شرح العقيدة الواسطية…. للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وقد دخل ذكرناه من الإيمان بالله:الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علىّ على خلقه( 1 )……………….

في المعية وبيان الجمع بينهما

وبين علو الله واستوائه على عرشه

  سبق أن مما يدخل في الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته ومن ذلك الإيمان بعلو الله واستوائه على عرشه، والإيمان بمعيته، وفي هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله الجمع بين العلو والمعية؛ فقال: وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه عليّ على خلقه“.

هذه ثلاثة أدلة على علو الله تعالى: الكتاب، السنة؟، والإجماع.

ومر علينا دليل رابع وخامس، وهما: العقل ، والفطرة.

  “من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه عليّ على خلقه” تقدم لنا أن علو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات، وأن علو الذات دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، والعقل والفطرة وكذلك علو الصفة.

   فالكتاب مملوء من ذلك: تارة بالتصريح بالفوقية، وتارة بالتصريح بالعلو ، وتارة بالتصريح بأنه في السماء، وتارة بنزول الأشياء من عنده، وتارة بصعودها إليه، ونحو ذلك.

 والسنة جاءت بالقول والفعل والإقرار، وسبق ذكر ذلك.

 أما الإجماع؛ فقد أجمع السف على ذلك، وطريق العلم بإجماعهم عدم نقل ضد ما جاء في الكتاب والسنة؛ فإنهم كانوا يقرؤون القرآن وينقلون الأخبار ويعلمون معانيها، ولما لم ينقل عنهم ما يخالف ظاهرها؛ علم أنهم لا يعتقدون سواه، وأنهم مجمعون على ذلك. وهذا طريق حسن لإثبات إجماعهم، فاستمسك به ينفعك في مواطن كثيرة.

وأما العقل؛ فمن وجهين:

الوجه الأول: أن العلو صفى كمال ، والله تعالى قد ثبت له كل صفات الكمال، فوجب إثبات العلو له سبحانه.

الوجه الثاني: إذا لم يكن عالياً؛ فإما أن يكون تحت أو مساوياً، وهذا صفة نقص؛ لأنه يستلزم أن تكون الأشياء فوقه أو مثله؛ فلزم ثبوت العلو له.

أما الفطرة؛ فلا أحد ينكرها؛ إلا من انحرفت فطرته؛ فكل إنسان يقول: يا الله ! يتجه قلبه إلى السماء، لا ينصرف عنه يمنة ولا يسرة، لأن الله تعالى في السماء.

وهو سبحانه معهم إينما كانوا؛ يعملُ ما هم عامِلونَ ( 1 )………………………………………….

هذا من الإيمان بالله، وهو الإيمان بمعيته لخلقه.

وقد سبق أن معية الله تنقسم إلى عامة وخاصة، وخاصة الخاصة.

– فالعامة: التي تشمل كل أحد من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، ومثالها قوله تعالى: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( الحديد: من الآية4 ).

-والخاصة: مثل قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) ( النحل:128 ).

-والتي أخص بها: مثل قوله تعالى لموسى وهارون: ( قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) ( طـه:46 )، وقوله عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ( التوبة: من الآية40 ).

وسبق أن هذه المعية حقيقية، وأن من مقتضى المعية العامة العلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان وغير ذلك، ومن مقتضى الخاصة النصر والتأييد.

كما جمع بين ذلك ( 1 ) في قوله: ( هو الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في …………………………..

 قوله:”بين ذلك”؛ أي: بين العلو والمعية، ففي قوله:( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) إثبات العلو، وفي قوله: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )إثبات المعية، فجمع بينهما في آية واحدة، ولا منافاة بينهما كما سبق ويأتي.

ووجه الجمع من وجوه ثلاثة:

 سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) وليس معنى قوله: ( وَهُوَ مَعَكُمْ )  أنه مختلط بالخلق ( 1 ) فإن هذا لا توجبه اللغة ( 1 ) وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ( 3 )

الأول: أنه ذكر استواءه على العرش، ثم قال: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) ، وإذا جمع الله لنفسه بين وصفين؛ فإننا نعلم علم اليقين أنهما لا يتناقضان؛ لأنهما لو تناقضا؛ لاستحال اجتماعهما؛ إذ المتناقضين لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ فلا بد من وجود أحدهما وانتفاء الثاني، ولو كان هناك تناقض؛ لزم أن يكون أول الآية مكذباً لأخرها أو بالعكس.

الثاني: نه قد يجتمع العلو والمعية في المخلوقات؛ كما سيذكره المؤلف في قول الناس: ما زلنا نسير والقمر معنا.

الثالث: لو فرض تعارضهما بالنسبة للمخلوق؛ لم يلزم ذلك بالنسبة للخالق؛ لأن الله ليس كمثله شيء.

 قوله ” ليس معنى قوله: ( وَهُوَ مَعَكُمْ )؛ أنه مُختلط بالخلق: لأن هذا المعنى نقص، وقد سبق أنه لو كان هذا هو المعنى؛ لزم أحد أمرين: إما تعدد الخالق، أو تجزؤه؛ مع ما في ذلك أيضاً من كون الأشياء تحيط به، وهو سبحانه محيط بالأشياء.

 قوله:” فإن هذا لا توجبه اللغة“؛ يعني: وإذا كان اللغة لا توجبه؛ لم يتعين، وهذا أحد الوجوه الدالة على بطلان مذهب الحلولية من الجهمية وغيرهم؛ القائلين بأن الله مع خلقه مختلطاً بهم.

ولم يقل: لا تقتضيه اللغة؛ لأن اللغة قد تقتضيه ، وفرق بين كون اللغة تقتضي ذلك وبين كونها توجب ذلك.

فالمعية في اللغة قد تقتضي الاختلاط؛ مثل الماء واللبن؛ تقول: ماء مع لبن مخلوطاً.

 قوله “وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق” وذلك لأن الإنسان مفطور على أن الخالق بائن من المخلوق ، ليس أحد إذا قال: يا الله! إلا ويعتقد أن الله تعالى بائن من خلقه، لا يعتقد أنه حالٌ في خلقه؛ فدعوى أنه مختلط بالخلق مخالف للشرع ومخالف للعقل ومخالف للفطرة.

بل  القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان ( 2 )

 “بل” للإضراب الانتقالي.

 هذا مثل ضربه المؤلف رحمه اله تقريباً للمعنى وتحقيقاً لصحة كون الشيء مع الإنسان حقيقة مع تباعد ما بينهما، وذلك أن القمر من أصغر المخلوقات، وهو في السماء، ومع المسافر وغيره أينما كان.

فإذا كان هذا المخلوق، وهو من أصغر المخلوقات؛ نقول: إنه معنا، وهو فيا لسماء. ولا يعد ذلك تناقضاً، ولا يقتضي اختلاطاً؛ فلماذا لا يصح أن نجري آيات المعية على ظاهرها، ونقول: هو معنا حقيقة ، وإن كان هو في السماء فوق كل شيء؟!

وكما قلنا سابقاً: لو فرض أن هذا ممتنع في الخلق؛ لكان في الخالق غير ممتنع، فالرب عز وجل هو في السماء حقيقة، وهو معنا حقيقة، ولا تناقض في ذلك، حتى وإن كامن بعيداً عز وجل في علوه؛ فإنه قريب في علوه.

وهذا الذي حققه شيخ الإسلام في كتبه، وقال: إنه لا حاجة إلى أن نؤول الآية على ظاهرها، لكن مع اعتقادنا بأن الله تعالى في المساء على عرشه؛ فهو معنا حقاً، وهو على عرشه حقاً؛ كما نقول: إنه ينزل إلى السماء الدنيا حقاً، وهو في العلو، ولا أحد من أهل السنة ينكر هذا أبداً؛ كل أهل السنة يقولون: هو ينزل حقاً، متفقون على أنه في العلو؛ لأن صفات الخالق ليست مثل صفات المخلوق.

وقد عثرت على تقرير للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يبين هذا المعنى تماماً؛ إي أن المعية حق على حقيقتها، ولا تستلزم أن يكون مختلطاً بالخلق ، أو أنه في الأرض؛ قال جواباً على قول بعض السلف:” معهم بعلمه”.

” إذا جاءت  هذه الكلمة؛ فهي تفسير للمعية بالمقتضى، ليس تفسيراً لحقيقة الكلمة، والذي يحمل ويحدو على التفسير بهذا أن المنازع في هذا المبتدعة الذين يقولون: إنه مختلط بهم، فيأتي البعض من السلف بالمراد بالسياق، وهو أنه بكمال علمه، ولكن لا يريدون أن كلمة ( مع ) مدلولها بكل شيء عليم، بل اجتمعت معها في العلم ، وزادت المعية في المعنى، وهو كونه معهم؛ فتفسيرها بالمقتضى لا يدل على أن معناها باطل ، فالكل حق…”.

إلى أن قال:” ولهذا؛ شيخ الإسلام في عقيدته الأخرى المباركة المختصرة؛ بين أن قوله معهم حق على حقيقته؛

؛ فمن فسرها من السلف بالمقتضى؛ فلحاجة دعت إلى ذلك، وهو الرد على أهل الحلول بالجهمية الذين ينكرون العلو كما تقدم، والقرآن يفسر بالمطابقة وبالمفهوم وبالاستلزام والمقتضى وغير ذلك من الدلالات، وهؤلاء العلماء الذين روى عنهم التفسير بالمقتضى لا ينكرون المعية، بل هي عندهم كالشمس ” أ هـ ” من الفتاوى”؛ تقريراً على الحموية. ( مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم 1/212 ).

سؤال: هل يصح أن نقول: هو معنا بذاته؟

الجواب: هذا اللفظ يجب أن يبعد عنه؛ لأنه يوهم معنى فاسداً يحتج به من يقول بالحلول، ولا حاجة إليه، لأن الأصل أن كل شيء أضافه الله إلى نسفه؛ فهو له نفسه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) هل يحتاج أن نقول: جاء بذاته؟! وإلى قوله صلى الله عليه وسلم:” ينزل إلى السماء الدنيا” ، وهل يحتاج أن نقول: ينزل بذاته؟ّ إننا لا نحتاج إلى ذلك؛ اللهم إلا في مجادلة من يدعى أنه جاء أمره أو ينزل أمره؛ لرد تحريفه.

وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه  مهيمن عليهم  مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته .

وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا: حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله: في السماء أن السماء تقله أو تظله وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ( 5 )……………………………………………………………………

يقول رحمه الله:” وهو سبحانه فوق عرشه“: مع أنه مع الخلق، لكنه فوق عرشه.

يعني: مراقباً حافظاً لأقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم.

أي: حاكم مسيطر على عباده؛ فله الحكم، وإليه يرجع الأمر كله، وأمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن! فيكون.

يعني بذلك ما تضمنه معنى الربوبية من ملك وسلطان وتدبير وغير ذلك؛ فإن معاني الربوبية كثيرة؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر ، وهذه تحمل معاني كثيرة جداً.

هذه الجملة تأكيد لما سبق، وإنما كرر معنى ما سبق لأهمية الموضوع؛ فبين رحمه الله أن ما ذكره الله من كونه فوق العرش حق على حقيقته،  وكذلك ما ذكره من كونه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى  تحريف ، يني: لا يحتاج أن نصرف معنى الفوقية إلى فوقية القدر كما ادعاه أه التحريف والتعطيل، بل هي فوقية ذات وقدر، كما لا يحتاج أن نصرف معنى المعية عن ظاهرها ، بل نقول: هي حق على ظاهرها، ومن فسرها بغير حقيقتها؛ فهو محرف؛ لكن ما ورد من تفسيرها بلازمها ومقتضاها، وارد عن السلف لحاجة دعت إلى ذلك، وهو لا ينافي الحقيقة؛ لأن اللازم الحق حق.

ثم استدرك المؤلف رحمه الله، فقال:” ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ( فِي السَّمَاءِ ) ( الملك:17 )  أن السماء تقله أو تظله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان“.

الظنون الكاذبة هي الأوهام التي ليس لها أساس من الصحة؛ فيجب أن يصان عنها كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

مثال ذلك أن يظن أن ظاهر قوله: ( فِي السَّمَاء )؛ أن السماء تُقله؛ أي: تحمله كما يحمل سقف البيت من كان على ظهره” أو تظله”؛ يعني: تكون فوقه؛ كالسقف على الإنسان.

إذا ظن الإنسان هذا؛ فهو كاذب، يجب صون الأدلة الدالة على أن الله في السماء عن ذلك.

قال المؤلف: وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان.

تنبيه:

قد يقول قائل: كان على المؤلف أن يقول: ومثل أن يظن أن ظاهر قوله: ( وَهُوَ مَعَكُم )  أنه مختلط بالخلق؛ لأن هذا الظن كاذب أيضاً.

وجوابه أن نقول: إن المؤلف رحمه الله ذكر ذلك سابقاً في قوله: وليس معنى قوله ( وَهُوَ مَعَكُم )؛ “أنه مختلط بالخلق“.

الكرسي“: كما يروى عن ابن عباس: موضع القدمين.

وسع كرسيه السماوات والأرض؛ يعني: أحاط بالسماوات والأرض؛ السماوات السبع والأرضين السبع.

فكيف يظنُ ظانُ أن السماء تظل الله أو تقله؟!

فإذا كان قد وسع كرسيه السماوات والأرض؛ فلا يظن أحد أبداً هذا الظن الكاذب، وهو أن السماء تقله أو تظلُه.

يمسكها أن تزولا عن أماكنهما،  ولولا  إمساك الله لهما؛ لاضطربتا ومادتا وزالتا، ولكن الله عز وجل بقدرته وقوته يمسك السماوات والأرض أن تزولا، بل قال تعالى: ( وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه ) ( فاطر: من الآية41 )، ما أمسكهما أحد من بعد الله أبداً.

لو تزول نجمة من النجوم؛ لا يستطيع أحد أن يمسكها؛ فكيف لو زالت السماوات والأرض؟! ما يمسكهما إلا الله الذي خلقهما، الذي يقول للشيء: كن! فيكون. سبحانه وتعالى ، بيده ملكوت السماوات والأرض.

قوله: ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه” السماء فوق الأرض ، ووالله؛ لولا إمساك الله لها؛ لوقعت على الأرض؛ لأنها أجرام عظيمة؛ كما قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً ) ( الأنبياء:32 )، وقال: ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذريات:47 )؛ فلولا أن الله يمسكها؛ لوقعت على الأرض، وإذا وقعت على الأرض؛ أتلفتها.

فالذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ هل يتصور متصور أن السماء تقلُّه أو تظلُّه؟!

لا أحد يتصور ذلك.

ومن آيَاتِه  أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) ………………………………………………

 يعني: من العلامات الدالة على كماله عز وجل من كل وجه.

 ( أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) ( الروم: من الآية25 ): الكوني والشرعي؛ لأن أمره مبنى على الحكمة والرحمة والعدل والإحسان؛( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ ) ( المؤمنون: من الآية71 ) والأهواء فساد للسماوات والأرض، وهي مخالفة للأمر الشرعي.

إذاً فالسماوات والأرض تقوم بأمر الله الكوني والشرعي، ولو أن الحق اتبع أهواء الخلق؛ لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، ولهذا قال العلماء في  قوله تعالى: ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ) ( لأعراف: من الآية56 ) ، أي: ” لا تفسدوا فيها بالمعاصي”.

في قرب الله تعالى وإجابته وأن ذلك

لا ينافي علوه وفوقيته

 وقد دخل في ذلك الإيمان بالله بأنه قريب من خلقه مجيب …………………………….

 يعني: فيما وصف به نفسه.

الإيمان بأنه قريب في نفسه، ومجيب؛ يعني: لعباده.

ودليل ذلك قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( البقرة: من الآية186 )

في هذه الآية ستة ضمائر تعود على الله ، وعلى هذا؛ فيكون القرب قربه عز وجل، ولكن نقول في ( قَرِيبٌ ) كما قلنا في المعية؛ أنه لا يستلزم أن يكون في المكان الذي فيه الإنسان.

وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:” إنه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته” ولا يلزم أن يكون الله عز وجل نفسه في الأرض بينه وبين عنق راحلته.

وإذا كان قول الرسول عليه الصلاة والسلام:” فإن الله قبل وجه المصلي“: لا ستلزم أن يكون الله بينه وبين الجدار ، إن كان يصلي إلى الجدار، ولا بينه وبي الأرض إن كان ينظر إلى الأرض.

فكذلك لا يلزم من قربه أن يكون في الأرض؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جمع صفاته، وهو محيط بكل شيء.

واعلم أن من العلماء من قسم قرب الله تعالى إلى قسمين؛ كالمعية، وقال: القرب الذي مقتضاه الإحاطة قرب عام، والقرب الذي مقتضاه الإجابة والإثابة قرب خاص.

ومنهم يقول: إن القرب خاص فقط؛ مقتض لإجابة الداعي وإثابة العابد،  ولا ينقسم.

-ويستدل هؤلاء بقوله تعالى ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ( البقرة: من الآية186 )، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم:” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد” وأنه لا يمكن أن يكون الله تعالى قريباً من الفجرة الكفرة.

    وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.

– ولكن أورد على هذا القول قوله تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( قّ:16 )؛ فالمراد ب ( الْأِنْسَانَ ): كل إنسان ،  ولهذا قال في آخر الآية: ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ( قّ:22 )…. ) إلى أن قال ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) ( قّ:24 ) ( ق: 22-24 )؛ فهو شامل.

– وأورد عليه أيضاً قوله تعالى ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) ( 83 ) ( وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) ( 84 ) ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) ( الواقعة:83-85 ) ثم قسم هؤلاء الذين بلغت أرواحهم الحلقوم  إلى ثلاثة أقسام، ومنهم الكافر.

-وأجيب عن ذلك بأن قوله: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ( قّ: من الآية16 )؛ يعني بملائكتنا، واستدل لذلك بقوله: ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) ( قّ:17 )

-فإن ( إِذْ ) ظرف متعلق ب( أَقْرَبُ )؛ يعني: ونحن أقرب إليه حين يتلقى المتلقيان، وهذا يدل على أن المراد بقربه تعالى قرب ملائكته.

    وكذلك قوله في المحتضر: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ) المراد: قرب الملائكة، ولهذا قال ( وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) ( الواقعة 85 )، وهذا يدل على أن هذا القريب موجود عندنا، لكن لا نبصره، وهذا يمتنع غاية الامتناع أن يكون المراد به الله عز وجل؛ لأن الله في السماء.

-وما ذهب إليه شيخ الإسلام؛ فهو عندي أٌقرب،  ولكنه ليس في القرب بذاك.

كما جمع بين ذلك في قوله ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رفعوا أصواتهم بالذكر: أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.

وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقبته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو علِي في ذُنُوِه، قريب في عُلُوِه .

    قوله:” كما جمع بين ذلك”: المشار غليه القرب الإجابة.

  “نعوته”؛ يعني: صفاته. وهو على مع أنه داني، قريب مع أنه عال، ولا تناقض في ذلك، وقد سبق بيان ذلك قريباً في الكلام على المعية.

في الإيمان بأن القرآن

كلام الله حقيقة

من الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق…………………….

 وجه كون الإيمان بالقرآن على هذا الوجه من الإيمان بالله أن القرآن من كلام الله ، كلام الله صفة من صفاته، وأيضاً؛ فإن الله وصف القران بأنه كلامه، وأنه منزل؛ فتصديق ذلك من الإيمان بالله.

 والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ) ( التوبة: من الآية6 ).

 قول المؤلف:”منزل أي من عند الله  تعالى:

 لقوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر:9 )

 وقوله( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ( القدر:1 )

 أي: ليس من مخلوقات الله التي خلقها .

والدليل على ذلك قوله تعالى: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ( لأعراف: من الآية54 ) . والقرآن من الأمر؛ لقوله تعالى  ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ) ( الشورى: من الآية52 ) ولأن الكلام صفة المتكلم، والمخلوق مفعول للخالق، بائن منه؛ كالمصنوع؛ بائن من الصانع.

منه بدا  وإليه يعود  وأن الله تعالى تكلم به حقيقة 

 يعني: أن ابتداء تنزيله من الله ، لا من جبريل ولا غيره؛ فجبريل نازل به من عند الله تعالى ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 192 ) ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) ( الشعراء:193 )وقال ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) ( النحل: من الآية102 )، وقال تعالى ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) ( الزمر:1 ) .

سبق الكلام عن معناها والدليل عليها في شرح الآيات عند البحث عن كلام الله.

قوله: ” وأن الله تكلم به حقيقة“: بناء على الأصل؛ أن جميع الصفات حقيقية، وإذا كان كلام الله حقيقة؛ فلا يمكن أن يكون مخلوقاً؛ لأنه صفته، وصفة الخالق غير مخلوقة؛ كما أن صفة المخلوق مخلوقة.

وقد قال الإمام أحمد:” من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق؛ فهو مبتدع”.

فنقول: اللفظ يطلق على معنيين: على المصدر الذي هو فعل الفاعل، وعلى الملفوظ به:

اما على المعنى الأول الذي هو المصدر؛ فلا شك أن ألفاظنا بالقرآن وغير القرآن مخلوقة.

لأننا إذا قلنا: إن اللفظ هو التلفظ؛ فهذا الصوت الخارج من حركة الفم واللسان والشفتين مخلوق.

فإذا أريد باللفظ التلفظ؛ فهو مخلوق ، سواء كان الملفوظ به قرآناً أو حديثاً أو كلاماً أحدثته من عندك.

– أما إذا قصد باللفظ الملفوظ به؛ فهذا منه مخلوق، ومنه غير مخلوق. وعليه؛ إذا قصد باللفظ الملفوظ به؛ فهذا منه مخلوق، منه غير مخلوق، وعليه؛ إذا كان الملفوظ به هو القرآن؛ فليس بمخلوق.

    هذا تفصيل القول في هذا المسألة.

-لكن الإمام أحمد رحمه الله قال:” من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي” قال ذلك لأحد احتمالين:

-إما أن هذا القول من شعار الجحهمية؛ كان الإمام أحمد يقول: إذا سمعت الرجل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فاعمل أنه جهمي.

-وإما أن يكون ذلك حين يريد القائل باللفظ الملفوظ به، وهذا أقرب؛ لأن الإمام أحمد فسه فسره؛ قال:” من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ يريد بالقرآن؛ فهو جهمي”.

-وحينئذ يتضح معنى قوله:” من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهمي” لأنه أرد الملفوظ به، ولا شك أن الذي يريد باللفظ هنا الملفوظ به جهمي.

-أما من قال: غير مخلوق؛ فالإمام أحمد يقول: مبتدع؛ لأن هذا ما عهد عن السلف، وما كانوا يقولون مثل هذا القول؛ يقولون: القرآن كلام الله؛ فقط.

وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة ( 1 )………………….

كرر المؤلف هذا؛ لأن المقام مقام عظيم؛ فإن هذه المسألة حصل فيها على علماء المسلمين من المحن ما هو معلوم، وهلك فيها أمم كثيرة، ولكن حمى الله بالحق بالإمام أحمد وأشباهه، الذين أبوا أن يقولوا إلا أن القرآن غير مخلوق.

لا كلام غيره  ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه ………………..

 قوله:” لا كلام غيره”: خلافاً لمن قال: إن القرآن من كلام جبريل؛ ألهمه الله إياه، أو من محمد … أو ما أشبه ذلك .

فإن قلت: قول المؤلف هنا:” لا كلام غيره” معارض بقول الله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) ( 40 ) ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ ) ( الحاقة:40-41 ) ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) ( 19 ) ( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ) ( التكوير:19-20 ) ، والأول محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني جبريل؟!

فالجواب عن ذلك نقول: لا يمكن أن نحمل الآيتين على أن الرسولين تكلما به حقيقة، وأنه صدر منهما؛ لأن كلاماً واحداً لا يمكن أن يصدر من متكلمين.

( 2 )    قال:لا يجوز إطلاق القول“: ولم يقول: لا يجوز القول! يعني: لا يجوز ا، نقول: هذا القرآن عبارة عن كلام الله؛ إطلاقاً، ولا يجوز أن نقول أنه حكاية: هم الكلابية والذين قالوا: إنه عبارة: هم الأشعرية.

والكل اتفقوا على أن هذا القرآن الذي في المصحف ليس كلام الله ، بل هو إما حكاية أو عبارة، والفرق بينهما:

أن الحكاية المماثلة؛ تعني: كأن هذا المعنى الذي هو الكلام عندهم حُكي بمرآة؛ كما يحكي الصدى كلام المتكلم.

 أما العبارة؛ فيعني بها أن المتكلم عبر عن كلامه النفسي بحروف وأصوات خلقت.

فلا يجوز أن نطلق أنه حكاية أو عبارة، لكن عند التفصيل؛ قد يجوز أن نقول: إن القارئ الآن يعبر عن كلام الله أو يحكي كلام الله؛ لأن لفظه بالقرآن ليس هو كلام الله.

وهذا القول على هذا التقييد لا بأس به، لكن إطلاق أن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله لا يجوز.

وكان المؤلف رحمه الله دقيقاً في العبارة حيث قال:” لا يجوز إطلاق القول” ، بل لابد من التقييد والتعيين.

بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف؛ لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قالهُ مبتدئاً لا إلى من قالهُ مبلغاً مؤدياً ( 1 )………………………………….

يعني: مهما كتبه الناس في المصاحف أو حفظوه في صدورهم أو قرؤوه بألسنتهم؛ فإنه لا يخرج عن كونه كلام الله، ثم علل ذلك ، فقال: ” فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً”.

وهذا تعليل واضح؛ فالكلام يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، أما إضافته إلى من قاله مبلغاً مؤدياً؛ فعلى سبيل التوسع؛ فلو قرأنا الآن مثلاً:

حُكم المحبةِ ثابتُ الأركــان           ما للصدودِ بفسخِ ذاك يدانِ

فإن هذا البيت ينسب حقيقة إلى ابن القيم.

ولو قلت:

كلامُنـا لفظٌ مفيدٌ كاستـقـِم         وأسمٌ وفعلٌ ثم حفٌ الكلم

فهذا ينسب حقيقة إلى ابن مالك.

إذاً؛ الكلام يضاف حقيقة إلى القائل الأول.

فالقرآن كلام من تكلم به أولاً، وهو الله تعالى ، لا كلام من بلغه إلى غيره.

وهو كلام الله حروفه ومعانيه( 1 ) ليس كلام الله الحروف دون المعاني( 2 ) ولا المعاني دون الحروف ( 3 )…..

    قوله:” وهو كلامُ الله؛ حُروفهُ ومعانيهِ“.

هذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ قالوا: إن الله تعالى تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه.

قوله:” ليس كلامُ الله الحروفَ دونَ المعاني“.

وهذا مذهب المعتزلة والجهمية؛ لأنهم يقولون: إن الكلام ليس معنىَ يقول بذات الله ، بل هو شيء من مخلوقاته؛ كالسماء والأرض والناقة والبيت وما أشبه ذلك ! فليس معنى قاماً في نفسه؛  فكلام الله حروف خلقها الله عز وجل، وسماها كلاماً له؛ كما خلق الناقة وسماها نقاة الله، وكما خلق البيت وسماها بيت الله.

ولهذا كان الكلام عند الجهمية والمعتزلة هو الحروف؛ لأن كلام الله عندهم عبارة عن حروف وأصوات خلقها الله عز وجل ونسبها إليه تشريفاً وتعظيماً.

 قوله:” ولا المعاني دُونَ الحُروفِ“:

وهذا مذهب الكلابية والأشعرية؛ فكلام الله عندهم معنى في نفسه، ثم خلق أصواتاً وحروفاً تدل على هذا المعنى؛ إما عبارة أو حكاية.

واعلم أن ابن القيم رحمه الله ذكر أننا إذا أنكرنا أن الله يتكلم؛ فقد أبطلنا الشرع والقدر:

-أما الشرع؛ فلأن الرسالات إنما جاءت بالوحي ، والوحي كلام مبلغ إلى المرسل إليه، فإذا نفينا الكلام؛ انتفى الوحي، وإذا انتفى الوحي؛ انتفى الشرع.

– أما القدر؛ فلأن الخلق يقع بأمره؛ بقوله: كن! فيكون؛ كما قال تعالى: )إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يّـس:82 ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *