الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
أيها الأحباب الكرام:
اعلموا أن الدنيا دار ممر لا دار مقر، جعلها الله للتزود للدار الآخرة، سرعان ما يخلعها الإنسان كما يخلع الثوب البالي الخَرِق، تزينت له حين خرج إليها لينزلق في وحلها ويتخضب بزينتها حتى إذا انقضى عمره انخلعت منه وأسلمته لمصيره، فإن كان ممن حذرها واستشرف بوارها، انقلب بخير ما ينقلب إليه ، وإن كان ممن سَكِر بزخرفها وانخدع بإقبالها، وأمن تقلبها، عاد إلى الله بسوء ما يحمل ، فما أعجبها من دنيا وما أخسها وما أدناها ،يخرج المرء منها إلى المقابر يحمله أقرب الناس إليه، ويشيعه ويتبعه ويدفنه أحب الناس إليه، يذهب معه زينة الدنيا من مال وولد وعمل، فتعود الدنيا ويبقى الصاحب وهو العمل، فإن كان صالحا أنِس به وإن كان سيئا شقي به، لو قيل لأهله أبقوه جسدا معكم ولكم الأموال الطائلة ما قبلوا بذلك، بل راحتهم في دفنه ومواراته التراب وهم من يحبهم ويحبونه، وإذا كان الأمر كذلك فإن العاقل يحتاط لأمره، ويجتهد في طاعة ربه، ويتجافى عن عجوز شمطاء قد استشرفها إبليس وزينها لإضلال العباد وإيرادهم موارد الهلاك، ولا يأسف على ما يفوته منها ولا يفرح بما يناله منها ، فإنها حطام زائل كلها، وهشيم تطير به الرياح إلى الفناء:
لاتَأْسَفَـنَّ علـى الـدُّنْيَا ومـا فِيْهَا * * * فَالْمَـوْتُ لاَ شَـكَّ يُفْنِيْنَـا ويُفْنِيْهَا
ومَـنْ يَكُـنْ هَمُّـهُ الـدُّنْيَا لِيَجْمَعَهَا * * * فَسَـوْفَ يَـوْمًا علـى رَغْمٍ يخَلِّيْهَا
لاَتَشْبَـعُ النَّفْـسُ مِـنْ دُنْيَا تُجَمِّعُها * * * وبُلَغَةٌ مِـنْ قِـوَامِ الْعَيْـشِ تَكْفِيْهَا
إِعْمَـلْ لِـدَارِ الْبَقَا رِضْـوَانُ خَازِنُهَا * * * الْجَارُ أحمَـدُ والـرَّحْمـنُ بانِيْهَا
وصدق الله حين قال عنها(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
اللهم وفقنا لخير زاد نتبلغ به إلى دار كرامتك، وموطن رحمتك، ومستقر رضوانك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.