تتعاقب مواسم الخير والبركة على أمة الإسلام لتتقرب إلى خالقها جل وعلا وتحظى منه بالأجور العظيمة والهبات الجسيمة، فما إن ينتهي موسم إلا ويعقبه موسم آخر ليتجدد به نشاط المسلم وتقوى همته في استغلال موسم قد لا يحالفه مرة أخرى،ومن هذه المواسم المباركة شهر الله المحرم الذي تضمن عبادات وقربات تحمل الأجور والعطايا من الواهب عز وجل،ومن فضائل هذا الشهر الكريم:
أولا: أنه من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتال قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، والرابع شهر رجب، حرم الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة، فلما جاء الإسلام – ولله الحمد – انتشر الأمن واندحر الكفر وأهله، وقام الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل وقت مهما أمكن ذلك.
ثانيا: فضيلة الصيام فيه فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ. وَأَفْضَلُ الصََّلاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صََلاةُ اللَّيْلِ). رواه مسلم، فيستحب الإكثار فيه من الصيام.
ثالثا: ومن فضائله أنه الشهر الذي اختاره الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية توقت به الأعمال والمعاملات.
رابعا: ومن أعظم فضائله أن فيه يوم عاشوراء الذي اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وقد صامه موسى عليه السلام شكرا لله عندما أغرق الله فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل، وصامه اليهود من بعده، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومونه فقال: ما هذا الصوم الذي تصومونه؟ قالوا: إنه يوم أعز الله فيه موسى وقومه، وأذل الله فيه فرعون وقومه وقد صامه موسى عليه السلام فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: (نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ أو أولا بِمُوسَى مِنْكُمْ) فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فصار صيامه سنة مؤكدة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم أراد منا أن نخالف اليهود فـأمر بصوم يوم قبله وهو اليوم التاسع، وفي رواية أو صوم يوما بعده ، ولكن صيام يوم التاسع آكد، فيصام هذا اليوم اقتداءً بأنبياء الله بموسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم في صيامه وهو يوم أعز الله فيه المسلمين على يد موسى عليه السلام، فهو نصر للمسلمين إلى أن تقوم الساعة، ونعمة من الله عز وجل يُشكر عليها وذلك بالصيام، فصيامه سنة نبوية مؤكدة، فيصوم المسلم اليوم التاسع ويصوم اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء، ومضت هذه السنة في هذه الأمة ، فيتأكد صيامه طلبا للأجر والثواب وشكرا لله عز وجل.
فالواجب على المسلم ان لا تفوته هذه المواسم المباركة إلا وكان له سهم فيها من العمل وطلب الأجر وليحرص على آداء الفرائض فإن النافلة لا تقبل إذا فقدت الفريضة.