السعادة مطمح الناس جميعا، وهم ينشدونها في مواطن كثيرة من دروب الحياة، ولكن سعيهم نحوها ربما لا يوصل إلى الهدف المنشود، والغاية المبتغاة، بعد أن يصلوا إلى ما يشبه السراب أو الضباب، ومن ثم جاءت تعاليم السماء في هديها البناء، وإرشادها الحاني، لتأخذ بالناس على الجادة السوية التي تسلم في النهاية إلى السعادة الحقيقية الممثلة في الاستقرار النفسي، والرضا القلبي، إذ من هذين المنبعين تتفجر ينابيع السعادة غامرة كل من سار على نهج الإسلام وهديه الرشيد. وإذا كانت سعادة الفرد لا تتحقق أو لا تتم إلا إذا استقر في جنبات أسرة هانئة – فأننا نجد الإسلام الحنيف يولي الأسرة المسلمة عناية بالغة ويحدد لها هدفين، أولهما: أشعار كل فرد فيها بفيض من السعادة حتى يرضى، فينتج الخير له ولمن حوله، وثانيهما: تكوين المجتمع السعيد الذي حار المصلحون قديما وحديثا في إيجاده، ولم يحققه كما ينبغي – سوى الإسلام بهديه الحصيف، وإرشاده الحاني.
ولما كانت الأسرة – وهي نواة المجتمع – تتكون في أولى خطواتها عبر الحياة من زوجين، فقد عمد الإسلام – وهو يكونها صالحة سليمة – إلى هاتين الدعامتين الأساسيتين في الأسرة، وهم الزوج والزوجة بالتربية الهادفة، والتوجيه السديد على نهج قويم، يحقق لهما السعادة المبتغاة.
فهذا هو الإسلام في حديه يقف بجانب المسلم، وهو يريد الانطلاق، لتكوين أسرة، فيسمعه في هذا المنطلق ذلك التوجيه الهادي، أخذا بيده إلى مواضع الطهر والصلاح، نائيًا به عن مواطن الشر والفساد، لهدف أسمى، وغاية سامية، فيسكب في آذنه هذه النصائح: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [البقرة : 221]، “الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة”.
والإسلام في حصافته الإرشادية لا ينصح الزوج بحسن اختيار شريكة حياته، وينسى الزوجة، وإنما يتوجه إليها أيضا بهذا التوجيه الواعي: “عنابي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير”.
هذه هي المرحلة الأولى من مراحل الاختيار، اختيار من بعيد، يتم على أساس السمعة الطيبة: والميل النفسي، والارتياح القلبي، ثم تأتي المرحلة التالية، التي يوجب الإسلام فيها أن يكشف كل من الشريكين للآخر عن عيوبه، حتى لا يحدث ندم يؤدي إلى فرقة بعد الزواج، بسبب تغرير أو خداع، فلا بد من الصراحة التامة، والوضوح البين، حتى تكون العلاقة الزوجية قائمة على الرضا الكامل، والقبول المستنير، في هذا المجال نذكر هذا الأثر: “روى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار، أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصى. فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال: أعلمها، ثم خيرها، (المغنى لابن قدامه جـ 6 ص. 65).
وقد جعل الإسلام العيوب المنفرة – كالجنون والجذام، والبرص – من أسباب فسخ النكاح، حتى تقوم الحياة الزوجية على الحب والمودة، دون شوائب تعكرها، أو تنال من صفائها.
فإذا تم الزواج على هذا الأساس المتين، والوضوح المريح – جاءت وصايا الإسلام إلى الزوج تجاه زوجته، والى الزوجة تجاه زوجها، شأن الوالد الرحيم حينما ينصح ولدين له بغية أن يشبا على الألفة والمحبة، فتأتي نصائح الإسلام إلى الزوج مجتمعة في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء : 19]والمعروف كلمة تشمل كل وسائل الخير التي ينبغي أن يعامل بها المسلم من يعاشر من زوجة أو صديق، والإسلام لا يكتفي بهذا، وإنما يفصل حقوق الزوجة على زوجها، ويجعل أهمها الإنفاق في حدود الطاقة والسعة، ثم الاحترام والتقدير، قال الله تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق : 7]، وعن معاوية بن حيدة – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله. ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت. ولا تضرب الوجه. ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت” رواه أبو داود.
ثم يترك الإسلام الزوج بعدما أوقفه على مبدأ الطريق السوي في الحياة الجديدة التي تواجهه – ليتجه إلى الزوجة صابا في أذنها هذا النصح الرشيد، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها” رواه الترمذي – وقال الله تعالى: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء : 34] وعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها – لعنتها الملائكة حتى تصبح” – متفق عليه – وقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : “لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه – متفق عليه. والمراد بالصوم في الحديث هو صوم التطوع.
بعد هذه التوجيهات والنصائح التي اسداها الإسلام إلى دعامتي الأسرة: الزوج والزوجة، وبعد انصياعهما انصياع رضا واقتناع – تتحقق السعادة الزوجية المنشودة، ويعيش الزوجان في حب متجدد، وألفة دائمة، ووئام تام جامع لقلبيهما على استعذاب الحياة، مهما قست الحياة، وفي ذاك الاستعذاب السعادة الوارفة الظلال.
﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ .. ﴾ [يونس : 108].