ثلاثَ عشرةَ وسيلةً لطهارةِ القلبِ وزكاةِ النفس!!!!!!!! د. ناجي بن وقدان

 

 

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد:

عندما خلق الله عز وجل الإنسان، فطَرَه على فطرة سليمة، وجعل له قلبا نظيفا سليما قابلا لبِذَر الخير وجميل العطاء، وجعل له مشاعر تنبني على ما يعترضه من أحداث تمرُّ به أثناء احتكاكه بالناس، فيُحبّ، ويكره، ويحِقد ويطمع ويظنّ، وذلك من ضرويّات الفِطرة الإلهيّة في خلقه، لكن الواجب على المسلم أن يجعل حُبَّه وكُرهَه مُوجَّهة توجيها سليما، فلا يُحبُّ إلا لله ولا يكره إلا لله، ولا يحمل في قلبه كرها أو حقدا أو ظنا سيئا أو مكرا وغشا لأحد من المسلمين، لما تسب

به هذه االرواسب من العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، وقد أشارت أدلة الكتاب والسنة إلى ضرورة اتخاذ وسائل وعوامل لضمانة سلامة القلوب والجوارح مما يشوبها ويلحق الضرر بالفرد والمجتمع، ومن تلك الوسائل:

 1- تقوى الله عز وجل في السر والعلن والقليل والكثير والخاص والعام، وأدلة الأمر بالتقوى في الكتاب والسنة أكثر من أن تُحصى كما قال عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102] وقوله سبحانه( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18] ، وعن أبي أبي ذر رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ   صلى الله عليه وسلم قَالَ : (اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) رواه الترمذي بسند صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها قال تعالى ( وَلَقَدْ وَصّيْنَا الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اتّقُواْ اللّهَ)، ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال (يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) ، فتقوى الله في طليعة الوسائل التي بها يتطهر القلب من أدران البغي والظلم.

2- كثرة الإستغفار، فكثر الإستغفار فيها انكسار القلب لله، وندم على ما مضى، واستجلاب لرحمة الله وعفوه، ودَفْع لعذابه ونقمته، فما استُجْلِب خير بمثل مجاديح السماء وهي الإستغفار، كما قال عز وجل( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) نوح 10 ، قال ابن كثير رحمه الله(أي ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب ، فإنه من تاب إليه تاب عليه ، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الإستغفار وهو أكمل الخلق وأشرفهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رواه البخاري ، وعند النسائي بسند صحيح(يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة) ، والإستغفار والتوبة أمان من العقوبات، كما قال عليّ رضي الله عنه(كان لنا في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدهما وبقي الآخر فتمسّكوا به، أما الأمان الذي رُفِع فهو رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأما الأمان الباقي فهو الاستغفار، والله تعالى يقول (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الأنفال: 33] ، فكثرة الإستغفار طهارة للقلب والنفس وعصمة من القواصم.

3- إشغال القلب والنفس والبصر والسمع بطلب العلم ففيه سُلْيَة عن الإشتغال بالغير،وأوله كتاب الله عز وجل بتلاوته وتدبره والعمل بما ورد فيه من وعد ووعيد ،وترغيب وترهيب، وفي ذلك نور في القلب والبصيرة، وسلامة مما يضر القلب والنفس من صدأ المعاصي والذنوب، والنفس إن لم تشغلها بما ينفعها ،أشغلتك بما يضرك، والقلب إن لم تملأه بالعلم والنور والخير، ملأه الشيطان بالظلام والشر، والبعد عن الفراغ الذي يورث المفاسد ، وكما قيل:          إن الشباب والفراغ والجده *** مفسدة للمرء أي مفسدة .

4- الرضاء بقسمة الله، وهذا هو سر السعادة، ومكمن النجاة، وفي مَعْرِض الحديث (وارض بما قَسَم الله لك تكن أغنى النّاس) رواه الترمذي وصححه الألباني ،والسّعيد الحقّ هو من رضي بما قسم الله له، وصبر لمواقع القضاء خيره وشره، والرّضا هو السّياج الذي يحمي المسلم من تقلّبات الزمن، قال أحد الصالحين ( الرضى بقسمة الله هو البستان الوارف الظّلال الذي يأوي إليه المُؤمن من هجير الحياة، وهو الغنى الحقيقي، لأن كثيرًا من النّاس لديهم حظّ من الدّنيا، لكنّهم فقراء النّفس ومساكين القلب، فقد أعمى الطّمع قلوبهم عن مصدر السّعادة والغنى الحقيقيّ، الذي هو غنى القلب والرّضا وسكينة النّفس، كما قال الله تعالى  (يوم لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم) الشّعراء: 88-89، فالقلب السّليم هو القلب المطمئن الذي رضي بما قَسَم الله له، واطمأنّ بذكر الله عزّ وجلّ, كما قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( الرّعد: 28 ،والمقصود أن الرضى بما قسمه الله هو قمة السعادة التي يسعى إليها العقلاء، وما رأينا أحدا استكثر من الدنيا وانهمك في طلبها ولاحت عليه بوارق السعادة،وإن تظاهر بشيء يسير فلا يكاد يُذْكر.

5- إستحقار الدنيا،والمؤمن دائما متجاف عن الدنيا إلا مالا بد منه لقيامه بما كلفه الله به من المهمات والتكاليف، لعلمه أنها عرض زائل يُمْتَطى لعرض دائم عند الله لا يحول ولا يزول، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في التجافي عن الدنيا،ولم يعيرها يوما بالا، ولم يحمل لها هما،ولم يشغل قلبه وفكره ليلا ونهارا بالتفكير فيها، فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه قال:  كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حَرَّة المدينة، فاستَقْبَلَنا أُحُدٌ، فقال(يا أبا ذر) قلت: لبيك يا رسول الله! قال(ما يسُرني أن عندي مثلَ أُحُدٍ هذا ذهبًا تمضي علي ثالثةٌ وعندي منه دينار إلا شيئًا أرصُدُه لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا)عن يمينه وعن شماله ومن خلفه…..الحديث) رواه البخاري ،ولذلك من أفضل ما يقال ويُذَكر تجاه هذه الفانية أن العارف يخرج من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكائه على نفسه، وثنائه على ربه، وللقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية، فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له، فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن، وصدق الله حين قال( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) ولذلك إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أَنِسُوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله.

6- إستحضار عظمة المثول بين يدي الله، وأنه لا سبيل إلى النجاة إلا بالقلب السليم،كما قال المولى عز وجل(يوم لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم) الشّعراء: 88-89، يقول ابن القيم رحمه الله(فإن العبد يقف بين يدي الله تعالى موقفين عظيمين: الموقف الأول في الصلاة، والموقف الثاني يوم لقاء الله، فإن أحسن العبد الموقف الأول سهل عليه الموقف الثاني، ومن استهان بالموقف الأول صعب عليه الموقف الثاني)، وهي جملة قيمة من ابن القيم رحمه الله تعالى، من قام بحق الموقف الأول سهل عليه الموقف الثاني، ومن استهان بالموقف الأول صعب عليه الموقف الثاني،فما قيمة الموقف الأول مع الموقف الثاني، الفرق كبير.

ومما لا شك فيه أن العبد يقف بين يدي الله تعالى موقفًا ما أعظمه، حين يأتي ربنا جل وعلا مجيئًا يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [البقرة:210]، فهو موقف عظيم تحضره ملائكة الرحمن جل وعلا (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر:22]، ولشدة هول هذا الموقف تجثوا الأمم على الركب عندما يُدْعى الناس للوقوف والعرض بين يدي الله تعالى، وذلك لعظم ما يُشاهدِون وما هم فيه واقعون(وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:28]، فإذا ما وقف العبد بين يدي ربه للحساب، فأول ما يسأل عنه أمام الله تعالى من الأعمال الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر) رواه الترمذي بسند صحيح ،فحري بالمسلم أن يستحضر عظمة ذلك اليوم والوقفه العصيبة للحساب.

7- المواظبة على الدُّعاء لقول الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).[الحشر 10] ،فالدعاء حماية للمرء بإذن الله من كل سوء،لأنه لجا لمن بيده صرف الضرر، والدعا في ذاته عبادة يتقرب به العبد إلى الله، والدعاء استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة ملهوف برب رؤوف، كما قال تَعَالَى( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]، وعَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ( إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا، ) [ رواه بن ماجه]، وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) [رواه أحمد] ، فالدعاء عون للعبد على البعد عن كل سوء يضر بدينه ودنياه.

8- صيام الأيّام النّوافل والسُّنَن من كلّ شهر، مثل صوم الأيّام البِيض، والاثنين والخميس، وذلك لِما رواه ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (صومُ شهرِ الصَّبرِ وثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ يُذهِبْنَ وَحرَ الصَّدرِ)،[رواه البزار وصححه الألباني] وحر الصدر يعني الحِقد، والغيظ ،والصيام تهذيب للأخلاق، وتصحيح للأقوال والأفعال،وإطفاء لنار الغيرة والحسد،ففيه خير كثير.

9- إفشاء السلّام، فإنّ لإفشاء السّلام علاقةً قوية بانتشار الحُبّ بين النّاس وإزالة الحِقد والبغضاء من قلوبهم، واستبشار للنفوس وإدخال السرور عليها،وإغاظة لشياطين الإنس والجن، ولذلك يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم(والذي نفْسي بِيدِهِ، لا تؤْمِنوا حتى تَحابُّوا، ألا أُنبِئُكُم بأمرٍ إذا فعَلتُموه تَحابَبْتُم؟ أفْشوا السّلامَ بَينَكُم) رواه مسلم ،وإفشاء السلام مما حسدت اليهود أمة الإسلام عليه،لأن فيه البهجة والسرور والألفة والمحبة، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام، والتأمين) رواه والبخاري ،وأفضل ما يتبادل به المسلمون التحية، هو تحية الإسلام(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وهي الأكمل والأبلغ في الأجر،وإن قال (السلام عليكم ورحمة الله) فجيد،وإن قال(السلام عليكم) فحسن،جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عشرٌ)، ثم جاء رجل آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال: (عشرون)، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، وجلس، فقال: (ثلاثون) رواه أبو داود ،والملاحظ في حياة الناس اليوم انصرافهم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلم بعبارات خلاف السنة غير مبالين ولا مكترثين ،قد حُرِموا الأجر وهو بين أيديهم،فمنهم من يقول(سلام) ومنهم من يترقى قليل في الانصراف عن السُنة فيقول بعبارات غربية يَعدُها من التطور وهي حقيقة تخلف،لأن لكل قوم تراث وحضارة يفخروا بها،وليس هناك أخير من حضارة الإسلام وأهله، مثل قولهم(هاي) (هيلو) وغيرها مما تشمئز منه الأسماع في أوساط المسلمين،والمسلم يعتز يدينه وشخصيته وتراثه بين الأمم، فيعلن عائر دينه دون خجل وتردد وانكسار،السنَّة إفشاء السلام وإظهاره وإعلانه بين الناس، حتى يكون شعارًا ظاهرًا بين المسلمين، لا تخص به فئة دون أخرى، أو كبير دون صغير، ولا من يعرف دون من لا يعرف؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خيرٌ؟ قال(تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) متفق عليه ، وقال عمار بن ياسر  رضي الله عنهما ( ثلاثٌ من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسه، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار) رواه البخاري .

10- التّواضُع، فلين الجانب والتّواضع يجعلان العلاقة بين المسلمين قائمةً على الاحترام والمحبّة، فَيُنْتفى بينهم الحِقد والتّباغُض، ويبقى الصَّفح والعِتاب، فالعتاب الذي يكون قائماً على إظهار ما أخطأ به المرء والصّفح يوضّحان أسباب الخطأ أو الاعتذار عنه، وبالتالي منع تشكُّل الأحقاد القلبيّة، والأزمات النفسية، ألا وإن للهديّة أثرٌ في نفي الحِقد والحسد، وتدلُّ على المحبّة والتّآلُف بين المُهدِي والمُهدَى إليه، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (تهادَوْا تحابُّوا) رواه البخاري .

11- تذكُّر فضل الحِلم، وأجره، وقيمة الحليم في المجتمع المُسلِم خصوصاً، وأثر ذلك في سلامة القلب، وقد قال الله وتعالى على لسان إبراهيم عليه السّلام داعياً أن يؤتيه الله قلباً سليماً خالياً من الحِقد والحسد والبغض(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ*يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء 88 ، وعن عبد الله بن عمرٍو بن العاص رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ الناس أفضل؟ قال (كلُّ مخموم القلبِ، صَدوقِ اللِّسانِ)، قالوا: صَدوق اللّسان نعرفه، فما مَخموم القلب؟ قال: (هو التقيّ النقيّ، لا إثم فيه، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسد) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، فالحلم والصفح من أعظم القربات وأزكى الثمرات، ومن أقوى ما تَطْهُر به القلوب وتزكوا به النفوس، كما أرشد إلى ذلك ربنا جل وعلا بقوله (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 134.

12- ذِكر الموت في كلّ حال، فإنّ ذِكر الموت يُرقِّق القلب ويجعله يُقبل على الآخرة ويدبر عن الدُّنيا، ممّا يُزيل منه الحِقد والحسد والغيظ على الآخرين، وقد رُوِي عن الحسن أنّه قال: (قيل للرّبيع بن خثيم: يا أبا عبدالله، لو جالستَنا، فقال: لو فارق ذِكْرُ الموت قلبي ساعةً فسد عليّ) وانبي صلى الله عليه وسلم قد حث أمته على تذاكر الموت، الذي به تنكسر الشهوات، وتتوارى الشبهات، وتُقْبل القلوب على ربها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر هادم اللَّذات: الموت) رواه الترمذي والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان.

13- الصَّدقة، فالصّدقة تجلو النّفس وتُزكِّيها، وتجعلها مُقبلةً على الخير، مُدبرةً عن الشرّ، ويُظهِر ذلك قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة 103،ففي الصدقة طهارة المال والنفس والقلب من أدران المعاصي والأخلاق السيئة،والأعمال الخبيثة.

المقصود أن على المسلم أن يتغلب على نزوات نفسه،وخطلات شيطانه،وأن يقدر للأمور قدرها،وأن لا يتسرع ويستجيب للشيطان ونزوات النفس ،وأن يعتني كل العناية بقلبه زكاة نفسه،فليس له من المقدور إلا ما كُتِب، ولا يأخذ من دنياه إلا ما قُدِّر وكُتِب، فمهما زاد من الدنيا فهو عليه محسوب،ولا ينال منه إلا المكتوب، فليس للدنيا خُلِق،ولا لجمعها وُجِد، والحليم من احتاط لأمره،وعمل لما بعد الموت، واستعان بما سبق من الوسائل والعوامل المعينة له بحول الله على طهارة قلبه ونفسه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *