شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله… د. ناجي بن وقدان

 

 

وفي عرصات القيامة: الحوض المورود لمحمد صلى الله عليه وسلم، ماؤه اشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وآنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً:

( 1 ) الأمر الثامن مما يكون يوم القيامة:

وهو ما ذكره المؤلف بقوله:” وفي عرصات القيامة الحوضُ المورود لمحمد صلى الله عليه وسلم “.

العرصات: عرصة، هي المكان المتسع بين البنيان، والمراد به هنا مواقف القيامة.

والحوض في الأصل: مجمع الماء، والمراد به هنا: حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

والكلام على الحوض من عدة وجوه.

اولاً: هذا الحوض موجود الآن؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن خطب ذات يوم ي أصحابه ، وقال:” وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن[1][247].

وأيضاً؛ ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال:” ومنبري على حوضي”.

وهذا يحتمل أنه في هذا المكان، لكن لا نشاهده؛ نه غيبي ويحتمل أن المنبر يوضع يوم القيامة على الحوض.

ثانياً: هذا الحوض يصب فيه ميزابان من الكوثر، وهو النهر العظيم، الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ ينزلان إلى هذا الحوضثالثاً: زمن الحوض قبل العبور على الصراط؛ لأن المقام يقتضي ذلك؛ حيث إن الناس في حاجة إلى الشرب في عرصات القيامة قبل عبور الصراط.

رابعاً: يرد هذا الحوض المؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، المتبعون لشريعته، وأما من استنكف واستكبر وعن اتباع الشريعة؛ فإنه يطرد منه.

خامساً: في كيفية مائه: فيقول المؤلف رحمه الله:” ماؤه أشد بياضاً من اللبن” هذا في اللون ، أما في الطعم؛ فقال:” وأحلى من العسل”، وفي الرائحة أطيب من ريح المسك؛ كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم 

سادساً: في آنيته: يقول المؤلف:” آنيته عدد نجوم السماء”.

هذا كما ورد في بعض ألفاظ الحديث، وفي  بعضها:” آنيته كنجوم السماء”، وهذا اللفظ أشمل؛ لأنه يكون كالنجوم في العدد وفي الوصف بالنور واللمعان؛ فآنيته كنجوم السماء كثرة وإضاءة.

سابعاً: آثار هذا الحوض: قال المؤلف:” من يشرب منه شربة؛ لا يظمأ بعدها أبداً”: حتى على الصراط وبعده.

وهذه من حكمة الله عز وجل؛ لأن الذي يشرب من الشريعة في الدنيا لا يخسر أبداً كذلك.

ثامناً: مساحة هذا الحوض: يقول المؤلف:” طوله شهر وعرضه شهر”: هذا إذاً يقتضي أن يكون مدوراً؛ لأنه لا يكون بهذه المساحة من كل جانب؛ إلا إذا كان مدوراً، وهذه المسافة باعتبار ما هو معلوم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من سير الإبل المعتاد.

تاسعاً: يصب في الحوض ميزابان من الكوثر الذي أعطاه الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم .

عاشراً: هل للأنبياء الآخرين أحواضٌ؟

فالجواب: نعم؛ فإنه جاء في حديث رواه الترمذي- وإن كان فيه مقال:” إن لكل نبي حوضاً “.

لكن هذا يؤيده المعنى، وهو أن الله عز وجل بحكمته وعدله كما جعل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوضاً يرده المؤمنون من أمته؛ كذلك يجعل لكم نبي حوضاً ، حتى ينتفع المؤمنون بالأنبياء السابقين، لكن الحوض الأعظم هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم .

والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار ( 1 )…………………………

( 1 ) الأمر التاسع مما يكون يوم القيامة: الصراط:

وقد ذكره المؤلف بقوله:” والصراطُ منصوبٌ على متنِ جهنم ، وهو الجسرُ الذي بين الجنة والنار”.

–       فمنهم من قال: طريق واسع يمر الناس على قدر أعمالهم؛ لأن كلمة الصراط مدلولها اللغوي هو هذا؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه دحض ومزلة، والدحض والمزلة لا يكونان إلى في طريق واسع، أما الضيق؛ فلا يكون دحضاً ومزلة.

–       ومن العلماء من قال: بل هو صراط دقيق جداً؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم بلاغاً ، أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف.

*على هذا يرد سؤال: وهو كيف يمكن العبور على طريق كهذا؟

والجواب:أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا؛ فالله تعالى على كل شيء قدير، ولا ندري؛ كيف يعبرون؟! هل يجتمعون جميعاً في هذا الطريق أو واحد بعد واحد؟

وهذه المسألة لا يكاد الإنسان يجزم بأحد القولين؛ لأن لكيهما له وجهة قوية.

وقوله:” منصوب على متن جهنم”؛ يعني: على نفس النار.

يمر الناس عليه على قدر أعمالهم: فمنهم من يمر كلمح البصر ، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً ( 1 )………………………………………………………

( 1 )قوله:” يمر الناس”: المراد ب ” الناس” هنا: المؤمنون؛ لأن الكفار قد ذهب بهم إلى النار .

فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم؛ منهم من يمر كلمح البصر ، ومنهم من يمر كالبرق، ولمح البصر أسرع من البرق، ومنهم من يمر كالريح؛ أي: الهواء ، ولا شك أن الهواء سريع، لا سيما قبل أن يعرف الناس الطائرات، والهواء المعروف يصل أحياناً على مئة وأربعين ميلاً في الساعة، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم ممن يمر كركاب الإبل ، هي دون الفرس الجواد بكثير، ومهم من يعدو عدواً، أي: يسرع، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً؛ أي: يمشي على مقعدته، وكل منهم يريد العبور.

وهذا بغير اختيار الإنسان، ولو كان باختياره؛ لكان يحب أن يكون بسرعة، ولكن السير على حسب سرعته في قبول الشريعة في هذه الدنيا، فمن كان سريعاً في قبول ما جاءت به الرسل؛ كان سريعاً في عبور الصراط، ومن كان بطيئاً في ذلك؛ كان بطيئاً في عبور الصراط؛ جزاء وفقاً، والجزاء من جنس العمل.

ومنهم من يخطف خطفاً( 1 ) فيلقى في جهنم ( 2 ) فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم……..

( 1 ) وقوله:” ومنهم من يخطف”؛ أي: يؤخذ بسرعة، وذلك بالكلاليب التي على الجسر؛ تخطف الناس بأعمالهم ( 2 ) ” فيلقى في جهنم” يفهم منه أن النار التي يلقى فيها لاعصاة هي النار التي يلقى فيها الكفار، ولكنها لا تكون بالعذاب كعذاب الكفار، بل قال بعض العلماء: إنها تكون برداً وسلاماً عليهم كما كانت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، ولكن الظاهر خلاف ذلك، وأنها تكون حارة مؤلمة لكنها ليست كحرارتها بالنسبة للكافرين.

ثم إن أعضاء السجود لا تمسها النار؛ ما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام في  الصحيحين”، وهي الجبهة والأنف والكفان والركبتان وأطراف القدمين.

فمن مر على الصراط ( 1 ) دخل الجنة ( 1 ) فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ( 2 ) فيقتص لبعضهم من بعض ( 3 )………………………………………………………………………..

( 1 ) قوله:” فمن مر على الصراط؛ دخل الجنة”؛ أي: لأنه نجا.

( 2 ) “القنطرة” هي الجسر ، لكنه جسر صغير ، والجسر في الأصل ممر على الماء من نهر ونحوه.

واختلف العلماء في هذه القنطرة؛ هل هي طرف الجسر الذي على متن جهنم أو هي جسر مستقل؟!

والصواب في هذا أ نقول: الله أعلم، وليس يعنينا شأنها، لكن الذي يعنينا أن الناس يوقفون عليها.

( 3 )قوله فيقتص لبعضهم من بعض”: وهذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة؛ لأن هذا قصاص أخص؛ لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص.

فهذه القنطرة التي بين الجنة والنار؛ لأجل تنقية ما في القلوب ، حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل؛ كما قال الله تعالى: ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) ( الحجر:47 )

فإذا هُذبوا ونُقوا؛ أذن لهم في دخول الجنة ( 1 ) ، وأول من يستفتح  باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم  ( 2 )………………………………………………………

( 1 ) هكذا رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

إذا هذبوا مما في قلوبهم من العداوة والبغضاء ونقوا منها؛ فإنه يؤذن لهم في دخول الجنة؛ فإذا أذن لهم في الدخول؛ فلا يجدون الباب مفتوحاً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع إلى الله في أن يفتح لهم با بالجنة؛ كما سيأتي في أقسام الشفاعة إن شاء الله.

* * *

( 2 )الأمر العاشر مما يكون يوم القيامة: دخول الجنة:

وأشار إليه المؤلف بقوله:” وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم”.

ودليله ما ثبت في ” صحيح مسلم ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول شفيع في الجنة”، وفي لفظ ” أنا أول من يقعر باب الجنة، وفي لفظ:” آتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد . فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد من قبلك”

وقوله صلى الله عليه وسلم:” فاستفتح”؛ أي: أطلب فتح الباب.

وهذا من نعمة الله على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الشفاعة الأولى التي يشفعها في  عرصات القيامة لإزالة الكروب والهموم والغموم، والشفاعة الثانية لنيل الأفراح والسرور؛ فيكون شافعاً للخلق عليه الصلاة والسلام في دفع ما يضرهم وجلب ما ينفعهم.

ولا دخول إلى الجنة إلا بعد شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن ذلك ثبت في السنة كما سبق، واشار إليه الله عز وجل بقوله ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) ( الزمر: من الآية73 )؛ فإنه لم يقل: حتى إذا جاءوها؛ فتحت! وفيه إشارة إلى أن هناك شيئاً قبل الفتح، وهو الشفاعة . أما أهل النار؛ فقال فيهم: ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا  ) ( الزمر: من الآية71 )؛ لأنهم يأتونها مهيأة فتبغتهم؛ نعوذ بالله منها.

وأول ما يدخل الجنة من الأمم أمته ( 1 )………………………………………………………

( 1 ) هذا حق ثابت؛ دليله ما ثبت في ” صحيح مسلم ” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة “، وقال صلى الله عليه وسلم:” نحن الآخرون السابقون يوم القيامة”.

وهذا يشمل كل مواقف القيامة وانظر:” حادي الأرواح” لابن القيم:

تتمة:

أبواب الجنة لم يذكرها المؤلف ، لكنها معروفة أنها ثمانية؛ قال الله تعالى ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) ( الزمر: من الآية73؛ وقال النبي صلى الله عليه وسمل فيمن توضأ وأسبغ والوضوء وتشهد:” إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية؛ يدخل من أيها شاء”

وهذه الأبواب كانت ثمانية بحسب الأعمال؛ لأن كل باب له عمال؛ فأهل الصلاة ينادون من باب الصلاة، وأهل الصدقة من باب الصدقة، وأهل الجهاد من باب الجهاد، وأهل الصيام من باب الريان.

وقد يوفق الله عز وجل بعض الناس لأعمال صالحة شاملة؛ فيدعى من جميع الأبواب؛ كما في الصحيحين” عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من أنفق زوجين في سبيل الله؛ نؤدي من أبواب الجنة: يا عبد الله ! هذا خير….” وذكر الحديث ، وفيه: فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال:” نعم، و أرجو أن تكون منهم”.

فإن قلت: إذا كانت الأبواب بحسب الأعمال؛ لزم أن يدعى كل أحد من كل تلك الأبواب إذا عمل بأعمالها؛ فما هو الجواب ؟

فالجواب: أن يقال: يُدعى من الباب المعين من كان يكثر من العمل المخصص له؛ مثلاً: إذا كان هذا الرجل كثير الصلاة؛ فيدعى من باب الصلاة، كثير الصيام من باب الريان، وليس كل إنسان نحصل له الكثرة في كل عمل صالح؛ لأنك تجد في نفسك بعض الأعمال أكثر وأنشط من بعض، لكن قد يمن الله علي بعض الناس، فيكون نشيطاً قوياً في جميع الأعمال؛ كما سبق في قصة أبي بكر رضي الله عنه.

 

وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات ( 1 )…………………………………………..

( 1 )الأمر الحادي عشر مما يكون يوم القيامة: الشفاعة:

وقد ذكرها المؤلف بقوله: وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات”.

” له”: الضمير يعود للنبي صلى الله عليه وسلم .

والشفاعات: جمع شفاعة، والشفاعة في اللغة: جعل الشيء شفعاً. وفي الاصطلاح: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، ومناسبتها للاشتقاق ظاهرة؛ لأنك إذا توسطت له؛ صرت معه شفعاً تشفعه.

والشفاعة تنقسم إلى قسمين: شفاعة باطلة، وشفاعة صحيحة.

فالشفاعة الباطلة: ما يتعلق به المشركون في أصنامهم؛ حيث يعبدون ويزعمون أنهم شفعاء لهم عند الله ، كما قال تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) ( يونس: من الآية18 )، ويقولون ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ( الزمر: من الآية3 ).

لكن هذه الشفاعة باطلة لا تنفع؛ كما قال تعالى: ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) ( المدثر:48 ).

والشفاعة الصحيحة ما جمعت شروطاً ثلاثة:

الأول: رضى الله عن الشافع.

الثاني: رضاه عن المشفوع له، لكن الشفاعة العظمى في الموقف عامة لجميع الناس من رضي الله عنهم ومن لم يرض عنهم .

الثالث: إنه في الشفاعة.

والإذن لا يكون إلا بعد الرضى عن الشافع والمشفوع له.

ودليل ذلك قوله تعالى ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ) ( لنجم:26 ) ، ولم يقل: عن الشافع ، ولا: المشفوع له؛ ليكون أشمل.

وقال تعالى: ( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) ( طـه:109 ).

وقال سبحانه ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) ( الأنبياء: من الآية28 ).

فالآية تضمنت الشروط الثلاثة، والثانية: تضمنت شرطين، والثالثة تضمنت شرطاً واحداً.

فللنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات:

1- الشفاعة العظمى.

2- الشفاعة لأهل الجنة ليدخلوا الجنة.

3- الشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.

أما الشفاعة الأولى: فيشفع ف أهل الموقف حتى يقضى بينهم ( 1 ) بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم ، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى بن مريم عن الشفاعة( 2 )……………………………………………….

( 1 )قوله ” حتى يقضى بينهم “: ( حتى ) هذه تعليلية ، وليست غائية؛ لأن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تنتهي قبل أن يقضى بين الناس؛ فإنه إذا شفع؛ نزل الله عز وجل للقضاء بين عباده وقضى بينهم.

ونظيرها قوله تعالى: ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) ( المنافقون: من الآية7 )؛ فإن قوله:: للتعليل؛ أي: من أجل أن ينفضوا، وليست للغاية؛ لأن المعني يفسد ذلك .

( 1 )أي: يردها كل واحد منهم إلى الآخر.

شرح

 هذه الجملة ما رواه البخاري ومسلم عن  أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون فيم ذلك؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد؛ يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر،  وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس نم الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض: عليكم بآدم! فيأتونه ، فيقولن له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك؛ ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيته؛ نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى نوح! فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح! إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبداً شكوراً؛ اشفع لنا إلى ربك؛ إلا ترى إلى ا نحن فيه؟ فيقول كما قال آدم في غضب الله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي؛ اذهبوا إلى إبراهيم! فيأتون إبراهيم ، فيقولون: يا إبراهيم ! أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض؛ اشفع لنا إلى ربك؛ إلا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول كما قال آدم في غضب الله، وإني قد كذبت ثلاث كذبات؛ إذهبوا إلى موسى! فيأتون موسى ، فيقولون: يا موسى! أنت رسول اله ، فضلك الله  برسالته وبكلامه على الناس؛ اشفع لنا إلى ربك؛ ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول كما قال آدم في غضب الله ، وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها؛ اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته إلي مريم وروح منه وكلمت الناس في النهد صبياً؛ أشفع لنا غلى ربك؛ إلا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول كما قال آدم في غضب الله ولم يذكر ذنباً، وكلهم يقول كما قال آدم: نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى محمد ! فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ اشفع لنا إلى ربك؛ ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق ، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك؛ سل تعطه، واشفع تشفع….” وذكر تمام الحديث.

والكذبات الثلاث التي ذكرها إبراهيم عليه السلام فُسرت بما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات؛ اثنتين منهن في ذات الله: قوله:” إني سقيم”، وقوله:” بل فعله كبيرهم هذا” ، وذكر قوله عن امرأته سارة: إنها أختى.

وفي ” صحيح مسلم ” في حديث الشفاعة السابق أن الثالثة قوله في الكوكب ( هذا ربي ) ، ولم يذكر قصة سارة.

لكن قال بن حجر في “الفتح”: ” الذي يظهر أنها وهم من بعض الرواة”، وعلل ولذلك.

وإنما سمى إبراهيم عليه السلام هذه كذبات؛ تواضعاً منه؛ لأنها بحسب مراده صدق مطابق للواقع؛ فهي من باب التورية، والله أعلم.

حتى تنتهي إليه ( 1 )

( 1 ) أي: إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبق في الحديث ما يكون بعد ذلك.

وهذه الشفاعة العظمى لا تكون لأحد أبداً إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أعظم الشفاعات؛ لأن فيها إراحة الناس من هذا الموقف العظيم والكرب والغم.

وهؤلاء الرسل الذي ذكروا في حديث الشفاعة كلهم من أولي العزم، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن: في سورة الأحزاب، وفي سورة الشورى.

أما في سورة الأحزاب؛ ففي قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) ( الأحزاب:7 ) .

وأما في سورة الشورى؛ فقوله تعالى: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ) ( الشورى: من الآية13 ).

تنبيه:

قوله: ” الأنبياء؛ آدم ونوح…” إلى آخره: جزم المؤلف رحمه الله بأن آدم نبي ن وهو كذلك؛ لأن الله تعالى أوحى إليه بشرع أمره ونهاه.

وروى ابن حبان في ” صحيحه”: أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل كان آدم نبياً؟ قال: ” نعم”.

فيكون آدم أول الأنبياء الموحى إليهم ، وأما أول الرسل؛ فنوح؛ كم هو صريح في حديث الشفاعة وظاهر القرآن في قوله تعالى: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) ( النساء: من الآية163 )، وقوله ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ) ( الحديد: من الآية26 ).

وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ( 1 )……………………………………

( 1 )وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض

، فيقتص لبعضهم من بعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عرصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيا ن أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذبوا ونُقوا؛ إذن لهم في دخول الجنة.

ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب ، حتى يشفع النبي صلى الله علي وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، فيدخل كل إنسان من باب العمل الذي يكون أكثر اجتهاداً فيه من غيره، وإلا؛ فإن المسلم قد يدعى من كل الأبواب.

وهو صريح فيما رواه مسلم [18][264] عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم ، فيقولون: يا أبانا ! استفتح لنا الجنة…” وذكر الحديث ، وفيه:” فيأتون محمداً، فيقوم فيؤذن له..” الحديث.

وهاتان الشفاعتان ( 1 ) خاصتان له ( 2 )…………………………………………………………

( 1 ) يعني: الشفاعة في أهل الموقف أن يقضى بينهم، والشفاعة في دخول الجنة.

( 2 ) أي: للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولذلك يعتذر عنهما آدم وأولو العزم من الرسل .

وهناك أيضاً شفاعة ثالثة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لا تكون لغيره، وهي الشفاعة في عمه أبي طالب، وأبو طالب – كما في ” الصحيحين”[19][265] وغيرهما- مات على الكفر. فأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام عشرة؛ وغيرهما ادرك الإسلام منهم أربعة؛ فبقي اثنان على الكفر وأسلم اثنان:

فالكافران هما:

أبو لهب: وقد أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إساة عظيمة وأنزل الله تعالى فيه وفي امرأته حمالة الحطب سورة كاملة في ذمهما ووعيدهما.

والثاني: أبو طالب ، وقد أحسن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إحساناً كبيراً مشهوراً ، وكان من حكمة الله عز وجل أن بقي على كفره؛ لأنه لو لا كفره؛ ما حصل هذا الدفاع عن الرسول عليه الصلاة ، بل كان يؤذي كما يؤذى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن بجاهه العظيم عند قريش وبقائه على دينهم صاروا يعظمونه وصار للنبي علي الصلاة والسلام جانب من الحماية بذلك.

واللذان أسلما هما العباس وحمزة ، وهو افضل من العباس ، حتى لقبه الرسول عليه الصلاة والسلام أسد الله ، وقتل شهيداً في أحد رضي الله عنه وأرضاه ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء.

فأبو طالب أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفع فيه ، مع أنه كافر، فيكون هذا مخصوصاً من قوله تعالى ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) ( المدثر:48 ) ، ولكنها شفاعة لم تخرجه من النار، بل كان في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه؛ قال الرسول عليه الصلاة والسلام:” ولولا أنا؛ لكان في الدرك الأسفل من النار”، وليس هذا من أجل شخصية أبي طالب، لكن من أجل ما حصل من دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه.

وأما الشفاعة الثالثة، فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ( 1 )…………………………….

( 1 ) قوله:” وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار”؛ أي: من عصاة المؤمنين.

وهذه لها صورتان: يشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.

أما فيمن دخلها أن يخرج منها؛ فالأحاديث ي هذا كثيرة جداً ، بل متواترة.

وأما فيمن استحقها أن لا يدخلها؛ فهذه قد تستفاد من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالمغفرة والرحمة على جنائزهم؛ فإنه من لازم ذلك أن لا يدخل النار؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:” اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين….” الحديث.

*لكن هذه شفاعة في الدنيا؛ كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً؛ إلا شفعهم الله فيه .

*وهذه الشفاعة ينكرها من أهل البدع طائفتان؛ المعتزلة والخوارج لأن المعتزلة والخوارج مذهبهما في فاعل الكبيرة أنه مخلد في نار جهنم ، فيرون من زنى كمن أشرك بالله؛ لا تنفعه الشفاعة، ولن يأذن الله لأحد بالشفاعة له.

وقولهن مردود بما تواترت به الأحاديث في ذلك.

*قوله:” وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم “؛ فليشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ، يعني: أنها ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسل م، بل تكون للنبيين؛ حيث يشفعون في عصاة قومهم، وللصديقين يشفعون في عصاة اقاربهم وغيرهم من المؤمنين، وكذلك تكون لغيرهم من الصالحين، حتى يشفع الرجل في أهل ه وفي جيرانه وفيما أشبه ذلك .

ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته ( 1 )………………………………..

( 1 )يعني: أن الله تعالى يخرج من عصاة المؤمنين من شاء بغير شفاعة ، وهذا من نعمته؛ فإن رحمته سبقت غضبه، فيشفع الأنبياء والصالحون والملائكة وغيرهم، حتى لا يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار من يخرج بدون شفاعة ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أصحاب النار، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:” أن الله تعالى يقول: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط؛ قد عادوا حمماً………” الحديث.

( 1 )الأمر الثاني عشر مما يكون يوم القيامة:

وهو ما ذكره المؤلف بقوله:” ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا“.

الجنة عرضها السماوات والأرض، وهذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض يدخلها أهلها ، ولكن لا تمتلئ

وقد تكلف الله عز وجل للجنة وللنار لكل واحدة ملؤها:

-“فالنار لا تزال يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ فلا تمتلئ، فيضع الله عز وجل عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط”

–       وأما الجنة؛ فينشئ لها أقواماً، فيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته:

–       ثبت ذلك في ” الصحيحين” من حديث انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم وعلى آله وسلم، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ( الأنعام: من الآية54 )، وقول النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام يما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى:” إن رحمتي سقبت غضبي”.

ولهذا قال المؤلف:” فينشئ الله لها أقواماً ، فيدخلهم الجنة”.

( 1 )الأصناف: الأنواع.

( 2 )سبق معنى الحساب.

( 3 )الثواب: جزاء الحسنات؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

( 4 )العقاب: جزاء السيئات، ومن جاء بالسيئة؛ فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.

( 5 )الجنة: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر؛( لا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( السجدة:17 )؛ أي: لا تعلم حقيقته وكنهه.

والجنة موجودة الآن؛ لقوله تعالى: ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )، والأحاديث في هذا المعنى متواترة.

ولا تزال باقية أبد الآبدين؛ لقوله تعالى: )وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ( هود:108 )، وقوله ( خَالِدِينَ فِيهَا  أبدا )؛ في آيات متعددة.

والنار ( 1 ) وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء( 2 ) والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء ( 3 )……

( 1 )النار: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأعدائه، وفيها من أنواع العذاب والعقاب ما لا يطيق.

وهي موجودة  الآن؛ لقوله تعالى: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ( آل عمران: من الآية131 )، والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة مشهورة.

وأهلها خالدون فيها أبداً؛ لقوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) ( الأحزاب:64-65 )

وقد ذكر الله خلودهم أبداً في ثلاث آيات من القرآن؛ هذه أحدها ، والثانية في آخر  سورة النساء، والثالثة في سورة الجن، وهي ظاهرة في أن النار لا تزال باقية أبد الآبدين.

( 2 )يعني: مثل التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى وغيرها من الكتب المنزلة؛ فقد ذكر فيها ذلك مبيناً مفصلاً لحاجة الناس، بل ضرورتهم إلى بيانه وتفصيله؛ إذ لا يمكنهم الاستقامة إلا بالإيمان باليوم الآخر الذي يجازي فيه كل عامل بما عمل من خير وشر.

( 3 ) اعلم أن العلم المأثور عن الأنبياء قسمان:

القسم الأول: قسم ثبت بالوحي، وهو ما ذكر في القرآن والسنة الصحيحة، وهذا لا شك في قبوله واعتقاد مدلوله.

القسم الثاني: قسم أتى عن طريق النقل غير الوحي، وهذا هو الذي دخل فيه الكذب والتحريف والتبديل والتغيير.

ولهذا لا بد من أن يكون الإنسان حذراً مما ينقل بهذه الطريقة عن الأنبياء السابقين، حتى قال الرسول صلى عليه الصلاة والسلام:” إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، قولوا: آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم ، لأنك إن صدقت؛ قد تصدق بباطل، وإن كذبته؛ قد تكذب بحق؛ فلا تصدق ولا تكذب؛ قل: إن كان هذا من عند الله؛ فقد آمنت به.

وقد قسم العلماء ما أثر عمن سبق ثلاثة أقسام:

الأول: ما شهد شرعنا بصدقه.

الثاني: ما شهد شرعنا بكذبه.

والحكم في هذين واضح.

الثالث: ما لم يحكم بصدقه ولا كذبه.

فهذا مما يجب فيه التوقف؛ لا يصدق ولا يكذب.

وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي ( 1 )……………….

( 1 ) العلم الموروث عن محمد صلوات الله وسلامه عليه سواء في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم فيه من ذلك ما يشفي ويكفي.

فلا حاجة إلى أن نبحث عن مواعظ ترقق القلوب من غير الكتاب والسنة، بل نحن في غنى عن هذا كله؛ ففي العلم الموروث عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي في كل أبواب العلم والإيمان.

ثم المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الوعظ والفضائل ترغيباً أو ترهيباً ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيح مقبول ، وضعيف ، وموضوع؛ فليس كله صحيحاً مقبولاً، ونحن في غنى عن الضعيف والموضوع.

–       فالموضوع اتفق العلماء رحمهم الله على أنه لا يجوز ذكره ونشره بين الناس؛ لا في باب الفضائل والترغيب والترهيب، ولا في غيره؛ إلا من ذكره ليبين حاله.

–       والضعيف  اختلف فيه العلماء ، والذين قالوا بجواز نشره ونقله اشترطوا ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن لا يكون الضعف شديداً

الشرط الثاني: أن يكون أصل العمل الذي رتب عليه الثواب أو العقاب ثاباً بدليل صحيح.

الشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسل مقاله، بل يكون متردداً غير جازم ، لكنه راج في باب الترغيب ، خائفٌ في باب الترهيب.

أما صيغة عرضه؛ فلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يقول: روي عن رسول الله، أو ذكر عنه …. وما أشبه ذلك .

فإن كنت في عوام لا يفرقون بين ذكر وقيل وقال؛ فلا تأت به أبداً؛ لأن العامي يعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قاله؛ فما قيل في المحراب؛ فهو عنده الصواب!

تنبيه:

هذا الباب – أي: باب اليوم الآخر وأشراط الساعة- ذكرت في أحاديث كثيرة فيها ضعف وفيها وضع، وأكثر ما تكون هذه في كتب الرقائق والمواعظ؛ فلذلك يجب التحرز منها، وأن نحذر العامة الذين يقع في أيديهم مثل هذه الكتب.

فمن ابتغاه وجده ( 1 )………………………………………………………………….

قوله:” فمن ابتغاه”؛ أي: طلبه:” وجده”.

وهذا صحيح؛ فالقرآن بين أيدينا ، وكتب الأحاديث بين أيدينا ، لكنها تحتاج إلى تنقيح وبيان الصحيح منها والضعيف، حتى يبني الناس ما يعتقدونه في هذا الباب على أساس سليم.(335)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *