تطهير وتعقيم الأجساد أم القلوب والجوارح أيهما أولى… د. ناجي بن وقدان

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.وبعد:

منذ أن بدأت أزمة هذا الوباء كورونا والتحذيرات قائمة وكل يوم وتستجد هذه التحذيرات باتخاذ إجراءات الوقاية من تكميم للوجه وتعقيم وغسل لليدين وتلبيسها بالقفازات والبقاء في البيوت وتطهير وتعقيم المنازل والمقابض والسلالم والبعد عن المصافحة والملامسة …إلخ وهذا جميل لا غبار عليه من بذل الأسباب المادية للنجاة ،ومع كل هذا إذا حضر الأجل فلا تفيد، ولكن الأمة والمجتمع غفلوا عما هو أهم من ذلك كله،إذا هناك أمور قد أُغْفِلَت وقد تكون من الأسباب التي جلبت هذه الوباءات والعقوبات على الأمة، ومنها:

أولا: تطهير القلوب مما غَشِيها من الشرك والران والبغض والغل والحسد والقسوة والظلم وإضمار الخبيث من القول والفعل،فإما أن يكون القلب وعاء الداء أو وعاء الدواء، كما قال عز وجل (وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن: 11] ،(أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) متفق عليه ،(إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم ،فالقلب السليم(وقليل من يحمله) هو الذي قد سلمه الله وطهره،وصاحبه هو الناجي بين يدي الله يوم القيامة،كما قال عز وجل(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء 88- 89 ، فواجب على كل مسلم أن يحرص على سلامة وطهارة وتعقيم قلبه قبل بدنه.

ثانيا: تطهير الألسن وتعقيمها من شوائب الغيبة والنميمة،والكذب، وإفساد ذات البين، والقيل والقال وكثرة الكلام بم يضر ولا ينفع، وإفلات اللسان بالمزاح والنُكَت بما يجلب نهايةً الحسرة والندم، وكذلك الهمز واللمز،والخفض والرفع في عباد الله بموازين الدنيا الفانية،وإفلات اللسان عند الغضب بسيء الكلام،وجريح السباب وغير ذلك مما لا يرضي الملك الرحمن،وقد أمر الله بحفظ اللسان ومنعه إلا في قول حق وكلمة طيبة وذكر لله تعالى،كما قال عز وجل(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء (36) ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) رواه البخاري، ومسلم ، وما أورد الناس الموارد إلا حصائد ألسنتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه(وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي ، وقديما قال الحكماء(في الصمت السلامة، وفى التكلُّم الندامة. وإذا كان الكلام مِن فضَّة فالسكوت مِن ذهب) وكم في المقابر من قتيل لسان، فحق على كل مسلم أن يطهر لسانه ويعقمه ويحافظ عليه كما يطهر جسده ويعقمه ويحافظ عليه وقد أحسن من قال: إحفظْ لسانَك أيها الإنسانُ **** لا يلدغنَّك إنه ثعبانُ .

ثالثا: تطهير وتعقيم يديه وكفها عن أخذ الحرام والرشوة وأذية العباد فالمسلم(من سَلِم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري .

رابعا: تطهير البطون وتعقيما من أكل الحرام من رباً وغش وخداع، وأكل أموال الناس بالباطل،وأكل أموال اليتامى والنساء ظلما وعدوانا،كما قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278-279] ،و صح عن رسول الله ﷺ أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء، فالله حذر من الربا، وأخبر أن أهله في النار وتوعدهم بالنار، والرسول ﷺ كذلك لعنهم على خبث عملهم، ومن السبع الموبقات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم(أكل الربا) رواه البخاري ومسلم ، قال صلى الله عليه وسلم(إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة )  رواه البخاري  ، ولكن وللأسف { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف 103 ، وقال صلى الله عليه وسلم( كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به)  رواه البخاري  فالمال الحرام سبب لدخول النيران ، والبعد عن الجنان ، ( لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام) رواه الترمذي ، وقال تعالى( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 188 ، وقال عز وجل(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) النساء  10 ، والمؤمن يحرص ألا يُدخل في جوفه حرام سواء من التجارة والتكسب ،أو من أصل أرض أخذها ظلما وزورا فإن ما يخرج منها من قوت حرام عليه وعلى عَقِبِه من بعده وسيجرها يوم القيامة في عنقه سبع أراضين، نسأل الله السلامة.

خامسا: ألا يمشي برجله في حرام في أفساد أو ارتكاب محرم ،أو سرقة،أو شهادة زور، فيطهرها ويعقمها من ذلك كله، وهذا أولى من التعقيم المادي الظاهر.

سادسا: تطهير البصر من النظر للحرام سواء النظر إلى النساء أو العورات أو غيرها مما حرمه الله، في الطرقات أو الأسواق أو في الأجهزة المرئية، فإن النظر مفسد للقلب منقص للإيمان متلف للأعمال الصالحة،كما قال عز وجل(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء (36) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم( يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) رواه الترمذي ، ولهذا يقول الله عز وجل(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور 30 ،وليعلم المسلم أنه مسئول مسئولية كاملة عن بصره،فليحرص على تطهيره وتعقيمه ضد أي فيروسات المعصية البصرية،وهذا أهم من التطهير والتعقيم المادي البحت.

سابعا: تطهير وتعقيم السمع ضد كل معصية سمعية كسماع الغيبة والنميمة والأغاني الماجنة والموسيقى وكل ما يرد من خلال السمع من معصية ترد على القلب فتُظْلِمه وتقسيه عن الطاعة والعبادة،وتحجبه عن لذة المناجاة بين يدي الرحمن جل وعلا، ولذلك حذر الله عباده عن سماع مالا يحل فقال سبحانه(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء (36) فإذا أحس المسلم بالمسئولية تجاه جوارحه ترك سماع ما حرم الله عليه.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أسماعنا وأبصارنا وجميع جوارحنا عن كل معصية وذنب وأن يرزقنا الرشد في جميع أمورنا،وأن يرفع البلاء والوباء عنا وعن المسلمين، وأن يجعلنا هداة مهتدين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *