بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن تخصيص شهر شعبان أو يوم أو ليلة منه بعمل أو عبادة أوعادة من العادات المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف،يعتبر بدعة من البدع المحدثة،وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإبتداع في الدين ما ليس منه، فقال عليه الصلاة والسلام( من عمل عملا ليس عليه أمرنافهو رد) رواه البخاري ومسلم، وقال عليه الصلاة والسلام(من أحدث في أمرنا هذا( أي في الإسلام) ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، وهو صلى الله عليه وسلم بذلك يشير إلى أن أعمال العباد ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، وتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشرع موافقًا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجًا عن ذلك، فهو مردود.
وقد يتعلل بعض من يتعاطون هذه البدع بأنها عادات محضة ولا علاقة لها بالعبادات، والجواب عليهم يكون من خلال:
أولا: أن الله جل وعلا أنكر على الذين يتبعون العادات والتقاليد المنافية للدين والتي تُلَبِّس الحق بالباطل، ويقولون إنها مجرد عادات نقلد فيها الآباء، ولا علاقة لها بالعبادات، فقال عز وجل( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) البقرة 170، ولا شك أن من يراهم من غيرهم وخصوصا ممن يجهلون الدين يظنون أنها من الدين والدين منها براء.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من عمل عملا..) ولم يقل عبادة أو تعبدي،بل جعل اللفظ عام لكل عمل، لأن الغرض من وجود المسلم في هذه الحياة والمفترض فيه ألا يعمل عمل إلا ويريد به وجه الله والدار الآخرة، فلا بد لهذا العمل من قاعدتين قعدها العلماء، وهي الإخلاص لله في هذا العمل،وأن يكون صوابا على هدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم،فإذا لم يشتمل العمل على هاتين القاعدتين ،أو اختلت إحداهما فالعمل باطل ومبتدع لا يقبله الله.
ثانيا: أننا مأمورون بنصوص القرآن الكريم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله،كما كان السلف رضي الله عنهم كذلك يراقبونه حتى في المآكل والملبس ليقتدوا به ويعملوا بسنته،كما قال تعالى(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب 21 ، وقال جل شأنه(ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) الأنفال 20، وليس لنا مخالفته والحياد عن سنته فإن متابعته شرط أساسي لقبول العمل، كما قال عز وجل(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور 63 ،وقال سبحانه(وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب 36 ، إلى غير ذلك من الأدلة التي توجب اتباعه وتحذر من مخالفته.
ثالثا: أن ما يفعل المبتدعة في شعبان أو ليلة النصف منه، يأخذ وقتا محددا وشكلا معينا وتكاليف محددة يشوبها الاحتفال والتعبد، ودعوات وأذكار، وبألبسة معينة، والتقرب إلى الله بصيام معين وصلاة معينة ،وبما يُعرف بالشعبنة المحددة بشهر شعبان وفي أيام وليال مخصوصة،مم لا يكون في سائر السنة، وإحياء لأعمال الجاهلية باسم التسلية واستعادة الذكريات وإحياء العادات، وتوزيع الأطعمة على الفقراء باسم طعام الأب أو الأم، وهذه كلها لا يشك عاقل في بدعيتها ومخالفتها لشريعة الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يستطيع القائمون عليها أن يأتوا ولو بدليل واحد عن رسول الله ولا عن أصحابه ولا الأئمة الأربعة والتابعين على سنيتها أو مشروعيتها.
رابعا: كل ماورد في ليلة النصف من شعبان من بدع كبدعة الصلاة الألفية وهي مائة ركعة تصلي جماعة يقرأ فيها الإمام في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات وهذه الصلاة لم يأتِ بها خبر وإنما حديثها موضوع مكذوب فلا أصل له ، وكذلك تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة ونهارها بصيام لحديث : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها هذا حديث لا أصل له في السنة، وكذلك صلاة الست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلاء ، وطول العمر ، والاستثناء عن الناس ، وقراءة سورة يس والدعاء كل ذلك من البدع المنكرة.
إذا ماهو المشروع والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان؟
الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم شهر شعبان إلا قليلا منه، ولم يكن يعين منه أياما فقط بل يصومه من أوله، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ 🙁 كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا) رواه مسلم ، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ ) رواه أبو داود وصححه الألباني ،قال الإمام ابن باز رحمه الله: ( ولا تعارض بين الحديثين ،ففي بعض السنين صام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كاملاً ، وفي بعضها صامه النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً ) مجموع فتاوى ابن باز ، وقال بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا رمضان ، وحملوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلاً ، قالوا وهذا جائز في اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله .
وبهذا يتبين لنا جليا أنه لم يثبت في شهر شعبان عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصيام كما ورد،وأنه كغيره من الشهور. والله أعلم.