شبهات المستشرقين حول قصص القرآن الكريم والرد عليها ( الشبهة الثالثة) د. ناجي بن وقدان

الشبهة الثالثة

 

أولا: عرض الشبهة وتوثيقها.

دعوى أن الوسط الوثني مصدر من مصادر محتوى القرآن الكريم، يقول المستشرق سانت كلير تسدال[1]” إن الوسط الوثني مصدر من مصادر محتوى القرآن الكريم من القصص وغيره”[2] .

ثانيا: الرد عليها ردا إجماليا.

      من الطبيعي جدا أن يكون لكتاب الله تبارك وتعالى أعداء ومغرضين، وذلك لأنه المصدر الأول لشريعة الإسلام، ورسالة محمدr ، وناسخ لما سبقه من الكتب والأديان، ولقد دأب المستشرقون إلى شحن كل ما يملكونه من طاقات مادية ومعنوية وبدنية لمواجهة هذا الكتاب العظيم، وبث السموم، وإثارة الشبهات، وبعث الشكوك في النفوس، للصد عنه وتنفير البشرية من دراسته وقراءته.

       ولقد اختلفت آراء المستشرقين وتباينت حول مصادر هذا الكتاب العظيم، ولذلك نرى إن كثيرا من المستشرقين عندما يكتبون عن الإسلام، لا يتركون أبدا قضية المصدرية لهذا الإسلام وللقرآن، كزعمهم أن محمداr كان تلميذا عند اليهود والنصارى، وأن القرآن صورة تلمودية وصلت إلى محمدr بطريقة ما، وافترضوا لذلك عددا من الافتراضات، كقولهم أن ديانتي اليهودية والنصرانية كانتا معروفتين في بلاد العرب، وكقولهم أن مكة المكرمة عرفت اليهودية والنصرانية وذلك لأنها كانت رابطا تجاريا بين شمال بلاد العرب وجنوبها، مما كان له الأثر على النبيr ، وزعمهم أن العرب الجاهلين كانوا يعرفون أفكارا يهودية ونصرانية، أمثال أمية بن الصلت وورقة بن نوفل وغيرهما مما كان له الأثر الواضح على النبيr ، بل وزعم بعضهم أن الإسلام كان وليد بيئة وثنية تأثر بكل ما فيها من عناصر، وهناك منهم من زعم أن للحنفاء دور كبير في التأثير على أفكار النبيr ، حيث عمل بها وأفاد منها، وآخرون زعموا أن الإسلام خليط من الديانات المجوسية والهندية القديمة ، والزرادشتية والمصرية القديمة وغيرها من الديانات القديمة .[3]

       وما من شك في بطلان ما ذهبوا إليه من الشبهات التي لا تستند على دليل، ولم تخضع لأبسط معايير البحث العلمي الصحيح، خالية من التجرد والحياد والعدل والموضوعية، وسيكون الرد بإذن الله تعالى عليها مفندا في الرد التفصيلي الذي يبرهن سقوط تلك الدعاوى وبطلانها، مثبتا أن القرآن الكريم ، كتاب منزل من عند الله على قلب النبيr ، لم يقتبس مضامينه ولا قصصه من أي مصدر آخر، سوى مصدره الأصلي، وهو كلام الله تعالى، لم يتغير أو يتبدل منذ أنزله الله تعالى، وسيبقى كذلك بحول الله ومنته، إلى أن يشاء له الرفع.

 

ثالثا: الرد عليها ردا تفصيليا.

إن الشبهة التي أثارها المستشرق سانت كلير تسدال ، وزعم أن الوسط الوثني مصدر من مصادر محتوى القرآن الكريم من القصص وغيره، تحتوي على عدد من المواضيع، ومنها:

زعمهم أن النبيr استقى معلوماته التي ضمنها القرآن من البيئة التي عاش فيها بدليل التشابه في وجهين:

الوجه الأول: التشابه الموجود في العقائد والشعائر التعبدية والعادات، حيث استدل منها المستشرقون أن محمداr استقاها من البيئة التي عاش فيها وبين ما كان سائدا في الوسط الوثني ، الذي عاش فيه.[4]  

الوجه الثاني: التشابه الموجود بين مقاطع الشعر الجاهلي والآيات القرآنية، حيث زعموا أن محمداr استقاها من وسطه الوثني وجعلها في القرآن الكريم.[5]

وللرد على هذه الشبهة نقول:

شاء الله تعالى ومشيئته نافذة، أن تُعْمر مكة المكرمة، وتصبح أم القرى تهفوا إليها القلوب من كل مكان، ولذلك وجه نبيه إبراهيم عليه السلام بالتوجه إليها، وبناء الكعبة البيت الحرام، أول بيت على وجه الأرض، يؤمه الناس من كل أصقاع الأرض ويتوجهون إليه، ليكون قبلتهم الموحدة في صلاتهم وعبادتهم، فاستجاب لأمر الله عز وجل وقام بما أمر به من بناء الكعبة بمعاونة ابنه إسماعيل عليه السلام، الذي جاء مع والدته هاجر ونزلا موضع زمزم الآن، كما قال عز وجل (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)البقرة: ١٢٧، ولما استقر المقام لإسماعيل عليه السلام بمكة، تزوج وكثر نسله فيها، وضاقت بهم الأحوال واشتدت العداوات، مما حدا بالكثير منهم التفرق في البلاد والبحث عن مصادر العيش، وبعد فترة من الزمن، دخلت عليهم الوثنية، وذلك بسبب أن من يأتون مكة ويظعنون ثم يرحلون ، يأخذون من حجارة الحرم، وحيثما حلوا وأقاموا جعلوه في مكان يطوفون به كما يفعلون بالكعبة، وذلك تعظيما للحرم.[6]

        ومن هنا بدأ استبدال دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بدين الأوثان كما كان في الأمم السابقة، وبقي هناك بقايا من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، يتنسكون بتعظيم البيت والطواف حوله والحج والعمرة، والوقوف بمزدلفة، والهدي، والإهلال بالحج والعمرة وغيرها. وكان أول من غير دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ونصب الأوثان ، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، عمرو بن لحي، ومن هنا انتشرت الأصنام، وعبدت الأوثان، كما كانت في قوم نوح عليه السلام، حتى وصل بهم الجهل أن سيطرت خزاعة على البيت، وأخرجت جرهم من مكة، وصار عمرو بن لحي مشرعا لهم ، لا يشرع بدعة إلا اتخذوها عبادة ومنسكا، حيث كان لديه القدرة المالية لإطعام الناس وكسوتهم، وقيل إن الأمر دام له ولولده على مكة ثلاثمائة سنة.[7]

        ومن هنا دخل وتتابع الشرك في العرب ، وانصرفوا عن دين إبراهيم عليه السلام، وصرفوا ما ينبغي صرفه لله، لأصنامهم وأوثانهم، وساءت الأحوال ، وكثر الفساد، وفشت المحرمات، وتركت الفرائض والسنن، وكثرت البدع والخرافات، ومع حصول هذا كله، إلا أنه بقي قلة باقية يبحثون عن الحقيقة وعن الدين الذي افتقدوه، وهؤلاء يسمون بالحنفاء، فلما بعث الله النبيr ، طلب من قريش قومه العودة إلى دين الحنيفية، دين إبراهيم الخليل عليه السلام قبل التغيير والتحريف، داعيا إياهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان والأصنام، وترك عبادة كل وسيط يدعونه بينهم وبين الله، وطلب منهم عليه الصلاة والسلام تزكية النفس بفعل الواجبات، وترك المحرمات، واجتناب المنكرات، وترك مفاسد الأخلاق من الأقوال والأفعال، فما وجد منهم إلا العصيان والتمرد والمجابهة، ونابذوه وحاربوه وآذوه هو وأصحابه أيما إيذاء،  إلا من القلة القليلة التي استجابت له ولدعوته، ولكن الله جل وعلا أيده ونصره عليهم، وانتشرت دعوة الحق بفضله ومنه إلى كل أرجاء المعمورة.

       ولقد كان أهل الجاهلية في غاية من الفساد في القيم والأخلاق، وانقلاب الموازين، ولقد نقل لنا الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالبt ، وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، نقلا حيا وتصويرا واقعيا لما كان عليه القوم أنذاك، مبينين الفرق بين الجاهلية والإسلام، قال الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالبt للنجاشي ملك الحبشة، ردا على افتراءات السفيرين اللذين أرسلتهما قريش لإرجاع المهاجرين من الحبشة إلى مكة، ” أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الاوثان ونأكل الميتة ونسئ الجوار، يستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ونصل الارحام ونحمي الجوار ونصلي لله عز وجل، ونصوم له، ولا نعبد غيره، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الارحام وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من عند الله، فعبدنا الله وحده لا شريك له ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا ليفتنونا عن ديننا ويردونا إلى عبادة الاوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك”[8].

         أما أوجه الانحطاط في الأخلاق ، فتصوره لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها “أن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ، ونكاح أخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل ، ونكاح رابع يجتمع الناس كثيرا فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أراد دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث النبي r بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم”[9].

        إن هذا الوسط الوثني بما فيه من الشرور وفساد القيم والأخلاق، هو الذي يجعله المستشرقون مصدرا من مصادر القصص القرآني، ومن ينظر بعين العقل والبصيرة، يرى ويحكم أنه لا يصلح بحال لما أثاروه وتوهموه، وكيف لا والقرآن الكريم كلام الله تعالى المنزل على رسولهr . ويتبين لنا من خلال ما سبق من الأدلة والنصوص، أن العرب كان فيهم بقايا من أخلاق الإسلام، ومن دين إبراهيم عليه السلام، وجوانب حث عليها الإسلام وأقرها، فلا غرابة إذا أن نجد مثل هذه البقايا بين ثنايا ركام الجاهلية والشرك.

وللوقوف على هذه الشبهات التي أثارها أولئك المستشرقون، بهدف تفنيدها والرد عليها، وإثبات بطلانها، ولنرى إنما هي دعاوى باطنية لا تصمد أمام دليل ولا تثبت أمام الحجة والبرهان. ودعواهم وشبهتهم تدور حول دعوة الإسلام إلى الوحدانية ، حيث تأثر بالوسط الوثني الذي عاش فيه[10]، وللرد عليها نقول إن الوحدانية مصلح أصيل وقديم ، وموجود منذ هبوط آدم عليه السلام على الأرض، حيث أهبطه الله ومعه عقيدة التوحيد، بأن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يعبد معه أي مخلوق آخر، ونبذ الشرك والكفر، وظلت هذه الدعوة هي دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، بين أقوامهم، كما أخبرنا الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء: ٢٥، قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي-رحمه الله- ” فكل الرسل، الذين من قبلك مع كتبهم، زبدة رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة”[11].

       وقد نقل هذه الدعوة المباركة إلى جزيرة العرب ، إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ولكن مع تقادم الأزمان وطول الأمد، نسي العرب شيئا من هذه الدعوة، فطمسوا معالم التوحيد والعقيدة، وأحيوا براثن الشرك والكفر، فبعث الله إليهم محمداr ليذكرهم بدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام، للتوجه إلى الله تعالى بخالص الأعمال، ونبذ الشرك وعبادة الأصنام. فدعوة النبيr إلى الوحدانية ليست بتأثير الوسط الوثني كما يدعيه ويزعمه المستشرقون، بل هي اتصال ومواصلة لدعوة إبراهيم عليه السلام وتجديدا لها في حياة الناس، لأن الأصل واحد لهذه الدعوة، ومن يتقصى التاريخ يجد البرهان على ذلك، يقول د. عمر بن إبراهيم رضوان” والناظر إلى التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب السماوية ، يجد أن هذه الدعوة متكررة على ألسنة كافة أنبياء الله، فلا غرابة إذا من تجديد الدعوة لها في الإسلام على لسان رسولنا محمدr “[12] .

        والقرآن الكريم الذي جاء به النبيr من عند الله تبارك وتعالى، مليء بالآيات التي تذكر التوحيد والعقيد، وتدعوا إليها، وتنبذ الشرك والكفر وتنفر منهما، كما في قوله عز وجل( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)البينة: ٥ وقوله سبحانه( وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)النحل: ٥١، وقوله تعالى في بيان أن إبراهيم عليه السلام داعيا إلى التوحيد،(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)النحل: ١٢٠.

 

وتتواصل مزاعم أولئك المغرضون ليثيروا طرفا آخر لتلك الشبهة بقولهم بتشابه الإسلام والوسط الجاهلي، الذي نشأ فيه في جانب الشعائر التعبدية كالحج وما يكون فيه من تقبيل للحجر الأسود وطواف وسعي وغير ذلك من شعائر الحج.[13]

        تقدم في الكلام في مقدمة الشبهة، أن دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام تأسست في الجزيرة العربية، ولكن العرب هم الذين غيروا وبدلوا وأحدثوا الشركيات والوثنيات، ومع هذا التغيير الكبير ،إلا أنه بقي في هذا الوسط الوثني ثلة على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، كما أن الشرائع التي جاء بها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ومحمدr أصلها واحد وهي منزلة من عند الله عز وجل، نقلها الرسل جميعا إلى أقوامهم، داعين لهم إلى هذا الأصل وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، فالعبادات من صلاة وزكاة وحج وصوم وغيرها، هي عبادات عند الرسل جميعهم، فإذا وجد هناك نوع تشابه في ذلك بين الديانات السماوية، مع اختلاف في الأماكن والهيئات والأوقات، فهذا من الأمر الطبيعي، كما قال عز وجل( لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ) الحج: ٦٧ ، يقول ابن كثير –رحمه الله- ” يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكا، قال ابن جرير لكل أمة نبي منسكا، ولهذا سميت مناسك الحج بذلك لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها”[14].

       والمستشرقون أنفسهم يشهدون ويقرون بذلك ، ففي دائرة المعارف الإسلامية يقولون” ولم يك الحج إلى عرفات أمر اختص به العرب ، فالحج إلى معبد من المعابد عادة سامية قديمة جعلت حتى في الأجزاء القديمة من أسفار موسى الخمس فرضا يجب أداؤه فقد ورد في سفر الخروج الإصحاح الرابع والثلاثين ( ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب إله إسرائيل”[15] ، يقول د. عمر بن إبراهيم رضوان” فالمسلمون يقفون في حجهم على جبل عرفات، واليهود يقفون في حجهم على جبل سيناء، والنصارى يحجون إلى بيت المقدس في فلسطين، فهل يعني هذا أن الديانات الثلاث أخذن شعيرة الحج من الوسط الجاهلي الوثني؟ والمستشرقون يعرفون أن اليهودية والنصرانية سابقة للوثنية في الجزيرة العربية فلا يبقى إلا أن يكون المصدر لكل ذلك هو الله عز وجل”[16].

        وأهل الجاهلية لم يكن لهم بيت واحد للطواف في حجهم، بل كان لهم بيوت أخرى يطوفون بها كبيت ذي الخلصة[17]، فعن جرير بن عبد اللهt قال كان في الجاهلية بيت يقال له ذو الخلصة وكان يقال له الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية فقال لي رسول الله r ” هل أنت مريحي من ذي الخلصة ” ، قال فنفرت إليه في خمسين ومائة فارس من أحمس قال فكسرنا وقتلنا من وجدنا عنده فأتيناه فأخبرناه فدعا لنا ولأحمس.[18]

      وإذا جاء الإسلام بأمر الحج، فإن ذلك لا غرابة فيه، فهذه المناسك والشرائع هي وحي من الله تعالى، وأي تبديل أو تحريف فهو من أعمال الجاهلية ولا ريب،  فالإسلام ما جاء إلا ليحي هذه المناسك التي شرعها الله، وبنها وفصلها لتظهر للناس معالم الإسلام ومحاسنه، من خلال هذه المناسك، فهو دين السلام والقيم الفاضلة.

        والحج في الإسلام يختلف في مظاهره كليا، عن تلك المظاهر الوثنية، فالحج في الإسلام له أهدافه السامية العظيمة، وهي التوجه بالطاعة والعبادة إلى الله الواحد الأحد، وتذكير الناس بيوم حشرهم واجتماعهم بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وفيه من المعاني التربوية المتكاملة في جميع جوانبها، في ظل الإسلام ، هذا الدين العظيم، فأين إذا التشابه المختلق والمزعوم بين دين وتشريعات تسمو بالعواطف الإنسانية العظيمة، من تلك التشريعات الوثنية المنحطة التي لا تزيد معتنقيها إلا انحطاطا وضياعا، فالفرق واضح جلي بين شريعة الإسلام الحكيمة وبين شريعة الجاهلية الجهلاء، وهذا الفرق والبون الشاسع لا يخفي على ذي بصر وبصيرة وعقل راجح سديد.

       وشعيرة الحج التي تؤدى في الإسلام ، هي شعيرة الحج التي أداها إبراهيم عليه السلام فالكل تجمعها كلمة التوحيد الخالص لله عز وجل ، وترك كل أنواع الشركيات التي أدخلتها الوثنية على حج إبراهيم عليه السلام، كإدخالهم الشرك على التلبية في قولهم ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك”[19] ، وكاستئذانهم بالوقوف بعرفة من الغوث بن مر[20] وولده من بعده، وكعدم دفعهم من عرفة إلا إذا دفع رجل من صوفة، ولا رميهم إلا إذا رمى رجل من صوفة.[21] فالإسلام يعيد كل تغيير حصل لحج إبراهيم عليه السلام إلى ما كان عليه، وهذا حتما يبطل شبهة المستشرقين، ويصدع بنيانها، فالحج وغير من العبادات هي وحي وتكليف من الله عز وجل لنبيه محمد r ولأمته، وليست أخذا واستنساخا من الوسط الوثني المزعوم، وما بقي عند الجاهلية من بواق الحج وشعائره ومناسكه، هي بقايا دين إبراهيم عليه السلام، جاء الإسلام ليعيدها ويحييها.

        والحج لم يستمد من اليهودية كما زعم المستشرق الآخر [ دوزي][22] ، فالحج عند الجميع من مسلمين ويهود ونصارى مصدره دين إبراهيم عليه السلام، وهذا ظاهر جلي فيما سبق استعراضه، وأما تقبيل الحجر الأسود، فليس من بقايا الوثنية، ولو كان كذلك ما أبقاه الإسلام، فالحجر الأسود لم يكن يوما من الأيام صنما ولا وثنا للعرب ولم يقدسوه يوما من الأيام، فهل من المعقول أن يتركه الوثنيون ويتركون تقديسه، ويفعل ذلك المسلمون؟ أما قضية احترام الحجر الأسود، فلأنه من بقايا بناء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام للكعبة، فعمر ابن الخطابt قد بين لنا سبب تقبيل الحجر، وأن ذلك سنة مطردة، ومتابعة للرسول الكريمr ، عن عمر بن الخطابt أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال “إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك “[23].

 يقول د. عمر بن إبراهيم رضوان “تقبيل الحجر الأسود أمر تعبدي خالص لوجه الله تبارك وتعالى، وإن جهلنا سر ذلك التقبيل، فهو من سنن الطواف بالبيت، فكثير من العبادات تخفى أسرارها والمسلم مكلف بأدائها”[24] ، والفرق واضح بين من يتوجه لشجر أو حجر أو أي مخلوق تجها مليء بالتعظيم والتبجيل على وجه التعبد والتنسك، وبين أداء عبادة خالصة لله وحده لا شريك له إيمانا واحتسابا ، في زمن معين ومكان معين وصفة معينة، ولكي لا يغتر حديثي العهد بالإسلام ممن كانوا يعظمون الأحجار فيما فعله عمرt، فقد بين تبيانا لا غموض فيه أنه حجر لا يضر ولا ينفع وأن الضر والنفع بيد الله عز وجل ، وإنما القضية عبادة خالصة لله تعالى ومتابعة لهدي النبيr .[25] وهذا التحذير من الاعتقادات الفاسدة، هو الذي وقع فيه المستشرقون أنفسهم، حيث ظنوا أن هذا الفعل هو من بقايا الوثنية.

        والناظر في حال المسلمين اليوم في عباداتهم وصلواتهم ، يرى أنهم يستقبلون الكعبة المشرفة جاعلين منها قبلة لهم، ولا يمكن بحال أن نرى ولو مسلما واحدا يدين لله عقيدة وعملا ، أن يتوجه لها ليعبدها بذاتها، بل هناك ما هو أقل من ذلك ، فقد نهانا الله تبارك وتعالى عن الحلف بالكعبة أو القسم بها، وأمرنا بالحلف والإقسام به سبحانه، لأن الحلف بالشيء نوع تعظيم له، والتعظيم لا يكون إلا لله عز وجل. كما أن بعض مناسك الحج ترمز لأمور معينة، كلبس إزاري الإحرام ترمز إلى الكفن الذي يكفن به الميت، وهذا تذكير للناس بالدار الآخرة، والوقوف بعرفة يذكر الناس بالوقوف بين يدي الله يوم الحشر، ورمي الجمار يذكر بكيد الشيطان لابن آدم ، كما حصل منه مع إبراهيم عليه السلام، فلا يمنع أن يكون تقبيل الحجر الأسود رمز لما كان عليه هذا الحجر أول نزوله من الجنة أنصع بياضا من الثلج حتى سودته ذنوب ابن آدم بالشرك وغيره. وتقبيل الحجر الأسود سنة متواترة عن النبيr ، يفعلها كل مسلم، ويقتدي بالنبيr لأنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل إلا ما يأمره الله به ، وتقبيله من المناسك التي يفعلها الحاج والمعتمر حال الاستطاعة، فعن جابرt يقول : رأيت النبي r يرمي على راحلته يوم النحر ويقول “لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه”[26]  . فهل بقي بعد هذا البيان من شبهة تثار أو طعن في القرآن والإسلام، إلا في قلوب فاسدة، ونفوس حاقدة، قد امتلأت حقد وغيضا على الإسلام والمسلمين، تقول إن تقبيل الحجر الأسود من بقايا الوثنية والجاهلية.[27]

       ويستشهد تسدال في شبهته ، أن الوسط الوثني مصدر من مصادر القرآن الكريم وقصصه، بقصة مريم[28] عليها السلام، وأنها ليست صحيحة ولم ترد في كتب النصرانية المعتمدة بهذا الشكل، واعتبرها خرافية وهمية ولا تصح وهذا حسب زعمه، ويبرهن إنكاره بعدة أمور منها:

1) أن ولادتها لعيسى عليه السلام( وصف في القرآن على شكل أشبه ما يكون بالأسطورة  [ ميلاد بده] عند الهنود ميلاد[ بده ] من عذراء لم يمسها رجال).

2) ذكر خدمتها للهيكل مع أن هذا لا يجوز في حق النساء- على حد زعمه-.

3) ذكر القرآن أنها أخت هارون أخي موسى- على حد فهمه- وهذا من الخطأ التاريخي في القرآن الكريم للفارق الكبير بينهما.[29]

           وللرد على هذه الفرية المغايرة تماما لحقائق القرآن الكريم، وللحقائق والوقائع التاريخية، نقول أن قصة مريم بنت عمران وابنها عيسى بن مريم عليهما السلام، قد انتشرت في الأوساط المسيحية أيما انتشار، حتى إن فرقة البربرانية ألهوها وابنها عيسى عليهما السلام، وذلك لأنها حملت وولدت عيسى بن مريم بطريقة خارقة للعادة، بغير الطريقة التي تلد بها النساء[30]، وقد ذكر القرآن الكريم قصة تأليههم لهما، بقوله عز وجل( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ*مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة: ١١٦ – ١١٧، أما زعمه أن قصة مريم وابنها غير موجودة في الكتاب المقدس، فهذا مردود عليه لورودها في إنجيل لوقا، وجاء فيه ” وبعد تلك الأيام حبلت تلك الياصبات[31]، امرأته ( أي زكريا عليه السلام) وأخفت نفسها خمسة أشهر قائلة: هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي نظر فيها إلي لينزع عاري بين الناس، وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك إلى مدينة الجليل( اسمها ناصرة) إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم فدخل إليها الملاك وقال : سلام لك أيتها المنعم عليها ، الرب معك، مباركة أنت في النساء، فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله ، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية”[32] .

        أما إنجيل برنابا فكان أكثر وضوحا وبيانا، حيث جاء فيه ” لقد بعث الله في هذه الأيام الأخيرة بالملاك جبريل إلى عذراء تدعى مريم من نسل داود من سبط يهوذا بينما كانت هذه العذراء العائشة بكل طهر بدون أدنى ذنب المنزهة عن اللوم المثابرة على الصلاة والصوم يوما ما وحدها، وإذا بالملاك جبريل قد دخل مخدعها وسلم عليها قائلا: ليكن الله معك يا مريم ، فارتاعت العذراء من ظهور الملاك ، ولكن الملاك سكن روعها قائلا : لا تخافي يا مريم لأنك قد نلت نعمة من لدن الله، الذي اختارك لتكوني أم نبي يبعثه إلى شعب إسرائيل ليسلكوا في شرائعه بإخلاص، فأجابت العذراء وكيف ألد بنينا وأنا لا أعرف رجلا؟ فأجاب الملاك إن الله الذي صنع الإنسان من غير إنسان، لقادر أن يخلق منه إنسانا من غير أب، لأنه لا محال عنده، فقالت مريم: إني لعالمة أن الله قدير فلتكن مشيئته، فقال الملاك: كوني حاملا بالنبي الذي ستدعينه يسوع عيسى، فامنعيه الخمر والمسكر وكل لحم نجس لأن الطفل قدوس الله  ( مبارك) فانحنت مريم بضعة قائلة: ها أنا ذا أمة الله فليكن بحسب كلمتك فانصرف الملاك ….الخ”[33] . وهذان نصان منقولان من الكتاب المقدس، الأول معترف به عند تسدال والآخر غير معترف به عنده، وكلا النصين يؤيدان وبقوة ما جاء في القرآن الكريم، ويدحضان شبهة تسدال التي لا تستند إلى دليل صحيح، وذلك لإنكاره قدرة الله تبارك وتعالى وعدم تصوره لها، ومن المعلوم أن عقيدة النصارى قائمة على هذه المعجزة الإلهية ، حيث يعتقدون أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن أمه، وذلك أن هذا الاعتقاد يقوم على أن الله تبارك وتعالى عاقب آدم وذريته بجهنم، من أجل خطيئة آدم بالأكل من الشجرة ، ثم إنه حن عليهم بخروجهم من النار بأن بعث ولده فالتحم في بطن مريم بجسد عيسى ( فصار إنسانا وإلها: إنسانا من جوهر أمه وإنسانا من جوهر أبيه، ثم ما أمكنه من خروج آدم وذريته من النار إلا بموته ، وبه يفدي جميع الخلق من الشيطان)[34] .

       فهذه هي عقيدة النصارى على ما فيها من الفساد المبين، إلا أنها شهدت بصدق القرآن الكريم، فيما جاء به من خلق عيسى عليه السلام من غير أب، وأنه لم يستمد مضامينه من الوسط الوثني كما ادعاه وزعمه المستشرقون. فالله جل وعلا بقدرته خلق عيسى عليه السلام بلا أب، قد خلق آدم من قبل بلا أب ولا أم ، خلقه من تراب وقال له كن فكان، كما قال عز وجل( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آل عمران: ٥٩ ، مع أن التوراة أيضا تقر بخلق آدم من تراب ، وخلق آدم أشد وأكبر من خلق عيسى وذلك حسب المقياس البشري، وهذا الأمر يجب أن يومن به ويصدقه كل النصارى ومنهم تسدال صاحب الشبهة، وشتان بين قدرة الله عز وجل وبين قدرة البشر، وهذه القصة حقيقة وواقعية، ومذكورة في الإنجيل المعتمد عندهم، لا كما يدعيه تسدال أنها خرافية، وأنها لم تذكر إلا في كتاب التاريخ القبطي فقط.

      والفرق بين أسلوب سرد القصة في الإنجيلين، وبين الأسلوب المعجز في سردها في القرآن الكريم واضح وبين، فهي في القرآن الكريم كما قال تبارك وتعالى( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا*فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا*قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا *قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا*قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا*قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا *فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا *فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا*فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا *فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا*يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا*فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا*وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا*ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ*مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ*وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) مريم: ١٦ – ٣٦ ، فقصة ميلاد عيسى عليه السلام، المذكورة في القرآن الكريم، هي المذكورة أيضا في الإنجيل بأصولها وأحداثها البارزة، فكيف يأتي تسدال وينكرها ويقول إنها قصة خرافية ومأخوذة من قصة خرافية عند الهنود وهي قصة ميلاد بده، وكيف يتسنى له طمس هذه الحقائق الواضحة البينة، وتحريفها بغيا وعدوا. ورده للقصة وإنكاره لها لمجرد أن مريم كانت تخدم الهيكل، غير مقبول، إذ أن أصل الخدمة في مكان العبادات في الديانات الثلاث للرجال، لكن الأمر لا يمنع النساء من المشاركة، في حدود ما تقتضيه طبيعتهن، وقد حصل هذا في الإسلام زمن النبيr ، فعن أبي هريرةt أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد  ففقدها رسول الله r فسأل عنها فقالوا ماتت، قال: أفلا كنتم آذنتمونى، فقال دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها “[35] ، وقد ذكر الإنجيل أيضا خدمة حنة أم مريم[36]، للهيكل كما في إنجيل لوقا وفيه” وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط أشير وهي متقدمة في أيام كثيرة قد عاشت سبع سنين مع زوج بعد بكوريتها وهي أرملة، وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلا ونهارا”[37].

       ولذلك علم الله سبحانه وتعالى إخلاص حنة، المرأة العابدة الناسكة، في دعائها لربها بأن يرزقها ولدا يقوم على خدمة الهيكل، ولكن الله بسابق علمه وقدرته، رزقها أنثى يكون لها شأنا أرفع من شأن الذكور، يخرج منها معجزة عظيمة تدل على كمال قدرته، من غير أب يكون رسولا ومن أولي العزم من الرسل، ودون أن يمسها أحد من البشر. وكأن الله تعالى يقول لها” أنت يا حنة تريدين ذكرا بمفهومك وفاء لنذرك، خادما لبيته المقدس، وأنا وهبت لك أنثى، سأعطي البشرية بها خادما للعقيدة الإلهية بدلا من خدمته لبيته ، وبها تتحقق آية على قدرة الله الإلهية”[38] . وبهذا تندحر شبهة تسدال وتبطل، ويثبت حقا ما جاء في القرآن الكريم فهو الحق والفصل وليس بالهزل.

        وأما ما دعا إليه تسدال بأن القصة خرافية ويعتبرها خطئا تاريخيا في القرآن وذلك بأن القرآن الكريم سماها أخت هارون ظنا منه أنه هارون أخو موسى بن عمران والفترة الزمنية الطويلة بينهما لا تسمح بذلك لأنها تقدر بخمسة عشر قرنا، وللرد على هذه الفرية نقول:

أن للعلماء في هذا الأمر أقوال وآراء، ومنها:

أولا: أن هارون المذكور رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، والمعنى أنك كنت في الزهد مثل هارون، فما الذي صيرك لهذا، وقد ذكر هذا قتادة وكعب وابن زيد والمغيرة بن شعبة.[39]

ثانيا: أن هارون هو أخو موسى بن عمران كليم الله ، فكانت مريم من أعقابه، ,وإنما قيل أخت هارون كما يقال يا أخا همدان، و يا أخا العرب، أي يا واحدا منهم.

ثالثا: أنه كان رجلا مشهورا بالفسق، فنسبت إليه بمعنى التشبيه لا معنى النسبة.

رابعا: أنه كان لها أخ يسمى هارون من صلحاء بني إسرائيل فذكرت به، والقول الراجح في ذلك والله أعلم، هو القول الثاني لما جاء عن النبيr أنه هارون أخو موسى، فقد قال لعلي بن أبي طالب عندما أخره عن الغزو في المدينة” أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى”[40]، وجاء أيضا في إنجيل برنابا ” كان في أيام هيردوس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا وامرأته من بنات هارون واسمها الياصبات وكان كلاهما بارين أمام الله ساكنين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم”[41] ، فبين هذا ومن كتبهم أن امرأة زكريا [ الياصبات] كانت من نسل هارون أخي موسى عليهما السلام، ومن المتعارف عليه أن الياصبات وحنة كانتا أختين ، أما زكريا فكان زوج خالة مريم عليها السلام، وفي هذا إثبات نسب مريم إلى جدها الأعلى هارون عليه السلام.

       ومن خلال استعراض ما سبق يتبين جليا بطلان شبهة تسدال ، وأن القرآن الكريم لم يقع في خطأٍ تاريخي كما زعم ، ولكنه الأسلوب القرآني المعجز الذي لا يدركه أولئك المستشرقون.[42] 

       وكذلك استشهد تسدال على أن الوسط الوثني مصدر من مصادر القرآن الكريم، بقصة كلام عيسى عليه السلام في المهد، وقال إنها قصة مختلقة ومكذوبة، ومأخوذة من الأقباط، حيث حصل عليها محمد عن طريق مارية القبطية، أم عيسى فلم يتكلم إلا بعد سن الثلاثين من عمره، – على حد زعم تسدال- وكلامه كان لشجرة التين عندما لم يجد عليها ثمرا في الوقت الذي يجب أن تكون فيه مثمرة فخاطبها ( لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد)[43] فيبست التينة في الحال، هذا هو سبب توهم محمد لكلام عيسى في المهد.[44]  

         وللرد على تسدال في هذه الفرية، نقول إن جهله بالحقيقة أوقعه في هذه الشبهة، إذ أن مارية القبطية هي سرية أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وذلك بعد صلح الحديبية ، وقد كانت مارية القبطية نصرانية ثم أسلمت رضي الله عنها، وذلك سنة سبع من الهجرة، وسورة مريم نزلت قبل قدومها حيث قُرِأت على النجاشي أثناء هجرة المسلمين للحبشة، ولم ينقل أن مارية كانت عالمة بالنصرانية، أو كانت تنشرها وتدعوا إليها ، بل إن الله شرح صدرها للإسلام فأسلمت من أول أمرها[45] .

         أما قضية إنكار تسدال لحقيقة كلام عيسى عليه السلام في المهد، فهو وهم منه، إذ من يعرف حقيقة النصرانية وولعها الشديد بالدعاوى التي ترى أنها في صالح فرية تأليه المسيح عليه السلام ، يستغرب إهمال كتب النصارى التي بين أيديهم اليوم الواقعة مثل وقعة كلام عيسى عليه السلام في المهد، يوم أن برأ ساحة أمه العفيفة الطاهرة مما رماها به المفترون يوم أن أكرمها الله عز وجل بأن تكون أُماً لأحد أولي العزم من الرسل، ويوم أن طهرها واصطفاها على نساء العالمين، ورفع ذكرها وأعلى مقامها في الملأ الأعلى وفي جنات النعيم.

ومن المعلوم أن النصارى يصرون كل الإصرار على أن يجعلوا عيسى عليه السلام إلها أو ابنا لإله، حتى وإن كان ذلك مصطدما أو معارضا كل حجة ومنطق، فلماذا هم لم يذكروا قصة تكلم عيسى في المهد في أناجيلهم المحرفة؟ .

       والناظر إلى كتب الأناجيل المحرفة، يجد أنها اختلفت واضطربت في نسب عيسى عليه السلام، وتخبطت في ذلك إلى درجة انتفاء الشك من أنها كلها محرفة وليست وحيا منزلا ولا من كلام الرسل عليهم الصلاة والسلام، والتي لا يمكن الاعتماد عليها خصوصا فيما يتصل بأمور العقائد، فإسقاطها خبرا من الأخبار ، أو قضية من القضايا الكبرى المهمة، أمرا ليس بالمستبعد، إما لطبيعة هذه المراجع ، أو لأسباب غامضة يبيتها كتابها ومؤلفوها ، ويعلل على ذلك كله بأمور منها:

1) أن تلك الأناجيل قد كتبت في وقت كان فيه اليهود والرومان يضطهدون أتباع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ويؤذونهم، ويوصمون المسيح وأمه والمعجزات التي وقعت بين يديه ، بأبشع الكلمات، وأخبث التهم .

2) من الأمور التي لا يختلف عليها اثنان، أن كلام عيسى عليه السلام في المهد كمعجزة إلهية، كانت للحظات عابرة لم تدم وقتا طويلا، لتثبت بها كرامة مريم، وليثبت طهرها وعفافها مما رماها به قومها من الفرية والكذب، فبرأها الله عز وجل بقدرته على لسان عيسى عليه السلام في المهد، ثم عاد هذا الطفل كغيره من الأطفال، له ما له من الحاجات، ويفعل كل ما يفعله الأطفال، وإذا أضفنا إلى ذلك كله أن عدد الحاضرين وقت حدوث المعجزة قليل من ذويها، ثم ساقوا الخبر للآخرين، وأتى المرتاب ليتحقق من الأمر ، ما وجد إلا طفلا مثل الأطفال لا حول له ولا قوة، كان ذلك سببا من أسباب عدم ذكر وتدوين نطقه في المهد، فلما جاءت كتابة الأناجيل كانت تلك الحادثة قد غبرت في خضم الأحداث والوقائع التي أتت بعدها، والمتصلة بحياة المسيح عليه السلام، والتي انتهت بمطاردته لقتله، ولكن الله نجاه ورفعه بفضله ومنه.[46]

        والقرآن الكريم كلام الله تعالى الذي لم يتبدل أو يتغير على مر الأزمان، يؤكد لنا حقيقة ومعجزة كلام عيسى عليه السلام في المهد، كما قال تبارك وتعالى(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا *فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا*يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا*فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا*وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) مريم: ٢٦ – ٣٣ ، كما أكدت لنا ذلك أيضا السنة النبوية الشريفة، فعن أبي هريرةt  عن النبي r أنه قال” لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي جاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام ؟ قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب ؟ قال لا إلا من طين . وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه – قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي r يمص إصبعه – ثم مر بأَمَةٍ فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك ؟ فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأَمَة يقولون سَرَقْتِ زَنَيْتِ ولم تفعل”[47].

           وكون عيسى عليه السلام يشارك اثنين أو ثلاثة في الكلام فهذا يدل على إمكانية حدوث هذا الأمر وفي أوقات مختلفة، وليس من المتعذر عندنا أن يكمل الله عقل الصبي في حال صغره ويبلغه في الفصل مبلغ الأنبياء، كما لا يتعذر عليه تبارك وتعالى أن يخلق البشر في الابتداء كامل العقل كما فعله تعالى في خلق آدم عليه السلام.[48] و قد أشارت المصادر والكتب التاريخية إلى كلام عيسى عليه السلام وكلام غيره في مرحلة طفولته.[49]

 

      والخلاصة  فيما سبق ذكره في الرد على هذه الفرية، وتلك الشبهة التي أثارها المستشرق تسدال ، حول مصدرية القرآن الكريم وقصصه ومضامينه، أنها فرية لا تقوم على أساس علمي دقيق وموثق، ولا تستند على مراجع علمية صحيحة، ولذلك عندما نوقشت مناقشة علمية صحيحة متجردة من الهوى وحظوظ النفس، تبين فسادها، وظهر بطلانها، وتوارت وتهاوت أمام الأدلة القطعية، والحقائق العلمية جدرانها، واستبان للقارئ والباحث أن الهدف من إثارتها هو الكيد والحسد ، وإثارة الشكوك والارتياب حول الإسلام والقرآن ، للصد عنه، وهذا ما ظهر من ثنايا الشبهة ومضامينها، فلم يكن الهدف بحثا عن الحقيقة، وإنما التشويه والتعتيم والطعن في مصداقية القرآن الكريم، وأنه وحي من الله تعالى إلى رسولهr ، وأن ما أثير من الشبهة لا يعدوا عن كونه كذب وافتراء سرعان ما يذوب ويضمحل أمام البرهان الساطع والحق الامع ، وأن الحق يبقى، والباطل يفنى،  كما قال ربنا تبارك وتعالى( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) الرعد: ١٧.

[1] سانت كلير تسدال (توفي في اوائل القرن العشرين) ، قسيس مبشر فى إيران  ، صنف أعنف وأخطر جدلية ضد أصالة القرآن الكريم، (المصادر الأصلية للقرآن) وكتبها بالألمانية، ثم ترجمها المبشر وليم موير إلى الإنجليزية ، ينظر الغارة على العالم الإسلامي، أ.ل. شاتليه، منشورات العصر الحديث، القاهرة، 1387ه، ص 36.

[2] Rev. W. St. Clair Tisdall, The Original Sources Of The Qur’an, 1905, Society For The Promotion Of Christian Knowledge: London, pp. 47-50     و آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، د. عمر بن إبراهيم رضوان، دار طيبة، الرياض، 1413ه، 1/237-365.

[3] آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 239-240.

[4] W. St. Clair-Tisdall, THE SOURCES OF ISLAM, T.& T. Clark, Edinburgh, p 6.

[5] المرجع السابق ص9 .

[6] ينظر السيرة النبوية ، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل ، بيروت، 1411 ه، 1/203، و أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي ، تحقيق د. عبد الملك عبد الله دهيش، دار خضر ، بيروت، 1414ه، 5/135، و الروض الأنف في شرح غريب السير، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي، تحقيق عمر عبد السلام السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1421هـ- 2000م، 1/166.

[7] ينظر الروض الأنف 1/166.

[8] البداية والنهاية، 3/93.

[9] رواه البخاري، كتاب النكاح ، باب من قال لا نكاح إلا بولي، 5/1970 الحديث رقم 4834.

[10] مصادر الإسلام، سانت كلير تسدال ص 6.

[11] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، 3/274.

[12] ينظر آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 245.

[13] BELL ،RICHARD

Bell’s, Introduction to the Quran, Revised by Montgomery Watt

CHICAGO:EDUINBURGHAT THE UNIVERSITY PRESS1963, p 9.

[14] تفسير ابن كثير، 3/221.

[15] دائرة المعارف الإسلامية 7/305 والكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، دار الكتاب المقدس، بيروت، 1995م، ص 145.

[16] آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 246-247.

[17] بيت من مروة بيضاء، منقوش عليها كهيئة التاج، كان سدنتها من أمامة من باهلة، كالات والعزى، كان يطلق على هذا المعبد الكعبة اليمانية أو الشامية.

[18] رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر جرير بن عبدالله البجلي، 3/1390، الحديث رقم 3611.

[19] سيرة ابن هشام 1/101.

[20] الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، من أعيان مضر في الجاهلية، كان يخدم الكعبة، ويلي إجازة الحجاج إليها بعد نزولهم من عرفة، وورث ذلك عنه بنوه، وهم يعرفون ببني ” صوفة ” قيل: لأن أم الغوث جللت رأسه بصوفة وجعلته ربيطا للكعبة يخدمها، ينظر أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى البلاذري ، تحقيق/ سهيل زكار، ورياض زركلي، دار الفكر، بيروت، 1417ه، باب مضر، 1/21.

[21] ينظر سيرة ابن هشام 1/ 143-230.

[22] رَيِنْهَارْت دُوزِي ـ Reinhart Dozy ليدن، هولندا، 21 فبراير 1820، الإسكندرية، مصر، 29 أبريل 1883 مستشرق هولندي وأستاذ العربية في جامعة لَيْدَن، ينتمي إلى أصول فرنسية من الهوغونوتيين، اشتهر بدراسة تاريخ شمال أفريقيا والأندلس. له مؤلفات عدة، أشهرها تكملة المعاجم العربية أو المستدرك، ينظر موسوعة المستشرقين، ص 259-260.

[23] رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، 2/579، الحديث رقم 1520.

[24] آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 249.

[25] الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أحمد عبدالرحمن البنا الشهير بالساعاتي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 12/38.

[26] رواه مسلم، كتاب الحج ، باب استحباب رمي جمرة العقبة، 2/943، الحديث رقم 310.

[27] ينظر آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 249-251.

[28] هي مريم بنت عمران أم المسيحٍ عليهما السلام، وهو عمران بن ماتان بن يعاميم، وموسى وهارون ابنا عمران من قاهت بن لاوي بن يعقوب، ينظر مروج الذهب، ابن الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، المكتبة العصرية ، بيروت، 1425ه-2005م،1/ 48-62.

[29] ينظر آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 296.

[30] ينظر الفصل في الملل والأهواء والنحل 1/47.

[31] إليصابات، بالإنجليزية إليزابيث، هي زوجة النبي زكريا وأم النبي يوحنا المعمدان (النبي يحيى)،واليصابات هذه هي الصيغة اليونانية لاسم لفظه في اللغة العبرية ((إليشيبا أو اليشبع)) أي ((الله قسم)) ومعناه المكرسة للرب، وهو اسم امرأة تقية من سبط لاوي ومن بيت هارون، واسمها في العبرية هو نفس اسم امرأة هارون ((اليشبع))، في الإنجليزية هو إليزابيث وعرب الاسم إلى “اليَصابات” كما في كتب التاريخ العربي، وأصل التاء ثاء، لكن العرب خففوها فجعلوها تاء،

وكانت اليصابات هذه زوجة زكريا وصارت فيما بعد أم يحيى ، ينظر الموسوعة الحرة ويكيبيديا.

[32] الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل لوقا، الإصحاح 1/ 26-38.

[33] الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل برنابا، الفصل الأول بشرى جبريل للعذراء مريم بولادة المسيح، فقرة 1-16 ص 39.

[34] ينظر تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ، عبد الله الترجمان الميورقي أبو محمد، تحقيق محمود على حماية، دار المعارف، القاهرة، 1992م، 1/26.

[35] رواه مسلم، كتاب الجنائز ، باب الصلاة على القبر، 2/659، الحديث رقم 71.

[36] حنة هي والدة مريم العذراء والدة يسوع بحسب التقليد المسيحي، وكانت هذه ابنة لماثان بن لاوي بن ملكي من نسل هارون الكاهن، وإسم أمها مريم من سبط يهوذا، ينظر المعارف ، أبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق د. ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، 1882م، 1/12.

[37] الكتاب المقدس، إنجيل لوقا، الإصحاح 2 فقرة 36-37.

[38] مريم والمسيح، محمد متولي الشعراوي، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، 2000م، ص 14.

[39] ينظر مفاتيح الغيب، 21/177.

[40]  الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر ، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار الجيل ، بيروت، 1412ه، 4/569، ورواه البخاري، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، 12/42، الحديث 3430.

[41] الكتاب المقدس، إنجيل برنابا، العهد الجديد، الإصحاح الأول.

[42] ينظر آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 300-302.

[43] الكتاب المقدس، إنجيل متى، الإصحاح 21 الفقرة 19.

[44] ينظر مصادر الإسلام ، سانت كلير تسدال ص 124.

[45]  ينظر الإصابة في تمييز الصحابة 4/391.

[46] ينظر المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل، عبد الكريم الخطيب، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1965م، ص 158-160و آراء المستشرقون حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 307-308.

[47] رواه البخاري، كتاب الأنبياء ، باب واذكر في الكتاب مريم، 3/1268، الحديث رقم 3253 و مسلم كتاب البر والصلة والآداب ، باب تقديم بر الوالدين، 4/1976، الحديث رقم 8.

[48] ينظر الفكر الإسلامي في الرد على النصارى ، د. عبد المجيد الشرفي،  الدار التونسية للنشر، تونس، 1986م ، ص 273.

[49] ينظر الكامل في التاريخ ، 1/177.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *