غزوة بني قريظة في السنة الشريفة:
لقد حظت غزوة بني قريظة كغيرها من غزوات الرسولصلى الله عليه وسلم بنصيب وافر من الاهتمام برواياتها وأحداثها موثقة ومتواترة ومنها:
1) أورد الإمام البخاري رحمه الله:عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:(لما رجع النبيصلى الله عليه وسلم من الخندق ، ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل علي السلام ، فقال:قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه فاخرج إليهم.قال (فإلى أين).قال هاهنا ، وأشار إلى بني قريظة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.)
2) وعن أنس رضي الله عنه قال:(كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم ، موكب جبريل حين سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة.)
3) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال النبي r يوم الأحزاب:(لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم :لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم:بل نصلي ، لم يرد منا ذلك.فذكر ذلك للنبيصلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم.)
4) وعن انس رضي الله عنه قال: كان الرجل يجعل للنبيصلى الله عليه وسلم النخلات ، حتى افتتح قريظة والنضير ، وإن أهلي أمروني أن آتي النبي r فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه ، وكان النبيصلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول:كلا والذي لا إله إلا هو لا يعطيكم وقد أعطانيها ، أو كما قالت والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لك كذا).وتقول كلا والله ، حتى أعطاها –حسبت أنه قال-عشرة أمثاله ، أو كما قال.
5) عن سعد قال: سمعت أبا أمامة ،قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول: ( نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ،فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقال هؤلاء نزلوا على حكمك فقال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم قال قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك)
6)وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق ، رماه رجل من قريش ، يقال له حبان بن العرقة، ،فضرب النبيr خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل ، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار ، فقال: قد وضعت السلاح ، والله ما وضعته ، اخرج إليهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فأين) فأشار إلى بني قريظة ، فأتاهم رسول اللهr فنزلوا على حكمه ، فرد الحكم إلى سعد ، قال: فإني أحكم فيهم :أن تقتل المقاتلة ،وأن تسبى النساء والذرية ، وأن تقسم أموالهم . قال هشام :فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولكr وأخرجوه اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك ، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها ، فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم ، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ، فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها رضي الله عنه)
7)وعن البراء رضي الله عنه قال قال: النبي صلى الله عليه وسلم لحسان:( اهجهم – أو هاجهم – وجبريل معك). وفي لفظ: ، عن البراء بن عازب قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت :(اهج المشركين ، فإن جبريل معك).
رابعا:أسباب وقوع غزوة بني قريظة:
إن لكل حدث سببا ، فالأحداث التي وقعت قديما ، وتقع في عصرنا الحاضر ، وفي كل زمان ومكان تكون لها أسباب موجبة لوقوعها ، وغزوات الرسول r وقعت بأسبابها الموجبة لوقوعها ، وغزوة بني قريظة واحدة من غزواته r التي كانت لها أسبابها التي وردت بالتواتر في كتب السير والأحاديث ، و ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا من مكة أبرم عهدا وميثاقا مع الثلاث الطوائف من اليهود الموجودين في المدينة حينذاك ، وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريضة. ولكنهم (أي اليهود) كعادتهم نقضوا هذا العهد وأخلفوا ما وعدوا والتزموا به مع النبي صلى الله عليه وسلم .ومن المسلَّم به أن اليهود أصحاب طبع متأصل فيهم وهو النقض والغدر والخيانة للعهود والمواثيق في كل زمان ومكان ،ولذلك كان نقضهم للعهد والميثاق متمثل في أن قبيلة بني قريظة نقضت ما كان بينها وبين النبيصلى الله عليه وسلم من معاهدة عدم اعتداء وأعلنت وقوفها الى جانب جيش الأحزاب، وجاءت خيانة هذه القبيلة بتأثير من حُيي بن أخطب على كعب بن أسد زعيم بني قريظة إذ أعطاه وعودا بآءت بالفشل ، ومنها أن يدخل معه الحصن ويصيبه ما يصيب بني قريظة إن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا من الرسول والمسلمين شيئا ، وقد أدى شيوع خبر هذه المؤامرة الى النيل من معنويات الكثير من المسلمين، ولكن الرسول كان يحاول إفشال تلك التأثيرات السيئة وإزالة مفعولها، وقد أثبت الله لنا حالهم في القرآن الكريم والسنة الشريفة كما قال عز وجل ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) سورة البقرة 100 قال الإمام الطبري رحمه الله(العهد هو الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ، ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى ، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى ، فوبخهم جل ذكره بما كان منهم من ذلك ، وعير به أبناءهم إذ سلكوا مناهجهم في بعض ما كان أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمدصلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته فقال تعالى :أو عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا نبذه فريق منهم) وقال ابن كثير رحمه الله:(حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمدصلى الله عليه وسلم ، قالوا والله ما عهد إلينا في محمد ، وما أخذ علينا ميثاقا ، فانزل الله تعالى أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) سورة البقرة 100 وقال الحسن البصري رحمه الله في قوله( لا يؤمنون) قال:( نعم ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه(أي اليهود) إلا نقضوه ونبذوه ، يعاهدون اليوم وينقضون غدا).
واليهود أهل كذب وخيانة وخلف في العهد والوعد ، وقد اجتمعت عليهم صفات المنافقين ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) ، قال ابن القيم الجوزية رحمه الله: في وصفه لليهود بأنهم الأمة الغضبية فقال:(الأمة الغضَبيةُ وهي اليهود أهل الكذب والبُهت والغدر والمكر والحِيَل، قتلة الأنبياء وأكلة السُّحت -وهو الربا والرشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرّحمة، وأقربهم مِن النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السّحر والكذب والحِيَل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم من الأنبياء حُرمَة، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حقٌّ ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدلٌ ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أَمَنَة، ولا لمن استعملهم عندهم تضحية، بل أخبثُهم أعقلهم، وأحذقهم أغشّهم، وسليم الناصية -وحاشاه أن يوجد بينهم- ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجيّة، تحيتهم لعنة، ولقاؤهم طِيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت )
قلت ولو نظرنا إلى حال اليهود اليوم في تسلطهم على المسلمين بالطرق المباشرة وغير المباشرة ، وما ظهر منهم من نقض للعهود والمواثيق الدولية وخصوصا إذا كان الأمر متعلقا بالإسلام والمسلمين ، فما هو إلا امتداد لما كان عليه أسلافهم وما تنطوي عليه سرائرهم من الخبث والمكر والخيانة ونقض العهود والمواثيق.
وخلاصة القول في تعريف يهود بني قريظة أنهم: من القبائل اليهودية الثلاث التي كانت تقطن المدينة النبوية حينما هاجر إليها نبينا عليه الصلاة والسلام وهم يهود بني قينقاع ، ويهود بني النضير ، ويهود بني قريظة ، حيث عقد النبي r (اتفاقا ومعاهدة رائدة بمثابة أقدم اتفاقية ومعاهدة على مر التاريخ). أبرم ذلك مع الطوائف الثلاث.