الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد:
فقد عنونت هذا الكتيب بعبارة طفت على السطح،وضاقت بها الصدور وثَقُلت بها الأسماع،ظاهرها جميل براق وباطنها قبيح مظلم،أصبحت تُقال في كل مكان ،وتُلاك بها الألسن دون النظر في معناها وما ترمي إليه من نتائج وخيمة على الفرد والمجتمع .
معناها ومضمونها : (دع الخلق للخالق)كلام مجمل يُفهم من بعض الناس خلاف المراد تعطيلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،أي دَعِ الناس يفعلون ما يريدون ويقولون ما يشاءون بلا نصيحة ولا دعوة ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر.
مصدر هذه العبارة : إن منشأ هذه العبارة(دع الخلق للخالق) من الديار الغربية، روج لها في ديار الإسلام أرباب التغريب وسفراء الفساد ،وتلقفها منهم ونشرها أصحاب الثقافة السطحية،والضحالة العلمية،والضعف الإيماني ،ومن غلبت عليهم الأهواء،مع جهلهم بمضامينها وما ترمي إليه ،والمراد منها إغراق السفينة المجتمعية،وانتشار المفاسد والمنكرات،واستجلاب العقوبات التي تأخذ بالأخضر واليابس،ولا يسلم من ويلاتها أحد، يذهب فيها الصالح والطالح ،قال صلى الله عليه وسلم(ويلٌ للعربِ مِن شرٍّ قدِ اقتربَ فُتِحَ اليومَ مِن ردمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذِهِ وعقدَ عشرًا قالوا يا رسولَ اللَّهِ أنَهْلِكُ وفينا الصَّالحونَ ؟ قالَ : نعَم إذا كثُرَ الخَبثُ)[1]،فبين هنا أن كثرة الخبث توجب العقوبات من الله تعالى،ولعمري لقد كثر الخبث في ازمنتنا بما لم يسبق له مثيل والله المستعان.
منافاتها للشرع : هذه العبارة الخطيرة تنافي الشرع والعقل والعُرف.
أما منافاتها للشرع فإن فيها تعطيل لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،التي كادت أن تكون الركن السادس من أركان الإسلام ،وإقصاء النصيحة التي هي جماع الدين وقوامه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(الدين النَّصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا: لمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم)[2]، كما أن فيها تعطيل لشعيرة الدعوة إلى الله التي أمر الله بها الأنبياء والرسل،ومن بعدهم ،فلا تزال قائمة إلى قيام الساعة،كما قال عز وجل (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[3]وقال عليه الصلاة والسلام (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً)[4] وقال عليه الصلاة والسلام(نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه)[5].
وقد أمر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وتعبد بها العباد،وجعلهم محل تكليف بها، وجعل ذلك من صفات المؤمنين الأتقياء،كماقال عز وجل(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيم)[6]،وقال عز وجل (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[7]،قال ابن كثير رحمه الله(والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة ، كل قرن بحسبه ، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) أي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ فقال (خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم)[8].والأمة عامة والمجتمع خاصة على خطر عظيم إذا لم تقم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،لما فيه من حفظ الأعراض وحفظ الدين وسلامة الأمة والمجتمع والمُعْتقد من عقوبات الله تعالى،ولذلك سُمي بسفينة النجاة،كماقال صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا)[9] و قال عليه الصلاة والسلام(والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ)[10].
وأما منافاتها للعقل: فإن صاحب العقل السليم لايرضى أبدا بانتهاك الحرمات،وارتكاب المحرمات،واستنزال العقوبات،كما لا يرضى بمجتمع تنتشر فيه الموبقات ولا يؤمر فيه بمعروف ولا يُنهى فيه عن منكر،بل لا يرضى لأهله وأبنائه وبناته شيئا من ذلك،وإنما يحرص على أن يبقى في مجتمع سليم وخالي من كل ما يخدش الحياء،ويخالف الفِطَر السليمة.
وأما منافاتها للعرف :فإن الأعراف بشكل عام تحارب الفساد بصوره وأشكاله،وتمج المنكرات على اختلافها،ولقد كانت العرب في الجاهلية تحافظ على الأعراض والنساء وجعلتها خطا أحمرا من يتجاوزه يلقى من العذاب والنكال الشيء الكثير،قال محمد محمود صيام(لقد كان العرب في الجاهلية يعدون المرأة ذروة شرفهم، وعنوان عرضهم، ولذلك فقد تفننوا في حمايتها والمحافظة عليها، و الدفاع عنها زوجة وأماً، ابنة وأختاً، قريبة وجارة، حتى يظل شرفهم سليماً من الدنس، ويبقى عرضهم بعيداً من أن ُيمس.
ولم يكن شيء يثير القوم كالاعتداء على نسائهم أو المساس بهن، ولذلك كانوا يتجشمون في الدفاع عنهنَ كل صعب، ولا يضنون بأي غال، لقد كانت الغيرة تولد مع القوم، وكأنَّهم رضعوها فعلاً مع لبان الأمهات،وفي بيئة العرب التي قامت فيها الأخلاق على الإباء والاعتزاز بالشرف، كان لابد للرجال والنساء من العفة ومن التعفف، لأن العدوان على العرض يجرُ الويلات والحروب، وكان لابد من الغيرة على العرض حتى لا يخدش، والعفة شرطٌ من شروط السيادة، فهي كالشجاعة والكرم، وكان العرب أغير من غيرهم، لأنَّهم أشدٌّ الناس حاجةً إلى حفظ الأنساب، ولذلك قيل: كل أمة وضُعت الغيرة في رجالها، وضعت الصيانة في نسائها، وقد وصل العرب في الغيرة أن جاوزوا الحد، حتى كانوا يؤدون بناتهم مخافة لحوق العار بهم من أجلهنَّ)[11]،هذا في عصر الجاهلية فما عسانا نقول اليوم وقد خرجت النساء وعَمَّت البلوى وكثرت البلايا والشرور وماتت الغيرة في قلوب الكثير من الرجال!!!.
هل يجوز تداول عبارة(دع الخلق للخالق):
إن مقولة (دع الخلق للخالق) مقولة لا يجوز تداولها لما وراءها من تفشي للمنكرات وتعطيل للدعوة،وإماتة للغيرة في قلوب الناس،والفَتِ في أعضاد الغيورين على الدين والأعراض،قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله عندما سُئل عن هذه العبارة،(ما يجوز هذا الكلام ,المنكر ينكر و يبيّن للنّاس ,و لا يدع الخلق يفعلون ما يشآؤون وخلّ الله يحاسبهم ,لا ,أنت واجب عليك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر و تدعو الى الله)[12]،وقال الشيخ الجبرين رحمه الله(معناه أنه يقول: لا تهتم بأمر الناس، لا تنصح ولا تعلم، ولا تأمر بالمعروف ولا تنه عن المنكر، هذا خطأ، نحن نعرف أن الخالق هو الذي يتكفل برزقهم، ولكن ابتلانا بأن نأمر وننهى، وابتلانا بأن نعلم ونفهم، وابتلانا -أيضا- بأن نساعدهم، ونمدهم بما نستطيع به،هذا من جملة الابتلاء ومن جملة العبادات التي نتقرب بها إلى الله، كما أمرنا بالصلاة والصيام، أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكونه يقول: دع الخلق للخالق معناه لا تهتم بالناس واتركهم ولا تعلم، ولا تفهم ولا تدعُ، ولا تتصدق على أحد، فلا شك أن هذا من الخطأ)[13].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ( هل ترك العبد ما لا يعنيه هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
والجواب: لا، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني الإنسان، كما قال الله عزّ وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فلو رأيت إنسانًا على منكر، وقلت له: يا أخي، هذا منكر لا يجوز، فليس له الحق أن يقول: هذا لا يعنيك، ولو قاله لم يقبل منه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني الأمة الإسلامية كلها،وأما مقولة (دع الخلق للخالق) فهي ليست قرآنًا ولا سنة حتى يُرد بها ما جاء الشرع به من إنكار المنكر, ويمكن حملها على معنى صحيح، وهو ترك حسابهم بعد أمرهم ونهيهم، كما قال تعالى( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ )، وكما في قوله تعالى عن نوح أنه قال( وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ).
هل هناك من تعارض : هل هناك من تعارض بين أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان)[14]،وبين قوله صلى الله عليه وسلم(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)[15]؟.
أولا لنعلم أنه لا يمكن بحال أن يوجب الشرع على من رأى منكراً أن يغيره وأن يقول له في الوقت نفسه إن الأحسن والأفضل ترك إنكاره،هذا لا يكون أبدا،لأن لكل حديث معناه وحاله التي تختلف عن حال الحديث الآخر.
ونظير ذلك في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)[16]،قال ابن كثير رحمه الله( يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم ، ومخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس ، سواء كان قريبا منه أو بعيدا، وليس في الآية مستدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكنا، ولذلك قام أبو بكر ، رضي الله عنه ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) إلى آخر الآية ، وإنكم تضعونها على غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله ، عز وجل ، أن يعمهم بعقابه)[17].
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ رحمه الله(وإنما يتمُّ الاهتداء إذا أُطيع الله و أدِّيَ الواجب مِن الأمر والنهي وغيرِهما، وفي الآية فوائد عظيمة منها: أن لا يخاف المؤمنُ مِن الكفَّار و المنافقين فإنهم لن يضرُّوه إذا كانَ مهتدِيًا، ومنها: أن لا يحزَنَ عليهم و لا يجزعَ عليهم فإن معاصِيهم لا تضرُّه إذا اهتدى، والحزنُ على مَا لاَ يضرُّ عبثٌ قال: وفي الآية معنى آخر وهو: إقبال المرء على مصلحة نفسه عِلمًا و عَمَلاً، وإعراضُهُ عمَّا لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم(من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)، ولاسيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة مِن أمر دِينِ غيرِه ودُنياه، لاسيَّما إن كان التكلُّم لحسدٍ أو رئاسةٍ)[18].
والمقصود من حديث(من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) أن لا يتدخل المرء في أمور لا تخصه،ومثال ذلك أن يرى إثنان أو ثلاثة يتحدثون فيقول لماذا يجتمعون وعن ماذا يتحدثون،أو لماذا طَلَّق فلانٌ فلانة،أو كيف حصل فلانٌ عل وظيفة أو سيارة أو ما شابه ذلك من الأمور التي لا تعنيه.
أم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يُعتبر من ذلك،بل فريضة وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر الاستطاعة،وأضعفه الإنكار بالقلب حفاظا على الدين،وحماية للأمة والمجتمع من الضياع وحلول العقوبات،وقد لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل بسبب تضييعهم هذه الشعيرة العظيمة،كما قال تعالى(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[19]،وأمر جل شأنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل ذلك من صلب الدعوة إلى الله جل وعلا،كما قال سبحانه(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[20]،قال ابن كثير رحمه الله(أي : منتصبة للقيام بأمر الله ، في الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[21].
وقال ابن القيم رحمه الله :(وقد جمع النبيُّ الورعَ كله في كلمة واحدة فقال ” مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ” ، فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر وسائر الحركات الظاهرة والباطنة فهذه الكلمة كافية شافية في الورع)[22]، وقال ابن رجب الحنبلي:(هو ترك المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه وبلغ درجة الإحسان وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام )[23] .
وقال المباركفوري :قال القاري في معنى (تركه ما لا يعنيه) (أي ما لا يهمه ولا يليق به قولاً وفعلاً ونظراً وفكراً ، وقال وحقيقة ما لا يعنيه مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ، ولا ينفعه في مرضاة مولاه ، بأن يكون عيشه بدونه ممكناً ، وهو في استقامة حاله بغيره متمكناً ، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة )[24].
ومما سبق ذكره من أقوال أهل العلم يتبين لنا جليا أن الفرق واضح لا شبهة فيه في أن ترك المسلم مالا يعنية ،لا يعني بحال أن تُتْرك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وأنها أصل في الدين لا غنى لأهل الإسلام عنها،وأن على المسلم أن ينكر المنكر ويعرف المعروف ولو بقلبه بأن يكرهه ويهجر مكانه ومكان مرتكبيه وذلك أضعف الإيمان.وأن على من آتاه الله العلم الشرعي أن ينكر المنكر ببيان نتائجه الوخيمة على البلاد والعباد،ومن لم يستطيع ذلك فلا أقل من أن يبلغ جهات الاختصاص لإزالة المنكر ولتبرأ ذمته من ذلك ويكون قد قام بشيء من لوازم الدين مما يجب عليه.ويتبين لنا وللقارئ الكريم أيضا أن عبارة (دع الخلق للخالق )عبارة باطلة لا أساس لها،وأن على المسلم تجنبها وإنكارها وبيان بطلانها لمن يجهلها.وأنها عبارة تخذيل وتهوين لأمر المنكرات وتثبيط لعزائم الغيورين،وترك للمنكرات تنتشر ويألفها الناس فلا ينكرها أحد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] رواه البخاري.
[2] رواه مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
[3] سورة النحل 125.
[4] رواه البخاري.
[5] رواه الترمذي.
[6] سورة التوبة 71.
[7] سورة آل عمران 110.
[8] رواه أحمد والطبراني.
[9] رواه البخاري.
[10] رواه الترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه.
[11] المعتقدات والقيم في الشعر الجاهلي.
[12] الموقع الرسمي.
[13] الموقع الرسمي.
[14] رواه مسلم.
[15] رواه الترمذي وابن ماجه بسند صحيح.
[16] سورة المائدة 105.
[17] تفسير ابن كثير ص 125.
[18] مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله.
[19] سورة المائدة 78-79.
[20] سورة آل عمران 104.
[21] تفسير ابن كثير ص 63.
[22] مدارج السالكين (2/ 22).
[23] جامع العلوم والحِكَم ( 1 / 309 – 311 ) .
[24] تحفة الأحوذي 6 / 500 .