الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد:
ما هو الأمن المضمون وما شروطه وأين يكون؟
تتوق النفس البشرية إلى الأمن النفسي والأمن البدني،ولقد سلكت مسالك مادية لتحقيق هذا المطلب لكنها لم تجد سوى أمن مؤقت ومزيف،فباتت تتلقى المخاوف والبلايا من كل اتجاه،وأضحت صريعة الهوى والزيغ ولم توفر لها المشارب المادية البشرية ما يشبع رغبتها من الأمن الدائم،الذي تُنْتَفى معه جميع المخاوف.فلما كانت في جنوح وبعد عن مصادر الأمن الحقيقية ،أُوْكِلَت لذاتها وحولها وقوتها فتاهت في بحار مظلمة من الضياع والهلكة.
ولقد ضمن الله جل وعلا لعباده ما يوفر لهم الأمن الشامل الكامل،إذا عملوا بما أرشدهم إليه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وضمانه نافذ لمن حقق الشرط وهو العمل بنصوص الكتاب والسنة،وكل ضمان في الدنيا ناقص ومشكوك فيه إلا ضمان الله جل وعلا فهو كامل غير مشكوك فيه،كما قال عز وجل(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) الأنعام (82) ، أي لم يلبسوا إيمانهم بشرك وكفر،وقد أشكلت هذه الآية على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن منا يارسول الله من لا يظلم نفسه، (قال إنما ذلك الشرك) رواه البخاري ،ولذلك قسم العلماء الأمن هنا إلى قسمين:
القسم الأول: الأمن المطلق وهو الذي لا خوف معه ولا هلع،قد أمن أصحابه في الدنيا من المخاوف والرزايا والأوبئة وكل أمر مقلق وذي خوف،وهم من حققوا مراد الله منهم واعتصموا بحبله المتين ،واتبعوا هدي نبيه صلى الله عليه وسلم،فقد شملهم الله في الدنيا بلباس الطمأنينة وبطانة الراحة النفسية،وملأ قلوبهم يقينا وثقة بما يدخره لهم في الآخرة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهم من تحققت فيهم ولاية الله،وبذلك ضمن الله لهم أمانين،أمن دنيا وأمن آخرة،كما قال تعالى(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس (62) ،قال الإمام الطبري رحمه الله(ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله، لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا).
القسم الثاني: مطلق الأمن، أي الذي قد يكون معه شيء من المخاوف والهلع أو عذاب ونقمة،حسب قوة إيمان أهله واعتقادهم ومتابعتهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء عاقبتهم النجاة،وقد يكون هؤلاء هم السواد الأعظم في الأمة اليوم،والذي يلزم هؤلاء هو السعي الحثيث للحاق بالقسم الأول،وليس ذلك بالمكلف مع العزيمة الصادقة والإيمان الصاعد.
وخلاصة القول في هذا،أن الأمن الذي ضمنه الله لعباده مع حصول شرطه،هو الأمن الذي لا خوف معه أبدا،( وَهُم مُّهْتَدُونَ) أي مع نعمة الأمن يهديهم إلى الطريق الموصل إلى الغاية وهي رضاه عز وجل والجنة،فالموفق من وفق وهُدي إلى هذه الغاية التي هي منتهى مراد الصالحين الذين قال الله فيهم(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ) الأنعام 90 .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.