التوكل على الله بين العلم والعمل…… د. ناجي بن وقدان

 

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .وبعد:

فإن التوكل على الله تعالى من أساسيات الإيمان وواجباته ومن اعلى وأرقى الأعمال الصالحة ، ومن أَجَلِّ العبادات المقربة إلى الله عز وجل ، بل هو من أعلى مقامات العقيدة والتوحيد، لأن العبد يتجه به إلى الله تعالى لحصول مقصوده ومطلوبه، فيكون التوكل وسيلة من وسائل الإعتماد على الله في بلوغ الغاية والهدف.

ولابن القيم رحمه الله كلام جميل حول هذا الأمر، إذ يقول{ التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة}،والتوكل على الله باب واسع يدخل فيه جميع أمور العبد الدينية والدنيوية ، فكل حاجات العبد تتحقق بتحقيق التوكل على الله تعالى،لأن حقيقة التوكل على الله هي الفرار إلى الله وتفويض الأمور إليه لأنه سبحانه من بيده تفريج الكرب وتيسير العسير رضاء واطمئنانا بما يقرره الله ويقضيه قال ابن القيم رحمه الله{ ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل من مكانه وكان مأموراً بإزالته لأزاله}.

 قال أحد الفضلاء{المسلم لا يرى التوكل على الله في جميع أعماله واجباً فقط بل يراه فريضة دينية ليس متعلقاً فقط بالأمور الدينية بل بالأمور الدنيوية وليس بالأمور الدنيوية وطلب الرزق فقط بل بعبادة الله سبحانه وتعالى فهو عقيدة ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ولهذا كان التوكل على الله نصف الدين ، بل هو الواجب لأنه أصل من أصول الإيمان}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله { فإن التوكل على الله واجب من اعظم الواجبات كما أن الإخلاص لله واجب وقد أمر الله بالتوكل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء وغسل الجنابة، ونهى عن التوكل على غيره سبحانه}.

وقال ابن القيم رحمه الله{والتوكل جامع لمقام التفويض والاستعانة والرضا لا يتصور وجودٌ بدونها}وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله( الأصل الجامع الذي تتفرع عنه الأفعال والعبادات هو التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه والاعتماد بالقلب عليه وهو خلاصة التفريد ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضا به رباً وإلهاً والرضا بقضائه بل ربما أوصل التوكل بالعبد إلى التلذذ بالبلاء وعدّه من النعماء{ كما في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب}.

ولمقام التوكل على الله مقام عظيم في كتاب الله عز وجل،فقد ذكره الله في آيات كثيرة على أوجه متنوعة، فتارة بالأمر وتارة بالذكر،وأخرى يالتذكير والتوجيه، كما في قوله تعالى{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} وقوله عز وجل{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وقوله سبحانه{ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وقوله تعالى{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}وقال سبحانه{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وقال تعالى{ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وقال عز من قائل {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وقال سبحانه{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إلى غير ذلك من النصوص التي تتأكد معها أهمية التوكل على الله وأنها من صلب الدين والإيمان.

وقد جاءت السنة النبوية بالحث على التوكل على الله ، وما يترتب على ذلك من صدق العقيدة واليقين بموعود الله للعبد وحفظه وكفايته له، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصَمت، أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت، والجن والأنس يموتون) رواه البخاري ،وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم اجعلني ممن توكَّل عليك، فكفيتَه، واستهداك فهديتَه، واستغفرك فغفَرتَ له)، يقول أحد العارفين(والتوكل على الله تعالى سلوك نفسي وقلبي يقتضيه الإيمان الصحيح الماثل في ساحة التصور الموجه للسلوك) .

ولذلك كان السلف رحمهم الله أشد حرصا على سلامة التوكل على الله ،وأدق في وصف التوكل بما يوافق العقيدة والإيمان ،يقول ابن عباس رضي الله عنهما( التوكل جماع الإيمان) ، وقال سعيد بن جبير( التوكل على الله نصف الإيمان) ،وقال أبو الدرداء( ذِروة الإيمان الإخلاص والتوكل، والاستسلام للرب عز وجل)، وقال أبو محمد سهل( ليس في المقامات أعز من التوكل) ،وقال سهل بن عبدالله( من طعَن في الاكتساب، فقد طعَن في السنة، ومن طعَن في التوكل، فقد طعن في الإيمان)، وقال أحمد( التوكل عمل القلب) ،وقال الجنيد بن محمد( التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب)،وقال فُضيل بن عياض( التوكل قوام العبادة، والتوكل من أوجب واجبات القلب) وقال ابن القيم(إن التوكل يجمع أصلين: علم القلب، وعمله، أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله وكمال قيامه بما وكَله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك، وأما عمله: فسكونه إلى وكيله وطُمَأنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أمرَه إليه، ورضاه بتصرُّفه له فوق رضاه بتصرُّفه هو لنفسه) .

فالتوكل هو أحد مباني التوحيد الإلهية كما يدل على ذلك قوله تعالى( إياك نعبد وإياك نستعين) يقول أحد الفضلاء (وهذا التوكل لا يقوم به على وجه الكمال إلا خواص المؤمنين كما في صفة السبعين ألفاً ، فالذي يحقق التوكل ليس كل الناس بل هم طائفة قليلة من الناس ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم ( هذه أمتك يدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب ثم دخل ولم يبين من هم وما هي صفاتهم فأفاض القوم وقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول منهم فخرج وقال : هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) فقال عكاشة بن محصن أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال نعم، فقال آخر أمنهم أنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم( سبقك بها عُكاشة أو عُكَّاشة).وورد عند مسلم عن مفرق أن عمران ابن حصين وهو من سادات المتوكلين، رضي الله عنه ، الذي كان به بواسير وكان يصبر على ألمها فكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع تسليم الملائكة عليه ثم ترك الكي وصبر على الألم فعاد سلام الملائكة عليه.

والتوكل من صفات المؤمنين المصدقين ونور يتميزون به عن غيرهم ،وقد ذكرهم الله بهذا التميز في قوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) ،لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون الحوائج إلا منه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف بالملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.

وفي غزوة أحد لما قيل للصحابة رضي الله عنهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فوضوا الأمر لله تعالى وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل،ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً) ، فالتوكل على الله هو سلاح المؤمنين وعدتهم في مواجهة الأخطار والأعداء والتخويف والتهديد.

وفي قصة موسى عليه السلام مع قومه حين طلبهم بالتوكل على الله ودخول الأرض المقدسة،يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : معنى الآية أن موسى عليه السلام أمر قومه بدخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ولا يرتدوا على أدبارهم خوفاً من الجبارين بل يمضوا قدماً لا يخافونهم ولا يهابونهم متوكلين على الله في هزيمة أعداءهم مصدقين بصحة وعده لهم إن كانوا مؤمنين .

وقد ضمن الله للمتوكلين عليه القيام بأمرهم وكفايتهم ونصرتهم ،كما قال عز وجل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) يقول ابن كثير رحمه الله( ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من جهة لا تخطر بباله) وفي هذه الآية فضل التوكل وأنه من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) {رواه الترمذي وصححه الألباني .

 

التوكل أم التواكل والفرق بينهما:

– التوكل على الله بمعناه الشرعي هو الإعتماد على الله في تحصيل المقصود والثقة به والأخذ بالأسباب المشروعة لبلوغ الهدف .

– التوكل على الله عمل القلب واعتقاده بأن الله هو القادر على فعل كل شيء والجوارح تابعة له تعمل كأسباب مشروعة ،فإذا اتفق القلب في الاعتقاد والجوارح في العمل فقد تحقق التوكل على الله وتحقق للعبد مطلوبه.

– التوكل على الله يعتمد فيه المتوكل بعد الله على نفسه والسعي الحثيث باستخدام الجوارح والأسباب المشروعة في العمل .

– المتوكل على الله إعتقادا وعملا يسير في توكله محفوظا بحفظ الله وعنايته يُيَسر له الأمور،ويمهد له الصعاب،ويعينه على تحقيق مطلوبه.

– المتوكل على الله سيماه الصبر والتحمل ويحمد الله في كل حال راضي ومسلم بالنتائج .

– التوكّل على الله يدفع الإنسان للتواضع ويرى الحياة والخلق ملك للخالق ونحن عابدون فيها لله ساعين للعيش والعبادة فليس لأحد أن يتكبر على الآخر ما دمنا متشابهون لا يميزنا سوى أعمالنا.

– بينما التواكل :

– القعود عن طلب الرزق، وعدم السعي في طلبه والاستكانة وعدم الأخذ بالأسباب.

وقد رأى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه جماعة من الناس ، كانوا يحجون بلا زاد فذمهم ، يقول معاوية بن قرة : لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناسًا قاصدين الحج، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتواكلون ، إنما المتوكل الذي يُلقي حَبَّة في الأرض ثم يتوكل على الله عز وجل.

وقد رأى رضي الله عنه قومًا قابِعين في رُكن المسجِد بعد صلاة الجُمعة، فسألَهم: “من أنتم؟”. قالوا: نحن المُتوكِّلون على الله! فعلاَهم عُمرُ رضي الله تعالى عنه بدِرَّته، ونهَرَهم وقال: “لا يقعُدنَّ أحدُكم عن طلبِ الرزقِ ويقول: اللهم ارزُقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضَّة، وإن الله يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).

وكان سُفيانُ الثوريُّ – رحمه الله – يمُرُّ ببعضِ الناس وهم جُلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: “ما يُجلِسُكم؟”، قالوا: فما نصنعُ؟ قال: “اطلُبُوا من فضلِ الله، ولا تكُونوا عِيالاً على المُسلمين”.

– والتواكل هو اعتماد المتواكل على الغير في طلب الرزق دون أن يفعل شيئا أو يخطوا خطوة.

– المتواكل لا يرضى عنه الله ولا يحظى بتوفيق الله وتيسيره ولا يستجيب لدعائه، وذلك لتنكبه سنن الله ونواميسه وأسبابه في حصول المطلوب.

– المتواكل لا يفعل ولا ينوي ويتكلمّ كثيراً ولكنه لا ينفّذ شيئاً، بمعنى أشمل أنه يعيش على سُلم الأماني وهو قابع في مكانه.

– المتواكل يشعر بالخوف والقلق دائماً لأنّه ضعيف الإيمان وكسله هو من يدفعه للجلوس ويحدوه على التراجع وعدم الإقدام على العمل والسعي.

– المتواكل لا يمتلك الصبر والتحمّل ولا يدرك أنّ نقص الرزق، والصحّة، والمال نتيجة تخاذله وقعوده عن الأسباب.

– المتواكل يعلوه الغرور ويرمي مهامه وواجباته على الناس ويرى نفسه الأفضل دائماً لقلّة بضاعته من الإيمان والتقوى.

– المتواكل كثير الندم على فوات الفرص،وفي المقابل لا يتعلم من أخطائه بل يمضي في ذات الخطأ.

ولذلك يجب على المسلم أن يحقق معنى التوكل على الله كما بينته أدلة الكتاب والسنة، فيتوكل على مسبب الأسباب عز وجل ،ويعمل بالأسباب المشروعة ليتحقق له المطلوب، وعلى افتراض بعد هذا كله أن تعذر حصول مطلوبه ،لأن الله يكتب ما يشاء لمن يشاء ويحكم ما يريد، فيكون العبد قد جمع بين العبادة والطاعة والإنقياد والرضا وعمل بالأسباب، وانتفى عنه كل شك وريب، واندفع عنه كل وسواس وندم، ويكون أيضا قد حافظ على أساس العقيدة، وقوة الإيمان.

– أحوال الناس مع وباء(كورونا) توكل أم تواكل:

إن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم مع هذا الوباء وهذه الجائحة،ليرى أحوالا شتى ،فمنهم المغالي ،ومنهم المقتصد ،ومنهم المفرط، ومنهم المصيب ،فالمفرط والمغالي كلاهما مخطئ، والمقتصد هو الموازن بين أمور الدين والأخذ بالحيطة فلا إفراط ولا تفريط مع ضعف في التوكل واستكمال الأسباب، وأما المصيب والسابق بالخيرات فهو من راعى أساسيات الدين،ومقتضيات الإيمان، وحقق التوكل على الله، والأخذ بالأسباب المشروعة.

ولا شك في أن المغالي في الأخذ بالأسباب والحيطة والوقاية قد حافظ على ثغرة وأضاع ثغرات وحقوقا كثيرة، لنفسه ولمن حوله عليه، وبالغ في الوقاية حتى لحقه من الضرر الشيء الكثير،وعلى سبيل المثال لا الحصر نجده قد قطع حبل الوصال بينه وبين من حوله وأولهم وأولاهم والديه، بحجة الخوف عليه وعلى غيره، وهذا دليل على الفهم الخاطئ للتدبيرات والوقاية،وضعف العلم عما ينبني على هذه المغالاة من ضياع لمهمات الأمور وأساسيات العبادة.

والمفرط في الحالين دليل على ضعف إيمانه ، وقلة علمه وفقهه وقصر نظره عن سنن الله وآياته واستهتاره بتدابير السلامة والوقاية الشرعية والمادية، وجهله أو تجاهله بمراد الله منه ،وتوكله ليس بالتوكل المطلوب شرعا وقدرا ،بل هو معدود في صفوف المتواكلين.

وأما المصيب فهو من عرف أحوال السابقين الذين قص الله قصصهم في القرآن الكريم،وأخبرنا عن أحوالهم وتقلبات نواميس الله فيهم وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من سلوك مسالكهم، ومجريات سنن الله فيهم وفي من بعدهم إلى قيام الساعة، فعمل هذا المصيب بمقتضى الشريعة ،وحقق التوكل الصحيح على الله عز وجل وعمل بكل سبب مشروع دون إفراط ولا تفريط، فهذا قد حظى بفضل عظيم وخير كثير، وسلك المسلك الشرعي في مثل هذه الظروف وفاز بمحامد الدنيا والآخرة.

ألا وإن الناظر في أحوال الناس اليوم ليرى العجب، فيما يراه من التناقض العجيب في الأحوال والتصرفات، في العمل بأسباب الوقاية والسلامة من هذا الوباء،وتغليب أسباب الوقاية المادية على الشرعية، فيجدهم في قضية التباعد في تناقض عجيب، ففي المناسبات وعلى الموائد وفي المجالس تجد التلاصق العجيب والتقارب الغريب، في ظل الظروف الحالكة،بل ويدعوا بعضهم بعضا على التقارب وقد يحلف عليه أحيانا، بينما إذا أتو إلى المساجد والطاعة، تشددوا في التباعد الذي قد يصل إلى المترين بين المصلي وأخيه، فيا للعجب ما هذا التناقض.بل وتجد أحدهم في انتظار الصلاة يقرأ القرآن من الجوال والمصحف أمامه ولا يمسه،وإذا خرج من المسجد لم تمتنع يداه عن الإمساك بالأشياء على اختلافها وعن المصافحة وغيرها وكأن لسان الحال يقول أن هذا الوباء لا يأتي إلا من الصلاة والمصحف والمسجد ،فإلى أي حال وصلنا؟ ومن المعلوم لدى كل مسلم أن هذا الوباء امتحان واختبار لمقتنيات المسلم من الإيمان والعقيدة، ومدى التعلق بالله جل وعلا، والناس مابين ناجح ومخفق في هذا الجانب.

ولذلك كان هذا الوباء إستكشافا لمواضع الضعف والقوة، والسلبيات والإيجابيات لدى المسلم،ليتدارك أمره في قضية السلبيات والضعف فيصلح منها ما فسد، ويثبت ويحمد الله في مواطن القوة والإيجابيات. وهذه همسة أخوية في أذن كل مسلم ليعيد النظر في مخرجات الأمور ، ونسأل الله تعالى أن يرفع عنا وعن المسلمين هذا الوباء والبلاء وأن يفظ البلاد والعباد وأن يغفر لمن مات من المسلمين بهذا الداء وأن يجعله في عداد الشهداء ويعافي من لا زال يعاني منه إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *