{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا * وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} …. د. ناجي بن وقدان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد :

ما من أحد من الناس إلا ويتمنى على الله أن يُحَرمه على النار ويدخله الجنة، وهذه أمنية صالحة إذا تحققت أسبابها، لأن من الناس من يتمنى على الله ولا يسلك مسالك الأسباب، فأنى له بلوغ أمانيه!! ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله(الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ)[1]، فالمسلم الحصيف يبذل الأسباب، ثم يُتبعها بالدعاء، حتى في أمور الدنيا، لا تتحقق هذه الأمور إلا بفعل أسبابها.

قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ ؟ قال ( اعقِلْها وتوكَّلْ )[2]، ففعل الأسباب مطلوب، وتركها فشل، والاعتماد عليها فقط شرك.

وقد وصف الله النار بأبشع الأوصاف للتنفير منها والبعد عنها ولكي يتوقاها ابن آدم بامتثال أوامر الله ونواهيه، تلك النار التي عَكَّرت صفو العيش، فأيقظت ضمير الغافل ، وأسهرتْ ليلَ العابد، وأَبْكَت عين المتقي، إنها لظى، نزَّاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، ورد فيها من النصوص التي تصفها وتصف أصناف العذاب فيها بما لا يستطيع بشرٌ أن يتخيَّله، ومِن أنواع الذُّلِّ والهوان ما لا يستطيع أحدٌ أن يتحمَّلَه، عسى أن يكونَ في ذلك ذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد، فيعود ويؤوب ويتوب ويتقي الله في سره وجهره.

فعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لا تزال جهنم يُلقَى فيها وتقول: هل مِن مزيد؟ حتى يضع ربُّ العزَّة فيها قدمَه، فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط، بعزَّتك وكرمك)[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(الشمس والقمر ثَوْرَان مُكَوَّرانِ في النار يوم القيامة)[4]أي مَطويَّانِ، قد ذهَبَ ضَوْءُهما، وقيلَ: يُلَفَّانِ ويُجمَعانِ، ثم يُلقَيانِ في النَّارِ. وعن مجاهد قال: قال ابن عباس: أتدري ما سعة جهنم؟ قلتُ: لا، قال: أجل والله ما تدري، حدَّثَتْني عائشة أنها سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)[5] ، قالت: قلت: فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: (على جسر جهنم)[6] ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(هذا حَجَر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فلهو يهوي في النار الآن حين انتهى إلى قَعْرِها)[7]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم)، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافيةً قال(فضلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرِّها)[8] ، إلى غير ذلك من الأوصاف التي يقشعر منها البدن، ناهيك عن شررها(إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ)[9]، وظِلها(انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ)[10]، وريحها(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ)[11]، وصوتها(سمعوا لها تغيظا وزفيرا)[12] (سمعوا لها شهيقا وهي تفور)[13]، وخزنتها(وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَـكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[14]،( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)[15]، وأبوابها(لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)[16]، أجارنا الله جميعا منها.

 

{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} :  من هم ؟

أما المؤمنون والصالحون من العباد فهم في منأى عنها، لا يسمعون لها صوتا ولا يُحسون لها حرا ولا يشمون لها ريحا، منعمين بما آتاهم الله من فضله ونعيمه الذي لم تسمع به أُذُن ولم تره عين، {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}،قال الإمام الطبري رحمه الله( أي  لا يسمع هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى حسيس النار ، ويعني بالحسيس الصوت والحس ، فإن قال قائل : فكيف لا يسمعون حسيسها ، وقد علمت ما روي من أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة فتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفا منها ؟ قيل : إن الحال التي لا يسمعون فيها حسيسها هي غير تلك الحال ، بل هي الحال التي ، قال عنها ابن عباس قوله ( لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ) يقول: لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة، وقوله(وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ) يقول: وهم فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذاتها ماكثون فيها ، لا يخافون زوالاً عنها ولا انتقالاً عنها)[17] .

إنه لمن أجمل اللقاء، وأرقى الاستقبال، وكرم الضيافة لأهل التقوى والصلاح والإيمان، بعد العناء والكبد الذي لقوه في الحياة الدنيا، أن يحجب الله عنهم ما يزعجهم ويضيق صدورهم، وينغص لذتهم، ويتركهم يتنعمون بما وعدهم من النعيم العظيم، وترحب بهم الملائكة الكرام ، وتطمئنهم بحلول ما وعدهم الله في الحياة الدنيا من الفضل والكرامة(وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، لا يحسون بفزع ولا خوف مما يرون  من الأهوال والكروب، كما قال تعالى( لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[18]، قال الشيخ السعدي رحمه الله(أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر، وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه، وأن الله قد أمنهم مما يخافون)[19] .

فأين المُشَمرون ؟

إن الجنة سلعة الله الغالية لا ينالها إلا من قدم حقها، وبالغ في مهرها، واستوجب دخولها، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، وترك الهوى واتباع نزوات النفس، وقام بما أوجب الله عليه من الطاعة والعبادة، وأردفها بالنوافل والمستحبات، واتقى الله في سره وجهره، وظهوره وخلوته، فإن قوماً أرادوا الجنة بثمن بخس، وبضاعة مزجاة، وإن الله قد أبان الطريق الموصل إلى الجنة، وهدى الجميع لسلوكه، ولكن ابن آدم بطبعة آثر العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، فأغرق في الشهوات والملذات ، وجنح عن طريق الهداية، فأبحر في لُجَجٍ من الظلمات، وأسرف على نفسه، وضيعها عما خُلِق له(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[20]، قال ابن كثير رحمه الله (ومعنى الآية أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم)[21]، كما قال تعالى( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[22] .

ولذلك كان الصابرون السعداء هم أهل الفوز بكرامته وجنته كل حسب درجته التي وضعه فيها، وقد وصفها الله وأظهر محاسنها لخطابها، ليسعوا في طلبها، ويعملوا لدخولها، ففي أبوابها الثمانية قال صلى الله عليه وسلم(مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ)[23] وفيهما عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ)[24].

صفة من يدخلها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثم َالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ)[25]، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[26].

منازل أهلها :

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فقال موسى فما أعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)[27]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم( إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ فلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً)[28].

والله جل وعلا قد ذكر درجات أهل الجنة في قوله سبحانه(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[29]، و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنْ الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)[30] ،وأما عددها فقد قال تعالى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[31]، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ)[32]، وعن أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى)[33].

هذه بعض أوصاف الجنة وليست كلها، وما أعده الله للصالحين فيها، فلم يبق بينهم وبينها إلا أن يموتوا ، فحري بكل عاقل أن يعمل لها ويتجافى عن الفانية، (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)[34]، وليجتهد فما العمر إلا لحظات تمر مر السحاب، فما يُدرك نفسه إلا وهو في لحظات الوداع وكأن لم يكن، فرحم الله من أدرك عمره، وأرضى ربه، واغتنم صحته وفراغه، وعَمِل لما بعد الموت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

[1] رواه الترمذي وأحمد.

[2] رواه ابن حبان في صحيحه.

[3] متفق عليه.

[4] صححه الألباني.

[5] سورة الزمر 67.

[6] رواه الترمذي وصححه الألباني.

[7] رواه مسلم.

[8] متفق عليه.

[9] سورة المرسلات 32.

[10]  سورة المرسلات 30.

[11] سورة الواقعة 42.

[12] سورة الفرقان 12.

[13] سورة الملك 7.

[14] سورة الزمر 71.

[15] سورة المدثر 30.

[16] سورة الحجر 44.

[17] تفسير الطبري 18/541.

[18] سورة الأنبياء 103.

[19] تفسير السعدي ص 617.

[20] سورة الذاريات 56.

[21] تفسير ابن كثير 13/223.

[22] سورة فاطر 15.

[23] متفق عليه.

[24] متفق عليه.

[25] رواه البخاري ومسلم.

[26] رواه البخاري ومسلم.

[27] رواه مسلم.

[28] رواه البخاري ومسلم.

[29] سورة الأنفال 2-4.

[30] رواه مسلم.

[31] سورة الرحمن 46.

[32] رواه البخاري ومسلم.

[33] رواه البخاري.

[34] سورة التوبة 38.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *