الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .وبعد:
بشارة لكل مؤمن صابر راض بقدر الله محتسب عامل بالأسباب،يقول المولى عز وجل(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) * (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) * ( أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة 155-157 ، فمن البشارة لهم:
أولا: أن الله أشار إليهم خاصة بكلمة (أولئك) وهي عائدة على المؤمنين الصابرين المحتسبين، ونعتهم بكلمة(عليهم) أي لهم (صلوات )، وصلوات تعني مغفرة وصلوات الله على عباده، تعني غُفرانه لعباده أي غفران ذنوبهم ومعاصيهم لما تلبسوا به من الصفات الحسنة من صبر ورضا وانقياد واحتساب, وشبيه ذلك ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( اللهم صَلِّ على آل أبي أوْفى ) رواه البخاري ومسلم ،والصلاة لها معان كثير تتظمن شاهدنا في الآية والحديث وهي:
1-الصلاة: هي الدعاء وذلك لما فيها من قيام، وركوع، وسجود، وذكر، وتسبيح.
2- الصلاة: هي البركة والخير، وأي بركة أسمى مِن الخضوع لله كما ينبغي لجلال وجهه؟
3- الصلاة: هي المغفرة، وسميت بهذا لأن مقصودها نيل الغفران، والفوز برحمة الرحمن سبحانه.
4- الصلاة: هي الرحمة والثناء قال تعالى( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56]، فصلاة الله على النبي صلى الله عليه وسلم: رحمته له، وثناؤه عليه.
5- الصلاة: هي التعظيم وذلك لما فيها من تعظيم لأمره، وتقديس لجلاله سبحانه.
6- الصلاة: جاءت من التصلية أي: التقويم، فكأنها تقوِّم العبدَ عمَّا فيه من الاعوجاج والزَّيْغ.
7- الصلاة: سميتْ بهذا لأنها صلة العبد بربه، ولأن العبد بتركها يصل إلى النار، وبفعلها يصل إلى رحمة ربه سبحانه قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من ترك الصلاة فلا دين له).
8- الصلاة: سُميت بهذا، لأن في أدائها ضمانًا لمواصلة الله نعمه وفضله على عبده، كما قال تعالى( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132].
ثم أردف المغفرة بـ (وَرَحْمَةٌ ۖ) يعني: ولهُم مع المغفرة، التي بها صَفح عن ذنوبهم وتغمَّدها، رحمة من الله ورأفة ، ثم أخبر تعالى ذكره مع الذي ذكر أنه مُعطيهم على اصطبارهم على محنه، تسليمًا منهم لقضائه، من المغفرة والرحمة أنهم (هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ، المصيبون طريق الحقّ، والقائلون مَا يُرْضي عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب، ومعنى ( الاهتداء )، الرشد للصواب.
ويقول عز وجل(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 186] والنتيجة والبشارة (وإن تصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، وقال سبحانه(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) لماذا؟ الجواب (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم البشارة لمن وقع في بلده الطاعون( وكورونا ضرب من الطاعون والأوجاع) فبقي في بلده صابرا محتسبا فإن له أجر شهيد فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سألتُ رسول الله ﷺ عن الطاعون فأخبرني أنه( عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقعُ الطاعونُ فيمكث في بلده صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد[1]، رواه البخاري .
فهذ مِنَح من الله وأفضال يمن بها على من يشاء من عباده والصبر من العبادات التي لم يدد الله أجر أهله بحدود معلومة(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر 10 ، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومكانته عند اللّه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.