شرع العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين

ولكن يجب أن نعلم أن الله تعالى لا تحيط به الأمكنة؛ لأنه أكبر من كل شيء، وأن ما فوق الكون عدم، ما ثم إلا الله؛ فهو فوق كل شيء.

* وفي قوله: “أعتقها؛ فإنها مؤمنة“: دليل على أن عتق الكافر ليس بمشروع، ولهذا لا يجزئ عتقه في الكفارات؛ لأن بقاء الكافر عندك رقيقاً؛ فيه نوع حماية وسلطة وإمرة وتقريب من الإسلام؛ فإذا أعتقته؛ تحرر؛ وإذا تحرر؛ فيخشى منه أن يرجع إلى بلاد الكفر؛ لأن أصل الرق هو الكفر، ويبقى معيناً للكافرين على المؤمنين.

*  *  *

وقوله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت( 1 ) حديث حسن…………

( 1 ) هذا الحديث: في إثبات المعية:

* أفاد الحديث معية الله عز وجل، وقد سبق في الآيات أن معية الله لا تستلزم أن يكون في الأرض، بل يمتنع غاية الامتناع أن يكون في الأرض، لأن العلو من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها أبداً، بل هي لازمة له سبحانه وتعالى.

وسبق أيضاً أنها قسمان.

* وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:أفضل الإيمان أن تعلم“: يدل على أن الإيمان يتفاضل؛ لأنك أذا علمت أن الله معك حيثما كنت؛ خفت منه عز وجل وعظمته.

لو كنت في حجرة مظلمة ليس فيها أحد؛ فاعلم أن الله معك، لا في الحجرة؛ لكنه سبحانه وتعالى معك؛ لإحاطته بك علماً وقدرة وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته.

 

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه، ولا عن يمينه ،فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه ( 1 ) متفق عليه…………

( 1 ) هذا الحديث في إثبات كون الله قبل وجه المصلى:

*” قبل وجهه” يعني: أمامه.

قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ( البقرة:115 ).

*” يمينه“: ورد فيه حديث:” فإن عن يمينه ملكاً” ، ولأن اليمين أفضل من الشمال، فيكون اليسار أولى بالبصاق ونحوه، ولهذا قال” ولكن عن يساره أو تحت قدمه“.

فإن كان في المسجد؛ قال العلماء: فإنه يجعل البصاق في خرقه أو منديل أو ثوبه ، ويحك بعضه ببعض، حتى تزول صورة البصاق، وإذا كان الإنسان في المسجد عند الجدار، والجدار قصير عن يساره؛ فإنه يمكن أن يبصق عن يساره إذا لم يؤذ أحداً من المارة.

*يستفاد من هذا الحديث: أن الله تبارك وتعالى أمام وجه المصلي، ولكن يجب أن نعلم أن الذي قال: إنه أمام وجه المصلى؛ هو الذي قال إنه في السماء، ولا تناقض في كلامه هذا وهذا؛ إذ يمكن الجمع من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن الشرع جمع بينهما ، ولا يجمع بين متناقضين.

الوجه الثاني: أنه يمكن أن يكون الشيء عالياً، وهو قبل وجهك؛ فها هو الرجل يستقبل الشمس أول النهار، فتكون أمامه وهي في السماء؛ فإذا كان هذا ممكناً في المخلوق؛ ففي الخالق من باب أولى بلا شك.

الوجه الثالث: هب أن هذا ممتنع في المخلوق؛ فإنه لا يمتنع في الخالق؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته.

يستفاد من هذا الحديث من الناحية المسلكية وجوب الأدب مع الله عز وجل ويستفاد أنه متى آمن المصلي بذلك فإنه يحدث له خشوعاً وهيبة من الله عز وجل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك م شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها . أنت الأول؛ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر؛ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر؛ فليس فوقك شيء، وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء؛ اقض عني الدين، وأغنني من الفقر. رواه مسلم( 1 )…………………………………..

( 1 )هذا الحديث: في إثبات العلو وصفات أخرى:

*وهو حديث عظيم ، توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بربوبيته في قوله:” اللهم رب السماوات السبع والأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء” ، وهذا من باب التعميم بعد التخصيص في قوله:” ورب كل شيء” وهذا التعميم بعد التخصيص؛ لئلا يتوهم واهم اختصاص الحكم بما خصص به. وانظر إلى قوله تعالى: ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ) ( النمل: من الآية91 ) حيث قال: ( وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ )؛ حتى لا يظن ظان أنه ليس رباً إلا لهذه البلدة.

*” فالق الحب والنوى“: حب الزرع. و “النوى”: نوى العرس؛ فالأشجار التي تخرج: إما زروع أصلها النوى؛ فما للأشجار يسمى نوى، وما للزروع يسمى حباً؛( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ) ( الأنعام: من الآية95 ).

هذا الحب والنوى اليابس الذي لا ينمو ولا يزيد ، يفلقه الرب عز وجل؛ أي: يفتحه حتى تخرج منه الأشجار والزروع ، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك؛ مهما بلغ الناس في القدرة؛ ما استطاعوا أن يفلقوا حبة واحدة أبداً! والنوى كذلك الذي كالحجر؛ لا ينمو، ولا يزيد؛ يفلقه الله عز وجل، وينفرج، ثم تكون منه الغريسة التي تنمو، ولا أحد يستطيع ذلك؛ إلا الذي فلقها سبحانه وتعالى.

ولما ذكر الآية الكونية العظيمة؛ ذكر الآيات الشرعية، وهي:

قوله:” منزل التوراة والإنجيل والقرآن“: وهذه أعظم كتب أنزلها الله عز وجل، وبدأها على الترتيب الزمني: التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي هذا نص صريح على أن التوراة منزلة كما جاء في القرآن: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ ) ( المائدة: من الآية44 ) ، وقال في أول سورة آل عمران: ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ) ( 3 ) ( مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ) ( آل عمران: 3-4 ).

قوله:” أعوذ بك من شر نفسي”: أعتصم بالله من شر نفسي.

إذاً؛ في نفسك شر؛ ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء ) ( يوسف: من الآية53 )

لكن النفس نفسان:

1- نفس مطمئنة طيبة تأمر بالخير.

2- نفس شريرة أمارة بالسوء.

والنفس اللوامة؛ هل هي ثالثة، أو وصف للثنتين السابقتين؟!

فيه خلاف: بعضهم يقول: أنها نفس ثالثة. وبعضهم يقول: هي وصف للثنتين السابقتين؛ فالمطمئنة تلومك والأمارة بالسوء تلومك؛ فيكون قوله تعالى: ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) ( القيامة:2 )؛ يشمل النفسين جميعاً.

فالمطمئنة تلومك على التقصير في الواجب؛ إذا أهملت واجباً؛ لامتك، وإذا فعلت محرماً؛ لامتك.

والأمارة بالعكس؛ إذا فعلت الخير؛ لامتك وتلومك إذا فوت ما تأمرك به من السوء.

إذاً؛ صارت اللوَّامة على القول الراجح وصفاً لنفسين معاً.

وقوله هنا:” أعوذ بك من شر نفسي”: المراد بها النفس الأمارة بالسوء.

قوله:” ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها”: الدابة: كل ما يدب على الأرض، حتى الذي يمشي على بطنه داخل في هذا الحديث؛ كقوله تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ) ( النور: من الآية45 ) ، وقوله: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) ( هود: من الآية6 ) .

وإن كانت الدابة تطلق في العرف على ذوات الأربع، فوفي عرف أخص تطلق على الحمار فقط، لكنها في مثل هذا الحديث يراد بها كل ما يدب على الأرض، وما يدب على الأرض فيه شرور، أما بعضه فشر محض بالنسبة لذاته، وأما بعضه ففيه خير وفيه شر، وحتى الذي فيه خير؛ لا يسلم من الشر.

*قوله:” أنت آخذ بناصيتها “: مقدم الرأس، وإنما نص على الناصية؛ لأنه هو المقدم ، وهو الذي يمسك به لقيادة البعير وشبهه وقيل: خص ذلك؛ لأن المخ الذي فيه التصور والتلقي يكون في مقدمة الرأس ، والعلم عند الله.

*قوله:” أنت الأول؛ فليس قبلك شيء”: هذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله:” الأول” والأول من أسماء الله.

وقد ذكرنا عند تفسير الآية أن أهل الفلسفة يسمون الله: القديم، وذكرنا أن القديم ليس من أسماء الله الحسنى، وأنه لا يجوز أن يسمى به، لكن يجوز أن يخبر به عنه، وباب الخبر أوسع من باب التسمية؛ لأن القديم ليس من الأسماء الحسنى، والقديم فيه نقص؛ لأن القدم قد يكون قدماً نسبياً؛ ألم تر إلى قوله تعالى: ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) ( يّـس:39 )، والعرجون القديم حادث، لكنه قديم بالنسبة لما بعده.

*قوله:” وأنت الظاهر؛ فليس فوقك شيء: الظاهر من الظهور، وهو العلو؛ كما قال تعالى: ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ) ( الكهف:97 )؛( يَظْهَرُوهُ )؛ أي: يعلو عليه.

 وأما من قال: الظاهر بآياته؛ فهذا خطأ؛ لأنه لا أحد أعلم بتفسير كلام الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال:” الظاهر؛ فليس فوقك شيء”: بل هو فوق كل شيء سبحانه.

قوله:” وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء“: المعنى: ليس دون الله شيء؛ لا أحد يدبر دون الله ، ولا أحد ينفرد بشيء دون الله، ولا أحد يخفى على الله؛ كل شيء؛ فالله محيط به ، ولهذا قال:” ليس دونك شيء” يعني: لا يحول دونك شيء، ولا يمنع دونك شيء، ولا ينفع ذا الجد منك الجد… وهكذا.

قوله:” اقض عني الدين“: الدين: ما يستحق على الإنسان من مال أو حق؛ اشتريت منك حاجة، ولم أنقدك الثمن؛ فهذا يسمى ديناً، وإن كان غير مؤجل.

قوله:” أغنني من الفقر“: الفقر: خلو ذات اليد، ولا شك أن الفقر فيه إيلام للنفس ، والدين فيه ذل؛ والمدين ذليل للدائن، والفقير معوز ربما يجره الفقر إلى أمر محرم.

ألم يأتكم نبأ الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، وكان لأحدهم ابنة عم أعجبته، وكان يراودها عن نفسه، ولكنها كان تأبى ذلك، فألمت به سنة من السنين، واحتاجت ، وجاءت إليه تطلب منه أن يعينها، فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسه ،  من أجل ضرورتها؛ وافقت على هذا، فما جلس منها مجلس الرجل من امرأته؛ قالت له: يا هذا! اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه! وأثرت هذه الكلمة في الرجل عندما كانت نابعة من القلب، فقام عنها. قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي. لكن ذكرته هذه الموعظة الكريمة؛ فأقلع.

فانظر إلى الفقر؛ فإن هذه المرأة أرادت أن تبيع عرضها بسبب الفقر.

إذاً؛ قول الرسول صلى الله عليه وسلم:” أغنني من الفقر

: سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يغنيه من الفقر؛ لأن الفقر له آفات عظيمة.

*وفي هذا الحديث أسماء وصفات:

–       فمن الأسماء: الأول، والآخر، والظاهر ، والباطن.

–       ومن الصفات: الأولية والآخرية، وفيهما الإحاطة الزمانية.

والظاهرية والباطنية، وفيهما الإحاطة المكانية. ومنها: العلو، وعموم ربوبيته، وتمام قدرته. ومنها: كما رحمته وحكمته بإنزال الكتب؛ لتحكم بين الناس وتهديهم صراط الله.

*ومن غير الأسماء والصفات: التوسل إلى الله بصفات الله، والتحذير من شر النفوس، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى الله دينه ويغنيه من الفقر، وبيان ضعف الحديث الذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يحييه ربه مسكينا.

وفيه من الفوائد المسلكية: التحذير من شر النفس، وتعظيم شأن الدين، وأن يحرص على تلافي الدين بقدر الإمكان، ويقتصد في ماله طلباً وتصرفاً؛ لأنه إذا اقتصد في ذلك؛ سلم غالباً من الفقر والدين.

* * *

وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر:” أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً؛ إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته”( 1 ) متفق عليه……

( 1 )هذا الحديث : في إثبات قرب الله تعالى:

كان الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذا علوا نشزاً؛ كبروا، وإذا نزلوا وادياً؛ سبحوا[8][184]؛ لأن الإنسان إذا ارتفع؛ قد يتعاظم في نفه، ويرى أنه مرتفع عظيم؛ فناسب أن يقول: الله أكبر! تذكيراً لنفسه بكبرياء الله عز وجل، وأما إذا نزل؛ فهذا سفول ونزول، فيقول: سبحان الله! تذكيراً لنفسه بتنزه الله عن اسفل. فكان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالذكر جداً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:

أيها الناس اربعوا على أنفسكم“؛ يعني: هونوا عليها.

فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً“؛ لا تدعون أصم لا يسمع ، ولا غائباً لا يرى.

إنما تدعون سميعاً“؛ يسمع ذكركم، بصيرا“؛ يرى أفعالكم.

إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته“: عنق الراحلة للراكب قريب جداً؛ فالله تعالى أقرب من هذا إلى الإنسان، ومع هذا؛ فهو فوق سماواته على عرشه.

ولا منافاة بين القرب والعلو؛ لأن الشيء قد يكون بعيداً قريباً؛ هذا بالنسبة للمخلوق؛ فكيف بالخالق؟! فالرب عز وجل قريب مع علوه، أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته.

هذا الحديث فيه فوائد:

–       فيه شيء من الصفات السلبية: نفي كونه أصم أو غائباً؛ لكمال سمعه ولكمال بصره وعلمه وقربه.

–   وفيه أيضاً انه ينبغي للإنسان إلا يشق على نفسه في العبادة؛ لأن الإنسان إذا شق على نفسه؛ تعبت النفس وملت، وربما يتأثر البدن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ” اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا“.

حتى إن الرسول صلى الله عليه وسمل أمر من نعس في صلاته أن ينام ويدع الصلاة؛ قال: ” فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه”.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقول القائل: لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم كذلك في القيام والنوم

–   وفيه ايضاً أن الله قريب، وقد دل عليه قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( البقرة: من الآية186 ).

* ونستفيد من هذا الحديث من الناحية المسلكية:

–       أنه لا ينبغي لنا أن نشق على أنفسنا بالعبادات، وأن يكون سيرنا إلى الله وسطاً؛ لا تفريط ولا إفراط.

–       وفيه أيضاً: الحذر من الله؛ لأنه سميع وقريب وبصير، فنبتعد عن مخالفته.

–   وفيه أيضا من الناحية الحكمية: جواز تشبيه الغائب الحاضر للإيضاح؛ حيث قال:” إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته“.

–   وفيه أيضاً انه ينبغي أن يراعي الإنسان في المعاني ما كان أقرب على الفهم؛ لأن هؤلاء مسافرون، وكل منهم على راحلته، وإذا ضرب المثل بما هو قريب؛ فلا أحسن من هذا المثل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام.

وقوله صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم كمـا ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته؛ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها؛ فافعلوا ( 1 )” متفق عليه………………………………

( 1 )    هذا الحديث في إثبات رؤية المؤمنين لربهم.

  • قوله:” إنكم سترون ربكم “: السين للتحقيق، وتخلص الفعل المضارع إلى الاستقبال بعد أن كان صالحاً للحال والاستقبال؛ كما أن ( لم ) تخلصه للماضي، والخطاب للمؤمنين.
  • قوله:” كما ترون القمر:” هذه رؤية بصرية؛ لأن رؤيتنا للقمر بصرية، وهنا شبه الرؤية بالرؤية؛ فتكون رؤية بصرية.
  • قوله:” كما ترون“: ( ما ) هذه مصدرية، فيحول الفعل بعدها إلى مصدر، ويكون التقدير: كرؤيتكم القمر؛ فالتشبيه حينئذ للرؤية بالرؤية وليس للمرئي بالمرئي، لأن الله تعالى ليس كمثله شيء.

والنبي عليه الصلاة والسلام يقرب المعاني أحياناً بذكر الأمثلة الحسية الواقعية؛ كما سأله أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر؛ قال: يا رسول الله ! أكلنا يرى ربه يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” كلكم ينظر إلى القمر مخلياً به” قال: بلى قال النبي صلى الله عليه وسلم:” فالله أعظم“.

وقوله:” مخلياً به”؛ يعني: خالياً به.

وكما ثبت به الحديث في ” صحيح مسلم ” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:” إن الله يقول:قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال: حمدني عبدي…. الخ.

وهذا يشمل كل مصل، ومن المعلوم أنه قد يتفق المصلون في هذه الآية جميعأً ، فيقول اله لكل واحد:” حمدني عبدي“، في آن واحد

قال:” كما ترون القمر ليلة البدر” أي: ليلة إبداره، وهي الليلة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والثالثة عشرة أحياناً، والوسط الرابعة عشرة، كما قال ابن القيم: كالبدر ليل الست بعد ثمان.

*قوله:” لا تضامُون في رؤيته” ، وفي لفظ: لا تضامون” وفي لفظ:” لا تضارون“:

–   ” لا تضامون“: بضم التاء وتخفيف الميم ، أي:  يلحقكم ضيم، والضيم الظلم، والمعنى: لا يحجب بعضكم بعضاً عن الرؤية فيظلمه بمنعه إياه. لأن كل واحد يراه.

–   ” لا تضامون“: بتشديد الميم وفتح التاء وضمها: يعني: لا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته؛ لأن الشيء إذا كان خفياً؛ ينضم الواحد على صاحبه ليريه إياه.

–   أما ” لا تضارون” أو “لا تضارُون” فالمعنى: لا يلحقكم ضرر؛ لأن كل إنسان يراه سبحانه وتعالى وهو في غاية ما يكون من الطمأنينة والراحة.

–   قوله:” فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غربوها؛ فافعلوا“: الصلاة قبل طلوع الشمس هي الفجر، وقبل غروبها هي العصر.

 

–   والعصر أفضل من الفجر؛ لأنها الصلاة الوسطى التي خصها الله بالأمر بالمحافظة عليها بعد التعميم ، والفجر أفضل من العصر من وجه؛ لأنها الصلاة المشهودة؛ كما قال تعالى ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ) ( الاسراء: من الآية78 ) وجاء في الحديث الصحيح:” من صلى البردين؛ دخل الجنة، وهما الفجر والعصر.

إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به ( 1 ) فإن الفرقة ( 2 ) الناجية ( 3 ) أهل السنة والجماعة( 4 )…………………………………………………………………..

*في هذا الحديث من صفات الله: إثبات أن الله يرى، وقد سبق شرح هذه الصفة عند ذكر الآيات الدالة عليها ، وهي أربعة آيات، والأحاديث في هذا متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم فثبوتها قطعة، ودلالتها قطعية.

ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن من أنكر رؤية الله تعالى؛ فهو كافر مرتد، وان الواجب على كل مؤمن أن يقر بذلك. قال: وإنما كفرناه؛ لأن الأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، ولا يمكن لأحد أن يقول: إن قول الرسول عليه الصلاة والسلام:” إنكم سترون ربكم” إنه ليس قطعي الدلالة؛ إذ ليس هناك شيء أشد قطعاً من مثل هذا التركيب.

لو كان الحديث:” إنكم ترون ربكم”: لربما تحتمل التأويل، وأنه عبر عن العلم اليقيني بالرؤية البصرية، ولكنه صرح بأنا نراه كما نرى القمر، وهو حسي.

وسبق لنا أن أهل التعطيل يؤولون هذه الأحاديث ويفسرون الرؤية برؤية العلم، وسبق بطلان قولهم.

( 1 )* قوله: إلى أمثال هذه الأحاديث … إلخ؛ يعني: انظر إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر بها النبي صلى الله  عليه وسلم عن ربه؛ فما كان مثلها ثبوتاً ودلالة؛ فحكمه حكمها.

( 2 )    الفرقة “؛ أي: الطائفة.

( 3 )    ” الناجية” التي نجت في الدنيا من البدع، وفي الآخرة من النار.

( 4 )    أي: الذين أخذوا بالسنة واجتمعوا عليها .

يؤمنون بذلك( 1 ) كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه العزيز ( 2 ) من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل ( 3 )…………………………………………………………………………………..

( 1 )    أي: بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسمل .

( 2 )  لأن ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام يجب علينا أن نؤمن به كما يجب علينا أن نؤمن بما أخبر الله به في كتابه؛ إلا أنه يختلف عن القرآن في الثبوت؛ فإن لنا نظرين بالنسبة لما جاءت به السنة:

النظر الأول: في ثبوته.

والنظر الثاني: في دلالته.

أما ما في القرآن؛ فلنا نظر واحد، وهو النظر في الدلالة.

وقد سبق لنا بيان الأدلة الدالة على وجوب قبول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسمل .

( 3 )    سبق شرح هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *