الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
في رحاب آية.
يقول المولى عز وجل( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن 16.
يشتكي الناس في هذه الأزمنة من غلاء المعيشة وشدة المؤونة ، وكثرة الأمراض والأوبئة، وتقلب الأجواء ، وقلة الأمطار وغور المياه، وتغير الأحوال والناس، وكثرة الفساد وغير ذلك مما يُتَداول في المجالس والنوادي والمناسبات، مما لم يُشَاهد في أوقات مضت، ناسين أو متناسين مخرجات ابن آدم على الأرض وما جره على البلاد والعباد من بلايا ومحن ، حسد وبغضاء وتقاطع وتدابر وتباغض وقطيعة أرحام وعقوق والدين وهجر المساجد والتهاون في أمر الصلاة والتخبيب وإفساد ذات البين والربا وأكل الحرام وتعاطي الكبائر والمحرمات والغيبة والنميمة والبعد عن هدي الكتاب والسُنة والتلاعب والإسراف في نعم الله وقلة البركة في الأموال والأعمار والذريات وغيرها مما أفسد المعايش وقَسَّى القلوب وضَيَّق النفوس، وليس للناس من مخرج مما هم فيه إلا بتوبة صادقة وأوبة خالصة ، ولقد جرت سنن الله في خلقه منذ القدم أن يصيبهم البلاء والنقم إذا انصرفوا عن شريعة الله وضيعوا أوامره وتنكبوا صراطه المستقيم، وهذا ما نراه في هذه الأزمنة والله المستعان.
فلو استقامت الأمة على شريعة الله، وأقامت حدود الله، وكَفَّت عن محارم الله ومعاصيه، وكانت وقافة عند حدود الله، لساق الله لها الخيرات، ولأَمَّنَها من النقمات والملمات، ولأحل عليها رضوانه، كما قال عز وجل(مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) النساء 147 ، قال ابن كثير رحمه الله(أي : أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله ، ( وكان الله شاكرا عليما ) أي : من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه ، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء)، وقال الإمام الطبري رحمه الله(وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحقّ والاستقامة (لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يقول: لوسعنا عليهم في الرزق، وبسطناهم في الدنيا).
وقال الإمام ابن باز رحمه الله(وهذا وعد من الله تعالى أن الناس لو استقاموا على الطريقة التي رسم الله لهم من اتباع الشرع وطاعة الأوامر وترك النواهي لأسقاهم الله الغيث الكثير الذي ينفعهم في حروثهم وفي آبارهم وفي سائر شئونهم، ولكن بسبب التفريط والإضاعة والتساهل قد يؤخذ الناس بأنواع العقوبات التي منها الجدب والقحط ومنع الغيث، كما قال جل وعلا( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) الشورى30 ، وقال جل وعلا( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) الأعراف 130 .
والبركات والخيرات لا تغشى العباد إلا بالاستقامة على شريعة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكف الفساد، والقيام بما أوجب الله عليهم من طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف 96 ، قال ابن كثير رحمه الله(أي : آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل ، وصدقت به واتبعته ، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات ، ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) أي : قطر السماء ونبات الأرض . قال تعالى : ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) أي : ولكن كذبوا رسلهم ، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم).
لذلك ينبغي المبادرة بالتوبة الصادقة، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة، والتمادي في الإعراض والعصيان سبب في تعاقب الفتن والنقم والعقوبات، وكثرة الاستغفار والندم والتوبة والقيام بحقوق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم وحقوق العباد، سبب في رفع البلاء وحلول الرضا من الرحمن تبارك وتعالى. رزقنا الله جميعاً التوبة الصادقة والأوبة الخالصة إنه رحيم كريم منان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
