الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
خلت دورهم منها واقوت عراصهم ** وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها ** وضمتهم تحت التراب الحفائر
رحل عن الدنيا بعدما صوَّر المشهد الحي لما سيكون بعد رحيله في مقالة تركها بعده للعظة والاعتبار لمن كَبُرت الدنيا في عينه، وصَغُرت الآخرة ، فيقول فيها:
عند موتي لن أقلق ولن أهتم بجسدي البالي، فإخواني من المسلمين سيقومون باللازم وهو أنهم سيجردونني من ملابسي، ويغسلونني، ويكفنونني، ويخرجونني من بيتي، ويذهبون بي لبيتي الجديد، وهو القبر، وسيأتي الكثير لتشييع جنازتي، بل سيلغي الكثير منهم أعماله ومواعيده لأجل دفني، وقد يكون الكثير منهم لم يفكر في نصيحتي يوما من الأيام ، أشياء كثيرة بعدي سيتم التخلص منها، مفاتيحي، كتبي حقيبتي، أحذيتي، ملابسي…. وغير ذلك. وإن كان أهلي موفقين فسوف يتصدقون بها لتنفعني، فتأكدوا بأن الدنيا لن تحزن عَلَي، ولن تتوقف حركة العالم، والاقتصاد سيستمر، ووظيفتي سيأتي غيري ليقوم بها، وأموالي ستذهب حلالا للورثة، بينما أنا الذي سأحاسب عليها القليل والكثير، النقير والقطمير، وإن أول ما يسقط مني عند موتي هو اسمي. لذلك عندما أموت سيقولون عني أين الجثة؟ ولن ينادوني باسمي، وعندما يريدون الصلاة عَلَي سيقولون أحضروا الجَنَازة، ولن ينادوني باسمي، وعندما يشرعون بدفني سيقولون قرب الميت، ولن يذكروا اسمي. لذلك لن يغرني نسبي، ولا قبيلتي، ولن يغرني منصبي ولا شهرتي؟ فما أتفه هذه الدنيا، وما أعظم ما نحن مقبلون عليه. فيا أيها الحي الآن اعلم ان الحزن عليك سيكون على ثلاثة انواع الناس الذين سيعرفونك سطحيا سيقولون مسكين، وأصدقائك سيحزنون ساعات أو أيام، ثم يعودون الى حديثهم وضحكهم ، وسيحزن أهلك عليك أسبوع أسبوعين، شهر، أو شهرين أو حتى سنة، وبعدها سيضعونك في أرشيف الذكريات. انتهت قصتك بين الناس، وبدأت قصتك الحقيقية وهي الآخرة. لقد زال عنك الجمال والمال والصحة والولد، فارقت الدور والقصور والزوج. ولم يبق معك إلا عملك، وبدأت الحياة الحقيقية، والسؤال هنا ماذا أعددت لقبرك؟ وآخرتك من الآن؟ هذه حقيقة تحتاج الى تأمل، لذلك احرص على الفرائض والنوافل، وصدقة السر وعمل صالح وصلاة الليل لعلك تنجو. إن ساعدت على تذكير الناس بهذه المقالة وأنت حَي الآن ستجد أثر تذكيرك في ميزانك يوم القيامة بإذن الله( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
لماذا يختار الميت الصدقة؟ لو رجع للدنيا، كما قال تعالى( ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق) ولم يقل لأعتمر، أو لأصلي أو لأصوم؟ قال العلماء ما ذكر الميت الصدقة إلا لعظيم، ما رأى من أثرها بعد موته، فأكثروا من الصدقة، ومن أفضل ما تتصدق به الآن من وقتك لنشر هذا الكلام بنية النصح، فالكلمة الطيبة صدقة. انتهت الوصية.
ونستخلص منها ما يلي:
– الانتفاع بالتذكير وليكن ذلك حافزا لأخذ الحيطة والحذر، والاجتهاد للعمل لما بعد المفارقة.
– عدم الاغترار بهذه الدار الفانية فما هي إلا مَعْبر للآخرة وحقيقتها دار غرور لمن اغتر بها(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
– الاستعداد لساعة الصفر ولحظة المغادرة التي تشبه انطفاء السراج.
– استحضار المسكن الجديد المؤقت والمعبر لساحة العرض، بيت الظلمة، وردهة الضيق ومنزل الدود والهوام والكربات، إلا من وسعه الله عليه، وأضاء له أركانه وأقام له ما يسعده فيه حتى المُقام للحساب، وفتح له فيه البشرى لمنزله في جنات النعيم.
– إبراء الذمة من الأهل والأبناء بتربيتهم على دين الله وتوجيههم لما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة.
– الإكثار من الصدقة فالمرء في ظل صدقته يوم القيامة.
– الحرص على تذكير الناس فلئن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم.
-سؤال الله دائما حسن الخاتمة فإنها بشرى عاجلة.
-استحضار عظمة السؤال عن كل شيء وإعداد الجواب الكافي.
-سقوط كل شيء عن الميت حتى اسمه ولقبه، فلا ينفعه شيء إلا عمله الصلح بعد رحمة الله عز وجل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.