(ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا……) د . ناجي بن وقدان.

الحمد لله  الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أحبائه وأصفيائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتِب، ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام. وأشهد أن نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُه من خلقه ، وأمِينُه على وحيه ،خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه.

عباد الله: إن خير الوصية ، وأزكى المطية,تقوى رب البرية، فاتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، واتقوا الله في أنفسكم وأهليكم كما قال الله جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

عباد الله: نداء من الله عظيم ، لأهل الإيمان، بِحِمْلٍ جسيم، وخطب عظيم، وأمانة أبت السمواتُ العظام ،والأرضُ الشاسعة، والجبالُ الرواسي ،عن حملها إباء هيبة وخوف من جسامتها وهول عاقبتها لا عصيان، ويأتي ابن آدم الضعيف ليتقلدها ويتجاسر على حملها فيا ويح ابن آدم ما أجهله، وما أجرأه على ما لا يطيق .ينادي الله بهذا النداء أهل الإيمان لأنهم هم الذين يسمعون لندائه، ويمتثلون لأمره، وينتفعون بكلامه، ويأمرهم باتخاذ الوقاية لأنفسهم ولأهليهم من خطر أمامهم، ومهلكة في طريقهم، لا ينجو منها إلا من تنبه لها قبل وصوله إليها، وأخذ الحيطة والحذر من الوقوع فيها، هذه المهلكة نار عظيمة ليست كالنار التي نعرف، فإن نار الدنيا توقد بالحطب وتطفأ بالماء، ويمكن مكافحتها والتغلب عليها، لكن نار جهنم يا عباد الله نار توقد بأجساد البشر، وبحجارة الأصنام ، فليست كنار الدنيا من احترق بها مات، وفارق الحياة، وانقطع إحساسه بألمها بل داخلها معذب، وفيها مخلد، خلودا أبديا ،أوخلودا وقتيا، جلودهم تتجدد، وصرخاتهم تتعالى، وعذابهم يتفاقم ويتضاعف،نار لايخبوا لهبها، ولا يهدأ صوتها،ولا تضعف قوتها، وصفها الله بقوله {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}، وقال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً}، وقال عز من قائل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}، وقال تبارك وتعالى {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، فيالله ما أقسى قلوب القائمين على إيقادها ،وتعذيب أهلها قدخلت قلوبهم من الشفقة والرحمة، صفاتهم{مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

فيـها غلاظٌ شدادٌ من ملائكةٍ               قــلوبهم شِدةً أقسى من الحجرِ

سـوداء مظلمةٌ شعثاء موحشةٌ              دهمـــاء محرقةٌ لواحة البشـرِ

فيها الجحيم مذيبٌ للوجوه مع             الأمعاء من شدة الإحراقِ والشررِ

فيها السلاسل والأغلال تجمعهم             مــع الشياطينِ قسراً جمع منقهرِ

والجوعُ والعطش المضني لأنفسهم           فيــــها ولا جَلَدٌ فيها لمِصْطَبرِ

لهــا إذا ما غَلَتْ فورٌ يُقَلِبُهم              مـــا بين مُرْتَفعٍ فيها ومُنْحَدرِ

جَمْعُ النواصي مع الأقدام صَيرهم           كالقـوس محميةً من شدة الوترِ

يا ويلهم تحرقُ النيران أعْظَمَهـم            بالموت شَهـوتهم من شِدّة الضجرِ

ضجوا وصاحوا زماناً ليس ينفعهم         دعــاء داعٍ ولا تسليم مصطبرِ

وكل يومٍ لهم في طول مدتهم                 نزع شديدٌ من التـــعذيب والسُعَرِ

أيها المسلمون: إن تبعة المسلم في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة ، ورزية جسيمة ، تُحَتم عليه النهوض بها ، وتَجنب تضييعها ، وأن ينظر إلى العواقب بعين العلم والبصيرة ، وأن يتوقى قبل أن تزل القدم ، ويحلَ الندم، ويَنقطعَ المدد .

عباد الله : لا زال باب الرجاء والتوبة مفتوح، طوبى لمن سارع ودخل قبل أن يوصد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

معاشر المسلمين: إننا في زمن كَثُرَت فيه المحن ، وتناثرت فيه الفتن، وتعاظمت فيه البلايا التي تعصف بالكبير والصغير والذكر والأنثى إلا من رحم ربي وعصمه منها، تَفَلّتَ معها كثير من أبناء المسلمين ونسائهم من عُرَى الدين وأسْلِمَته، وبتنا نرى مالا تالفه العيون، ولا تقبله الطباع،    مما يضع الكثير من الآباء والأمهات والأزواج وأولياء أمور الأسر، أمام خَطْبٍ عظيم، ومساءلة شديدة بين يدي الله عز وجل، فما جعل الله لكل أسرة راعٍ إلا ليحفظها ويجنبها مزالق الردى، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)رواه البخاري ومسلم.

أيها الآباء والأمهات والأزواج: إن مسئوليتكم أمام الله عظيمة ، والوقوفُ بين يديه عصيب ، والسؤال عن هذه الأمانات ِوارد ، فأعدوا للسؤال جوابا وللجواب صوابا، واحذروا من المواجهة بين يديه جل وعلا بينكم وبين أبناءكم ونساءكم، وتعاونوا على القيام بهذه المسؤولية داخلَ بيوتكم وخارجها، وتابعوا أولادكم ونساءكم أينما كانوا، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وعلموهم أمور دينهم، وجنبوهم جلساء السوء وقرناء الفساد، وطهروا بيوتكم من معاول الهدم والفساد .

عباد الله: ما خفي عليكم ما يدبره أعداء الملة والدين ، وأعداء الفضيلة والحياء، وتجار الرذيلة والفساد، من إفسادٍ في البلاد والعباد، وخصوصا في هذه البلاد المباركة، لما رأوا من تمسك أهلها بالدين والأخلاق والعفة والحيا، يسعون لإخراج النساء من بيوتهن إلى محاضن الإختلاط والفساد، بحجج واهية، وأكاذيب باطلة،ليصلوا إلى مآربهُم الخبيثة، وأهدافُهم الفاسدة، لعِلْمُهم المسبق أن المرأة هي قوام المجتمع ولَبِنُته، تبني البيوت الصالحة، وتربي وتخرج للأمة عُدّتَها وسِلاحَها من الأبناء والشباب الصالحين، فتنبهوا يا رعاكم الله لمخططات أعداءكم، واحفظوا أماناتكم،فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر ونبه من أمر الدجال وفتنته، قال (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم , وإن يخرج ولست فيكم فَامْرؤ حجيج نفسه )،وأنتم أيها الأباء والأمهات والأزواج كل واحد منكم حجيج نفسه أمام ركب الدجال وأذنابه في هذه الأزمنة العصيبة،فكونوا حصنا حصينا لِبُيُوتِكم وبلادكم وأروا الله من أنفسكم خيرا.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال. أحمده سبحانه وأشكره، مَنّ علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه. كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

عباد الله: كيف ينقذ نفسه من النار من ترك الصلاة التي هي عمود الإسلام، والفارقة بين الكفر والإيمان، أم كيف ينقذ نفسه من النار من هجر المساجد، وترك الجمعة والجماعة، كيف ينقذ نفسه من النار من تجرأ على المحرمات، واستخف بالطاعات، وكيف ينقذ نفسه من النار من يسير في طريق المعصية ليلاً ونهاراً، وهو لا يدري في أي ساعة يقف بين يدي الله – عز وجل – فعن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) يعني: أن من مات على الطاعة دخل الجنة، ومن مات على المعصية دخل النار قال الله تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، كيف ينقذ نفسه من النار من فتح على نفسه وأهل بيته باب الشرور والفساد، فضاع وضيع.

أيها المسلمون:

لقد تساهل كثير من المسلمين اليوم في الأخذ بزمام الأمور في بيته وألقى الحبل على الغارب حتى رأينا وشاهدنا أمورا منكرة لا يقبلها دين ولا يرضاها عقل ولا يستسيغها عرف. نساء يخرجن متجملات متعطرات ومتزينات إلى الأسواق والشوارع والمتنزهات وأغلبهن بلا حاجة، فأين آباؤهن؟ يخرجن إلى أماكن اللهو والترفيه والاختلاط فأين آبائهن وأمهاتهن منهن؟ وتَبَسَطَ كثير منهن في الحديث مع غير المحارم وتعالت  الأصواتُ والضحكاتُ بلا حياء ولا عفة والله جل وعلا يقول(فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) فأين أباؤهن وأمهاتُهن؟ تهاوى كثير من الشباب في براثن الهوى والتقليد والضياع والامساخ من الدين، فأين الأباء والأمهات منهم؟

أيها الآباء والأزواج:

إن تفويض تربية الأبناء لأمهاتهن لا يخلي المسؤولية عنكم، فالكل مسؤولون عنهم جميعا، إنّ حزمَ الوالدُ في التربية وبُعْدَ نظره لمآلات الأمور لا يُسْتَغنى عنه في البيت مهما كانت الأم حريصة على التربية الصالحة، إن عاطفة الوالدةُ تٌسْتَغل أحيانا من قبل الأبناء والبنات فيصلن من خلالها لما يردن بعيدا عن أعين الوالد فيبدأ سلمُ التنازل عن مسلمات الدين وحدوده.

أيها المسلمون:

إن فسادَ المرأةِ شقٌ وجرح في جسد المجتمع لا يندمل، وإذا تمكن أعداء الدين منها، فقد تمكنوا من بنيان المجتمع وأساسه من أبناء وشباب، فقوموا يا رعاكم الله بواجباتكم، وأدوا أماناتكم، واعلموا أن دخول الجنة ونعيمها مرتهن بحفظ الأمانات وآداء الفروض والواجبات، فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال :إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) رواه مسلم.ألا فليتق الله كل من ولاه اللهُ أمرَ رعيته أن يحفظهم ويجنبهم مزالق الردى ومعاول الفساد، وأن يقوم فيهم بشرع الله ناصحا ومربيا وحازما.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *