الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .وبعد:
منهم هؤلاء الذين حازوا المفازة بمحبة الله ووده؟!! اللهم اجعلنا منهم.
إن محبة الله واستجلاب وده نهاية ما يتمناه العبد،ولذلك كان من دواعي الوصول إلى وده ومحبته، تحقيق الإيمان بأركانه ومقتضياته،فمن أركانه الإيمان بالله ، وهو التصديق الجازم بوجود الله تعالى والاعتقاد بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وعبادته باطلة، كما قال تعالى(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج 62 ، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل عيب ونقص.ومن أركانه أيضا، الإيمان بالملائكة،وهم خلق من خلق الله تعالى عالم غيبي نوراني، أحياء ناطقون،خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور عابدون لله تعالى ومنحهم الانقياد التام لأمره ، والقوة على تنفيذه يسبحون الليل والنهار لا يفترون،ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى.ومن أركانه أيضا، الإيمان بالكتب،والكتب والصحف هي التي حوت كلام الله تعالى الذي أوحاه إلى رسله عليهم الصلاة والسلام سواء ما ألقاه مكتوباً كالتوراة، أو أنزله عن طريق الملك مشافهة فَكُتِب بعد ذلك كسائر الكتب رحمة للخلق ، وهداية لهم ، ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدارين.ومنها أيضا، الإيمان بالرسل، ومعنى:
الرسل : هم الذين اصطفاهم الله واختارهم لحمل رسالته إلى الخلق،وأمرهم بالتبليغ.
ولكن ماهو الفرق بين الرسول والنبي؟
قد اختلفت الأقوال في التفريق بينهما،فقيل:
النبي : هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ والتبليغ.
والرسول :هو من أوحي إليه بشرع وأُمِر بتبليغه للناس وقيل غير ذلك.
والإيمان بالرسل يقتضي التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمةٍ رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يُعبد من دونه، وأَنَّ جميعهم صادقون مصدقون بارُّون راشدون كرام بررة أتقياء أمناء هداة مهتدون، وبالبراهين الظاهرة والآيات الباهرة من ربهم مؤيدون، وأنهم بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، لم يكتموا حرفاً ولم يغيروه ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفاً ولم ينقصوه، وأنهم كلهم كانوا على الحق المبين، والهدى المستبين.
ومنها أيضا الإيمان باليوم الآخر،ومعناه الإيمان بكل ما أخبرنا به الله عز وجل ورسوله مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه, والبعث والحشر والصحف والحساب والميزان والحوض والصراط والشفاعة والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما جميعا،ومنها أيضا الإيمان بالقدر خيره وشره،أي أن الله مقدر الخير ومقدر الشر،فكل شيء في الوجود مقدر بقدره،ونافذ بقدره ،كما قال عز وجل( إنا كل شيء خلقناه بقدر) سورة القمر 49،وقال عز وجل(وخلق كل شيء فقدره تقديرا) الفرقان2.
ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ العظيم كما في حديث جبريل عليه السلام الطويل وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الايمان فقال( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقَدَر خيره وشره ) رواه مسلم.
والذين حازوا المفازة،ونالوا الكرامة، هم الذين آمنوا أي صَدَّقوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي حبا في قلوب عباده كما في حديث سعد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه قال فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قوله تعالى(سيجعل لهم الرحمن ودا) وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغضت فلانا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض) رواه الترمذي ، وقال هذا حديث حسن صحيح ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الله أعطى المؤمن الألفة والملاحة والمحبة في صدور الصالحين والملائكة المقربين ثم تلا (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) حديث حسن وله شواهد .
وقال ابن عباس : نزلت في عبد الرحمن بن عوف جعل الله تعالى له في قلوب العباد مودة لا يلقاه مؤمن إلا وقره ولا مشرك ولا منافق إلا عظمه وكان هرم بن حيان يقول : ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم ، وقيل : يجعل الله تعالى لهم مودة في قلوب المؤمنين والملائكة يوم القيامة، وقيل غير ذلك .
قلت : ولا شك فإن المؤمن إذا كان محبوبا في الدنيا ، فهو كذلك في الآخرة ، لأن الله تعالى لا يحب إلا مؤمنا تقيا ، ولا يرضى إلا خالصا نقيا ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل عليه السلام فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، قال : ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلام ، وقال : إني أبغض فلانا فأبغضه ، فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ، قال فيبغضونه ،ثم توضع له البغضاء في الأرض) رواه مسلم .
فَحَرِيٌ بكل مسلم أن يسعى لهذه المنقبة العظيمة ،بالقربة إلى الله والعمل الصالح،وجهاد النفس والهوى ، فما يبلغها إلا عامل مُجِد،ونفس سباقة طموحة،وهمة عالية لا ترضى أبدا إلا بمعالي الأمور،ولذلك لابد من أطر النفس على محبة الله ورسوله، وتوطين هذه المحبة بشكل عملي حتى تصل إلى تقديم هذه المحبة على الأهل والمال وعلى كل محبة، وعندها يجد المؤمن حلاوة الإيمان،وهناء العيش،وسعادة القلب والنفس، كما قال صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه ،وقال ابن القيم رحمه الله( وعلى ذلك فإنه لا تنال محبة الله عزّ وجلّ إلا بإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم)، وكلامه رحمه الله مستنبط من قول الله تعالى(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران31 ،رزقنا الله محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.