( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) د. ناجي بن وقدان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

في رحاب آية :

يقول المولى عز وجل( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات 6.

من القواعد الشرعية، والأخلاق الإسلامية، التي دعا إليها الدين الحنيف، قاعدة التروي والتأني وعدم التعجل عند سماع ما يجر إلى الفتن والمشاكل والقطيعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس(إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله: الحِلم، والأناة) رواه مسلم ، والتروي والأناة من شعائر العقلاء، وصفات النبلاء، والحِلم والأناة هما صفتان أخلاقيتان قويتان، فالحِلم هو ضبط النفس عند الغضب والتحكم في المشاعر عند الانفعال، بينما الأناة هي التأني في الأمور والتريث وعدم التعجل في اتخاذ القرارات، كِلا الصفتين محبوبتان عند الله عز وجل ،وتدلان على رجاحة العقل، والفرق بين الصفتين ،أن الحِلْم يخص سلوك المرء مع نفسه وقت الغضب، بينما الأناة تخص طريقة تعامله مع مجريات الحياة عمومًا ، وفيما يواجه من أحداث ، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله(الأناة :التأني في الأمور وعدم التسرع، وما أكثرَ ما يَهلِكُ الإنسانُ ويَزِلُّ بسبب التعجل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك، فمن الناس مثلًا من يَتخطَّفُ الأخبار، بمجرد ما يَسمع الخبر يحدِّث به وينقله، وقد جاء في الحديث(كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع) ، ومن الناس من يتسرَّع في الحكم، سمع عن شخص شيئًا من الأشياء، ويتأكد أنه قاله أو أنه فعله، ثم يتسرع في الحكم عليه أنه أخطأ أو ضلَّ أو ما أشبَهَ ذلك، وهذا غلط، التأني في الأمور كلُّه خير).

لا تحكمن بما سمعت عن الورى**إن شئت عدلاً فأحكمن بما ترى

فلـرب أنباءٍ أتتك مريبة** أعمت عيونك عن حقيقة ما جرى

والواجب على المسلم والمسلمة على حد سواء، عندما يُنقل إليه أي نوع من النقل المسيء عن إخوانه، أن يتأنى ولا يستجب مظنة كذب الناقل لإيقاع الإفساد والقطيعة وسوء الظن بينه وبين إخوانه، فالأخبار المكذوبة يترتب على سماعها تباغض وتخاصم وتقاتل، فما أفسد أحوال كثير من المسلمين اليوم وأوقع بينهم العداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر إلا السماع ثم الحكم والتصرف الخاطئ، ثم الندم والحسرة وذل الاعتذار، والله تبارك وتعالى ينادي عباده المؤمنين الذين، صدقوا بكتابه، وآمنوا برسوله، وعَلِموا علمَ اليقين أن ما جاء به الرسول حق، لأنه من عند الله، ألا يسمعوا لكل خبر، ولا يصدقوا كل إنسان، بل عليهم التحقق والتثبت من الأمر، قبل أن يصيبوا إخوانهم المؤمنين، بسبب خبر لم يتحققوا من صحته، وكلام لما يتأكدوا من صدقه، فيندموا على فرطوا، ولا ينفع بعدها الندم ، وقد يتعسر ويتعثر مع ذلك الإصلاح.

فاحذر يا رعاك الله التعجل والاستجابة لداعي الغضب، وتصديق كل ما ينقل إليك، وأحسن الظن بإخوانك، وتحقق وتثبت وتريث، فالسلامة لا يعدلها شيء. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *