الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:.
المؤمن دائما يتقلب بين جناحي الخوف والرجاء ، خوف من الله جل وعلا ورجاء في رحمته وفضله ، وقد شبههما بعض أهل العلم بجناحي الطائر إذ لا يمكن استغناءه عن أحدهما بالآخر ، بل لو تعطل أحدهما سبب شللا لحركة ذلك الطائر. فالمؤمن لا يأمن من عذاب الله ولا ييأس من رحمته ولطفه كما قال عز وجل ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠ الرعد 6 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال والله يا رسول الله أني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف) رواه ابن ماجة والترمذي بسند صحيح ، والخوف كما يعرفه العلماء هو عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب وقوع مكروه أو توجس وقوعه، وربما يكون الخوف إثر عمل من الأعمال التي لا ترضي الله ولا ترضي النفس، فيعقب ذلك ألم وحسرة من المصير المرتقب.
وأما الرجاء بتعريفه العام فهو الطمع في رحمة الله وعفوه ومغفرته على قلة العمل الصالح ، ولذلك ترى المؤمنين يعملون الصالحات ومع ذلك يخشون مما قد يكون سببا في عدم قبولها ، كما قال عز وجل ( والذين يؤتون ما آتواوقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) سورة المؤمنون آية 60 قال ابن كثير رحمه الله (أي يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء وهذا من باب الإشفاق والاحتياط ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ، ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال : ” لا يا ابنة الصديق ، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو يخاف الله عز وجل ” رواه الإمام أحمد.
وقد وصف الله أنبياءه وأولياءه بأنهم يدعون ربهم خوفا وطمعا ورغبا ورهبا ،يرجون رحمته ويخافون عذابه كما قال عز وجل(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء 90 ، وقد بين العلماء أن الخوف قسمان:
القسم الأول: الخوف المحمود وهو ما كان حاملا على آداء الفراض واجتناب المحارم، وحائل بين العبد وبين معاصي الله، ويل هو ما كان حاملا على الحذر والورع والتقوى والمجاهدة وسائر الأسباب التي توصل إلى الله تعالى.
القسم الثاني: وهو الخوف المذموم المتجاوز لحد الاعتدال حتى يخرج بصاحبه إلى اليأس والقنوط، ويقعد صاحبه عن العمل والقربى إلى الله . إن منهج الاعتدال في كل شيء مطلوب فلا إفراط ولا تفريط، يقول أبو حفص( الخوف سوط الله يقوم به الشاردين) (وقال: الخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه) ذكره ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص 270 ، ولذلك نرى الخوف يعتري المؤمنين بينما الخشية من العلماء العارفين كما قال عز وجل( إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر 28 ، والهيبة للمحبين ،والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم بالله ومعرفة العبد بنفسه يكون الخوف والخشية، كما قال عليه الصلاة والسلام(إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) رواه البخاري ،فالنبي عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بالله وأكثرهم له خوف وخشية،ولهذا كلما كان العبد أكثر علما بالله وخوفا منه كان ابعد الناس عن مخالفة أمره. إن الخوف من العقاب ليس مقصودا لذاته،وإنما هو سوط يساق به المتواني عن الطاعة إليها، ومن هنا كانت النار من جملة نعم الله على العباد لتردهم عن المعاصي وتعينهم على آداء الطاعات، قال سفيان بن عيينة رحمه الله( خلق الله النار رحمة يخوف عباده لينتهوا) ذكره أبو نعيم في الحلية
تزود من الدنيا بساعتك التي …… ظفرت بها ما لم تعقك العوائق
فلا يومك الماضي عليك بعائد …… ولا يومك الآتي به أنت واثق
ولقد ورد من الآيات في القرآن الكريم ما يبعث على الخوف من سوء العاقبة ، ومن ذلك قول الله عز وجل( إن بطش ربك لشديد) سورة البروج12 ، وقال عز وجل ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) سورة هود102 ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم( فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها،وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعملعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري ، وهذا يعني أن على العبد أن يعمل ويجتهد في طاعة الله، ويبتعد عن معاصي الله، ويستقيم على الدين ويكل الأمر لله فإنه لا يخيب من دعاه ورجاه وأحسن به الظن.
ويقول عليه الصلاة والسلام(إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجلٌ يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشدُّ منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً) متفق عليه .
ثمرات الخوف من الله تعالى:
1- كف الجوارح عن المعاصي وإلزامها الطاعات.
2- الخوف يكبح جماح النفس وهيجان الشهوات.
3- البعد عن مواطن الظلم وأهله والتحلل من مظالم الناس،فالظلم ظلمات يوم القيامة.
عواقب الخوف من الله تعالى:
1- أن من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ،ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
2- إندراس الذنوب مع الخوف ،فإن الله يمحوا الذنوب بخوف عبده منه ورجوعه إليه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتَى يعود اللّبنُ في الضّرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل اللَّه ودخان جهنَم) . رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني .
وفي الجانب الآخر نجد الرجاء المحمود والصادق وهو الثقة التامة بجود الله وكرمه ، ولا بد مع ذلك من العمل وبذل السبب حتى يتحقق المطلوب كما قال عز وجل(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) الكهف 110 ، وقال عز وجل (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) البقرة 218 ، فرجاء الله لا يتم ولا تتحقق نتائجه إلا بالعمل الصالح.
وقد قسم العلماء الرجاء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج ثوابه.
القسم الثاني: رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه فهو راج مغفرة الله وعفوه وإحسانه.
القسم الثالث: رجل متماد في التفريط وارتكاب الخطايا فهو راج مغفرة بلا عمل فهذا مغرور قد غرته كثرة الأماني.
والمقصود أن المؤمن يتقلب بين هذين الجناحين-الخوف والرجاء- يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه، ويعمل العمل وخشى أن لا يقبل منه، تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: يا رسول الله(والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق، قال لا يابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه) رواه الترمذي والحاكم في المستدرك بسند صحيح.