والسنة، فقد قال الله تعالى( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) {القمر:49}، وقال عز وجل( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) {الفرقان:2}، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات، والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم( كل شيء بقدر، حتى العجز، والكيس) أخرجه مسلم ، ويدخل في ذلك سقوط الأوراق، وشراء الأشياء، فكل ذلك قد قدره الله تعالى، وكتبه في اللوح المحفوظ، فقد قال سبحانه( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) {الأنعام:59}، قال البغوي: يعني أن الكل مكتوب في اللوح المحفوظ.
وقال سبحانه( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) {الحج:70} ، قال ابن كثير رحمه الله (يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنه محيط بما في السموات، وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات، والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) رواه مسلم .
إن الوضع القائم للعالم اليوم ،يدعوا إلى وقفة تأمل لهذا العالم المضطرب بالخوف والقلق والهلع من فيروس دقيق لا يرى إلا بأدق المجاهير، نشر الرعب حتى في البلاد التي لا يوجد فيها، عجزت المعامل الطبية والأبحاث المخبرية أن تجد علاجا فعالا لهذا الفيروس للقضاء عليه،مما اضطر الصين وغيرها إلى قتل مواطنيها المصابين به علنا في الشوارع حماية لبقية الشعب.
وكرونا هو داء من الأدواء والأسقام التي أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتوقي منها،وذلك بالدعاء والتضرع إلى الله،وحثنا على التحصنات والأذكار الصباحية والمسائية التي من شأنها حفظ العبد مما قد يصيبه، أو تخفف وطأة البلاء عليه فيما لو قدره الله عليه،ولا يشك عاقل في أن فيروس كرونا جندي من جنود الله يبعثه على من يشاء،فإن لله جنود السموات والأرض ولا يتأتى لمؤمن أن يصرفه عن ملكوت الله، وإن الناظر إلى ما قصه الله علينا في القرآن الكريم،وما جاءت به السيرة النبوية من إرسال الأفات والأوبئة والعقوبات على الأمم السابقة المكذبة برسل الله،مما لا يتسع المقام لذكره،لهي دليل على أن فيروس كرونا ماهو إلا لسلسلة من الأوبة المتعاقبة والمتنوعة يرسلها الله بمشيئته على من يشاء.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة بالله من ( مِنْ الْبَرَصِ ، وَالْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود ، وسئ الأسقام يندرج تحته كرونا وغيره من الأوبئة والأسقام الضارة والقاتلة، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ 🙁 مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ) رواه أبو داود والترمذي ،وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ ، قَالَ ( أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ،لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم ، وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : ( أَصَلَّيْتُمْ ؟ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) رواه الترمذي وأبو داود.
إن المعاصي والذنوب وتجاهل أحكام الله والسعي في الأرض بالفساد ،وترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعاطي المحرمات وترك الواجبات، والمجاهرة بمخالفة شريعة الله ،أسباب موجبة لغضب الله ونقمته، وحلول لأنواع من العقوبات كالآفات والزلازل والفيضانات والفقر والمجاعات والكوارث والحروب والخوف وتسليط الأعداء والأمراض والعلل وغيرها على اختلاف أسماءها ومصطلحاتها التي لم يعرفها الأسلاف ،كما قال عز وجل(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف 97-99 ، و عَنْ حُذيفةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ) رواه الترمذي،وقوله صلى الله عليه وسلم((لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) رواه ابن ماجه ،إلى غيرها من الأدلة التي تدل على أن سنن الله لا تحابي أحدا ،وأن ليس بين الخلق والخالق نسبا و رحما إلا بطاعته وامتثال أمره.
ولو أن الأمة خافت ذنوبها ومعاصيها، واتقت الله ربها،وامتثلت أوامره، واجتنبت مخالفة أمره، لما أذاقها الله لباس الخوف والهلع من هذا الفيروس الفتاك ،وإن الله لا يرفع بلاء إلا بتوبة،ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،كما قال عز وجل(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسم(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) الرعد 11 ، فالمفترض في الأمة الاتعاظ والحذر والعودة إلى الله،والأخذ على أيدي سفهاءها درءً وحفظا من عقويات الله ونقمته.وصلى الله وسلم على نبينا محمد.