يختلف هذا المنهج كثيرا عما قبله من المناهج الاستشراقية ، بل قد يكون أشدها لاعتماده على قاعدة النفي لكل ما يتصل بالقرآن والسنة وعلومهما، فمنهج النفي بات واضحا جليا ، ومعلما بارزا في الدراسات والأبحاث الاستشراقية، فهو يقوم على تصحيح كل ما هو ضعيف وموضوع من الروايات والآثار المتصلة بعلوم القرآن الكريم ومنها القصص، ونفي وتضعيف الروايات الصحيحة من تلقاء أنفسهم دون سبب علمي صحيح، أو وجهة نظر مقبولة، بمعنى أنهم إنما يتبعون الهوى المبني على عداوة الإسلام وأهله، وكل ما يتصل بالدين من علوم ومعارف، وهذا بلا شك كاف لبيان فساد هذا المنهج وبطلانه، يقول د. حسن عزوز” إنهم ينفون العديد من الروايات لهذا السبب أو ذاك، بينما نجدهم يتشبثون –بالمقابل- بكل ما هو ضعيف شاذ”[1].
وقد شهد أحد رموز الاستشراق بوجود هذا المنهج الهدام في كتب المستشرقين التي باتت من عوامل الهدم والسلب وفشل النتائج المستخلصة من دراساتهم للتراث الإسلامي، وهو المستشرق الفرنسي إميل ديرمنغم Emile Dermenghem إذ يقول ” من المؤسف حقاً أن يكون قد غالى بعض هؤلاء المتخصصين من أمثال موير ومرجليوت ونولدكه وسبرنجر ودوزي وغريم وجولدزيهر وغيرهم في النقد أحياناً، فلم تزل كتبهم عامل هدم ونفي على الخصوص، ولا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة”[2] ، ولقد تبين من خلال ما سبق الأهداف التي يرمي إليها هذا المنهج ويعمل على تحقيقها، وهي النفي المتعمد للحقائق والعلوم القرآنية من قصص وغيره، وكذلك نفي الأحداث والوقائع التاريخية التي لها صلة وارتباط قوي بعلوم القرآن الكريم، وذلك عبر عدد من القنوات والطرق الممنهجة مثل إثارة الشكوك حول علوم القرآن من قصص وأحداث وغيرها، لإحداث الاهتزاز الثقافي بين أفراد المجتمع الإسلامي، إضافة إلى التوسع والمبالغة في النقد للعلوم القرآنية إلى حد يتم من خلاله تطبيق عملية ومنهج النفي، ليلغي وينفي بذلك كل ما يتعارض مع العلوم الاستشراقية، والأهداف الغربية.
ولننظر إلى العقلية الغربية حينما تلغي وتنفي المصادر التاريخية والسير النبوية والسنن المأثورة، كيف تنقلب عندها الحقائق، وتختل الموازين، فهذا المستشرق لويس شبرنجر Sprenger[3] الذي “يرى أن اسم النبي r قد ورد في أربع سور من القرآن هي آل عمران والأحزاب ومحمد والفتح، وهي جميعها سور مدنية، ومن ثم فإن لفظة (محمد) لم تكن اسم علم للرسول قبل الهجرة”[4] ، وهنا يتجاهل هذا المستشرق وينفي كل المصادر والآثار التاريخية الصحيحة التي تثبت اسم النبيr في الفترة التي قضاها بين جنبات مكة المكرمة، وجل حجته أنه لم يرد اسم محمد r في القرآن الكريم فيما نزل منه في مكة، ظانا أن القرآن الكريم متخصص فقط في سيرة وحياة محمدr ، ونافيا ما عداه من التراث التاريخي المحتوي على الوقائع والحوادث والسير التاريخية بما فيها سيرته عليه الصلاة والسلام منذ مبعثه وحتى التحاقه بالرفيق الأعلى، ولا غرو فالمستشرقون أصحاب مناهج تنبني على الإقصاء والهدم والنفي وسوء الانتقاء لكل ما هو خارج عن دفتي القرآن الكريم.
والمستشرقون في جميع أحوالهم ودراساتهم حول علوم القرآن الكريم، يحاولون إقصاء كل الروايات الصحيحة والمعتمدة لدى علماء الإسلام والتي لا تخضع للشك ولا الارتياب والتي تثبت صدق القرآن الكريم وكل ما جاء به النبيr من عند الله، من خلال المبالغة في نقدها إلى حد إلغائها ونفيها، ويعتمدون كل ما هو ضعيف ومنقطع وموضوع من الآثار والروايات ، ويبنون عليها أحكاما باطلة لا تستقيم أبدا ولا يصدقها من لدية أدنى مرتبة من العلم والعقل الصحيح، وذلك لادخال الشك والارتياب _ على الأقل _ في النفوس.
والمقصود أن المستشرقين يُغْرِقون كثيرا في الاتكاء على الضعيف والسقيم والموضوع من الروايات والاعتماد عليه، لإصدار الأحكام على القرآن الكريم وقصصه وعلومه والسنة الشريفة ومضامينها، وذلك يدل بما لا يدع مجالا للشك على سوء النية، وخبث الطوية عند هؤلاء، بغية طمس معالم الدين ، وتحطيم المسلمات والبديهيات من الإسلام، التي هي من ثوابت الإيمان عند أهل الإسلام. وهذا يدلنا ويثبت لنا بطلان منهج النفي المسلوك عند أولئك المستشرقون ، الذي لا يخدم إلا مصالحهم، ويحقق أهدافهم.
[1] مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم ص 42.
[2] حياة محمد، إميل ديرمنغم Emile Dermenghem ، ترجمة عادل زعيتر، ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة ،1949م.
[3] ألويس اشبرنجر ابن كرستوفر اشبرنجر (1228 – 1310 هـ / 1813 – 1893 م) هو مستشرق نمساوي، اشتغل في مدرسة دهلي ومطبعة كالكوتا في الهند عام 1842، تجنس بالجنسية الإنكليزية، واشتهر بكتابه عن حياة النبي محمد، موسوعة المستشرقين ص 28.
[4] مناهج المستشرقين البحثية في دراسة القرآن الكريم ص 42.